رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«ملك فى التاسعة من عمره».. لماذا أصبح توت عنخ آمون أشهر ملوك الفراعنة؟

توت عنخ آمون
توت عنخ آمون

في مقدمة كتابه الصادر حديثًا عن دار الرواق تحت عنوان "ملك من ذهب.. أسرار توت عنخ آمون" يتحدث الدكتور شريف شعبان حول الأمور التي جعلت من الملك الصغير أشهر ملوك الفراعنة.

مقدمة الكتاب

يقول شريف شعبان في مقدمة كتابه: "ما الذي جعل هذا الملك الصبي حديث العالم أجمع طيلة عقود؟.. هل نجح توت عنخ آمون في الوصول بحدود مصر إلى أبعد مدى مثل تحتمس الثالث؟ أم نجح في إقامة إحدى أهم المنشآت المعمارية في التاريخ مثل هرم خوفو؟ أم أحدث ثورة فكرية وعقائدية زلزت المجتمع والفكر الإنساني مثل والده أخناتون؟ الإجابة لا شيء مما سبق. بل إن العمر لم يمهل الملك لأن يقوم بأي إنجاز في عصره، خصوصًا أنه لم يعمِّر أكثر من 18 عامًا، وهو أقصر عمر وصل إليه ملك مصري قديم. 

لعل الملك توت على قدر الشهرة الطاغية التي بلغها -ولم يصل إليها أي ملك مصري- كانت تعويضًا عن المآسي التي مر بها. فذلك الملك الصبي وصل إلى العرش فجأة ولم يتعدَّ عمره التاسعة، لم يلملم فيها أي إدراك سياسي أو وعي بمسئولية الحكم، خصوصًا بعد وفاة والده المُهَرْطِق الذي طالته اللعنات طوال حياته في صمت، وأصبحت علنية بعد رحيله. وما كشفته لنا الدراسات حول تكوين توت الجسماني، دلَّنا على أنه قد عانى من تشوهات جسيمة في بنيانه، فلم يكن مثل أقران سنه يقوى على ممارسة أية رياضات بدنية عنيفة، لكنه آثر الاستكانة وتعلُّم العلوم المختلفة في هدوء. 

نفرتيتي

حتى نفرتيتي، المرأة التي دعمت أباه في ثورته وقاومت معه أمواج الصدام مع الحرس القديم، ظنَّ الملك توت أنه حصل على نفس النصيب من الدعم عبر ابنتها التي تزوجها، إلا أنها لم تكن مثل أمها، وانكشف وجهها بعد وفاته حين بعثت بطلب هو الأغرب والأدهش بل الأقبح في تاريخ مصر القديمة على الإطلاق، عندما أرادت الزواج من أمير أجنبي. 

ووصل الأمر إلى أن حمل الابن ذنوب أبيه وناله قدر من تلك اللعنات دون أن يكون له دور في ثورة أخناتون الفكرية أو حتى الاشتراك فيها، فعاد هو وزوجته إلى حظيرة آمون وانحنى طوعًا وكرهًا لعاصفة التيار القديم. إلا أن هذا لم يشفع له مقدار ذرة، وصاحبته هو الآخر خطايا عصر العمارنة وذنب تدمير البلاد، حتى انكشط اسمه ومُحي ذكره هو وأبيه من سجلات التاريخ واعتُبرا كأنهما لم يكونا، ودخل توت عنخ آمون في غياهب النسيان قرونًا طوال. 

مآسي الملك توت

لم تقف مآسي الملك توت عند هذا الحد، لكن اكتشاف مقبرته تم على يد واحد من أسوأ المكتشفين الذين مروا على تاريخ علم المصريات وارتدوا عباءة العلماء زورًا، هيوارد كارتر الرسام السابق الذي اعتبر المقبرة ومحتوياتها إرثًا شخصيًّا له يعبث بها ما يشاء، ووضع يده في يد الثري اللورد كارنرفون الشره لكنوز المصريين القدماء، فاقتنصا من كنوز توت ضاربين بقوانين الآثار وأخلاق المهنة عرض الحائط. وأضحى اكتشاف مقبرة الملك توت قضية وطنية ومحل صدام بين المصريين في عصرهم الذهبي الحديث وبين المحتل الأجنبي. ووصل بكارتر إجرامه إلى جثمان الملك نفسه، فعرَّضه للتهلكة وشوَّه ملامحه بدعوى الفحص والكشف، وأهمل في الحفاظ عليه حتى تداعت بقاياه. إلا أنه بفضل التطور العلمي الحديث والحقيقي استطعنا بتحليل الحمض النووي وإجراءات الأشعة المقطعية إنقاذ مومياء الملك توت ومعرفة كل ما يخص حياته ومماته ومشاكله الصحية وسبب وفاته، بل والتأكد من نسبه ونسله.

غلاف الكتاب

كنوز الملك توت

ولعل أكبر تعويض منحه القدر لتوت عن كل تلك المآسي، هي الكنوز الذي ظلت مخفية عن أعين اللصوص والمتطفلين لمدة قرون. فقد كان الملك الصغير يطمح إلى أن ترافقه ممتلكاته التي غُطِّيت بالذهب والأحجار الكريمة إلى العالم الآخر بسلام، ولكنها سلكت طريقًا آخر وأصبحت مفتاح مروره إلى العالم أجمع، وفتحت قلوب الملايين لاستقبال سيرة توت. فلم يعرف العالم معارض أثرية خارجية لملك أو عصر مصري أو عالمي نالت شهرة وإقبالًا رهيبًا مثل ما نالته كنوز الملك توت حين طافت كل بلاد الدنيا، وأضحى توت بكنوزه أشهر ملك مصري قديم.

وجاء الوقت كي تستقر تلك الكنوز في مكان يليق بها، فخرج لنا القرار بأن تكون كنوز توت هي نجم العرض الأساسي للمتحف المصري الكبير، أكبر متحف في العالم، مع منع سفر أي قطعة خارج الأراضي المصرية. وهنا يقفز في أذهاننا سؤال مهم: إذا ما كانت تلك كنوز الملك توت الذي لم يحكم مصر سوى تسع سنوات كان فيها في فترة المراهقة، فما بال كنوز ملوك مصر العظام الذين جابوا العالم انتصارًا ومهابة أمثال خوفو وأحمس وتحتمس الثالث وحتشبسوت ورمسيس الثاني؟. 

ورغم أن كل ما نعرفه عن الملك توت كنوزه المهولة وذهبه الخلاب، فإننا ومع قلة المراجع عن حياته نعرف مدى ثقافته الرفيعة وتعلمه مهارات السياسة والفكر حتى بات مثالًا لشباب عصره، فبكوه أشد البكاء عند وفاته. 

ويتجلَّى التكريم الأمثل للملك توت في صناعة أوبرا عالمية تحمل اسمه وتصف حياته وعصره الغامض لتدخل كل بيت في العالم، وتحل محل أوبرا عايدة الخيالية التي باتت أكثر من مئة سنة هي الأوبرا الرسمية المعبرة عن حضارة مصر القديمة.