رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى وداع الطيب «مجدى الطيب»

 منذ رحيل عاطف الطيب ونور الشريف وأسامة أنور عكاشة، والاحتجاب الاختيارى لبشير الديك، يمكن القول إن أفلام القضايا الكبرى اختفت من شاشة السينما المصرية، واختفى معها الجدل الذى كانت تُثيره على الساحة، حتى جاء المخرج الشاب رءوف عبدالعزيز ليُعيد الروح لأفلام القضايا، باقترابه من قضية سياسية وفكرية شائكة، ووعرة، نادرًا ماتناولتها السينما المصرية من قبل، وهى قضية الاستيلاب الدينى والسياسى والاقتصادي.. وبالطبع الثقافى!... هنا لا بد أن نتذكر الراحل أسامة أنور عكاشة، الذى كان له الفضل فى إحياء «فضيلة مهجورة»، انصرفت عنها السينما المصرية لأسباب غامضة، وأعنى بها الاشتباك مع هموم الناس، والتواصل مع قضايا الواقع، وهو ما رأيناه بالفعل فى فيلم «الباب الأخضر»، الذى قيل إنه كتبه منذ ثلاثين عامًا، وتدور أحداثه فى «كفر المنسى» (لاحظ مغزى الاسم)، عام 1988، لكنه يقفز بعيدًا عن القصص الصغيرة، التى يعيشها «كفر المنسى»، إلى المؤامرة الشيطانية الكبرى، التى تنتظر آلاف «المنسيين، فى العاصمة المصرية»..
هكذا كانت كتابات الناقد المبدع الطيب «مجدى الطيب» الذى رحل عن عالمنا هذا الأسبوع  وذلك نهجه الإنسانى والاحترافى تفيض بمشاعر الانحياز للوطن وقضاياه بحماس بالغ، ووفاء لأهل الإبداع الأوائل لفنوننا المرئية والمسموعة، ويتحمل مسئولياته كناقد فى دعم ومؤازرة الشباب وتناول أعمالهم باهتمام وتقدير يستحقونه..
وعلى سبيل المثال، عندما كان القارئ المتابع لغالبية ما كُتب فى معظم الصحف عن فيلم «أصحاب ولا أعز» لا بد تتملكه الدهشة حيال التركيز الواضح على التعامل معه من المنظور الأخلاقى، كان تناول «الطيب» نقديًا فى مواجهة من ابتعدوا تمامًا عن تقييمه من الناحية الدرامية والفنية، ومن ثم انصب الهجوم على الزوجة المصرية، التى خلعت قطعة من ملابسها الداخلية، والمراهقة اللبنانية، التى تمتلك واقيًا ذكريًا، وتطالب والدها بأن يسمح لها بأن تنام مع صديقها، وتسابقوا جميعًا للمطالبة بمصادرة الفيلم، ومحاكمة أبطاله، وحجب المنصة التى أنتجته، ولم يقم أحد، بتناول عناصره المميزة، وعلى رأسها حبكته المُثيرة، وحواراته الممتعة، ومواقفه الشيقة، والأداء الساحر لأبطاله..
ويذكر «الطيب» فى مقال نقدى هام: «إن المفاجأة الأكثر إثارة فى العمل أن قراءة الفيلم، بدقة وتمعن، يقود المشاهد إلى اكتشاف أن كل ما جرى أمامه من اجتماع سبعة أصدقاء قدامى على مائدة العشاء، واقتراح زوجة أحدهم أن يضعوا هواتفهم على المائدة، بحيث تُصبح مكالماتهم ورسائلهم النصية، والإلكترونية، على مرأى ومسمع من الجميع، قبل أن تنقلب «اللعبة» إلى كابوس مُرعب، تُصبح فيه الأسرار، والفضائح، والنزوات، نذير خطر يُهدد حيواتهم، جميعًا، بالانهيار، هى حبكة خيالية لسيناريو غاية فى الإتقان، أسهمت فى ارتفاع أسهم الفيلم، وجعلته أيقونة تُقدم بكل لغات العالم، حتى يمكن القول إن النسخة العربية، التى أنتجت بعنوان «أصحاب ولا أعز»، رغم عنوانها الركيك، هى النسخة 18، بعد النسخ: الإسبانية، المكسيكية، الصينية، الكورية، البريطانية، الأمريكية، الفرنسية، التركية، وهى مناسبة للرد على الاتهامات، التى طالت أصحاب ولا أعز، بحجة أنه منقول بالقلم والمسطرة، وبالحرف والكادر، والجمل الحوارية، وزوايا التصوير، والديكورات، وحتى شكل الأبطال، من النسخة الإيطالية، حتى إن أحد المنتقدين وصف هذا بأنه «مُحبط»، واتهم آخر النقل الحرفى، بأنه «مُبالغة فى الالتزام» لا تتسق وفارق السنوات الستة، التى تفصل بين إنتاج الأصل الإيطالى والنسخة العربية»..
معلوم أن النقد السينمائى ليس مقالًا صحفيًا، ولا إشهارًا للفيلم ولا نصائح للمتفرج ولا بحثًا جامعيًا، النقد ليس خبرًا صحافيًا، والخبر السينمائى ليس نقدًا، النقد السينمائى ليس استطلاع رأي، فممارسة النقد السينمائى فى امتلاك حساسية فنية وموهبة وملكة كتابة ملائمة، مع معرفة واسعة فى مختلف الفنون ومشاهدة مكثفة للأفلام الجيدة والسيئة … الناقد السينمائى حسب فرودون فنان وعالم… الناقد السينمائى هو الذى يذهب ليشاهد الفيلم ثم يجلس ليضع وجها لوجه: العمل الفنى وذاتيته التى ستلْهم كتابته.. 
لقد كان «الطيب» يدرك أيضًا أن الناقد مُشاهد مختلف، وذات طبيعة خاصة، له معرفة وانتباه خاص وله القدرة على تلقى العمل الفنى.. بعد توفر هذه الشروط ينتقل للعمل، وتطرح أسئلة المقال النقدى انطلاقًا من العمل الفنى الذى يتلقاه الناقد المبدع ..
جمعنى والناقد الرائع «مجدى الطيب» مكان نشر واحد على مدى السنين الأخيرة بجريدة القاهرة وصداقة فيسبوكية كانت فرصة لتبادل الرأى والتعليق على ما ننشر على صفحتينا مما كان يسعدنى ويثرى الحوار حول العديد من القضايا بفكره التنويرى المتجدد.. 
الناقد الراحل مجدى الطيب من مواليد 28 يونيو 1958 فى أسوان - حصل على ليسانس كلية الألسن فى اللغة الألمانية عام 1982 - دبلوم الدراسات العليا فى النقد الفنى من أكاديمية الفنون عام 1987 - حصل على جائزة أفضل مقال نقدى من جمعية الفيلم عام 1985 عن فيلم « وداعًا يا بونابرت» - كتب العديد من المقالات النقدية والدراسات السينمائية فى العديد من الصحف والمجلات والدوريات العربية مثل: «فن» اللبنانية، «المجلة»، «الرجل» السعودية و«الجريدة» الكويتية، بالإضافة إلى المطبوعات المصرية: «صوت العر»، «الموقف العربى»، «الأهالى»، «الدستور»، «روز اليوسف»، «الكواكب»، «الفنون»، «الفن السابع» و«المجلة» المصر ية .. ترأس قسم الفن بجريدة «نهضة مصر» منذ عام 2004 - وهو عضو جمعية نقاد السينما المصريين - عضو عامل بنقابة السينمائيين «شُعبة النقد» - مدير المركز الصحفى لمهرجان الإسكندرية السينمائى فى دورته العشرين عام 2004.. شغل منصب مدير المركز الصحفى لمهرجان القاهرة السينمائى فى الأعوام من 1999 حتى 2005.