رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«فاهم»

تلقيت الأسبوع الماضى دعوة كريمة من السفيرة/ نبيلة مكرم، وزيرة الهجرة والمصريين بالخارج سابقًا، وذلك لحضور حفل تدشين مؤسسة "فاهم للدعم النفسى" التى تهدف إلى زيادة الوعى بالأمراض النفسية من خلال حملات التوعية والندوات وورش العمل مع الجهات والهيئات الحكومية وعدد من الإخصائيين والأطباء النفسيين، بالإضافة إلى تهيئة أسرة المريض النفسى لفهم ماهية المرض وكيفية التعامل معه والقضاء على الصورة السلبية عن المرضى النفسيين.
وخلال فترة انتظارى لبدء مراسم الاحتفالية ورد فى ذهنى العديد من التساؤلات حول هذا الموضوع.. من منّا لم يتعرض للعديد من الضغوط النفسية التى جعلته يفقد جزءًا من اتزانه وهدوئه تجاه تلك الضغوط، خاصة إذا كانت تتعلق بحياتنا الشخصية مثل مشاعر الخوف والقلق والاكتئاب والتوتر.. كانت هذه فكرتى المبدئية عن الأمراض النفسية التى انتشرت فى الآونة الأخيرة نتيجة ضغوط الحياة.. وكثيرًا ما كنت أعرف أشخاصًا يمرون بتلك الأعراض إلا أنهم يخشون أن يعلنوها وكأنها سوف تسبب لهم وصمة عار يجب ألا نعلن عنها.. فى حين أن العلم الحديث يؤكد أنها أمراض نفسية مثل غيرها من الأمراض العضوية التى تحتاج إلى مواجهة وعلاج قبل أن تتفاقم وتتحول إلى مشكلة أو كارثة نتيجة تفاقم المضاعفات لدى الشخص المريض، ويتحول إلى إنسان منبوذ أو شرس أو يتحول فى لحظة ما إلى مجرم فى حق نفسه، فيقدم على الانتحار مثلًا، أو فى حق غيره فيعتدى على أقرب الناس إليه.
وما إن بدأت السفيرة النبيلة فى الحديث عن فكرة إنشاء المؤسسة وأنها تلقى دعمًا كبيرًا من الدولة حتى وجدت أن الموضوع جد خطير ويستلزم أن تيتم مناقشته بكل وضوح وشفافية وجرأة، حيث قام السيد وزير الصحة بالحديث عن الأمراض النفسية، ووجدت أنها تمثل أشكالًا مختلفة وليس فقط مجرد اضطراب أو قلق وتوتر.. فهناك مرض الفصام، حيث يعيش المريض به وكأنه فى مجتمع آخر وتنتج عنه هلوسات وأوهام واضطراب فى السلوك.. وهناك الاضطراب الثنائى القطبى، ويعانى المصابون به من تقلبات مزاجية بين نوبات اكتئاب حادة أو ابتهاج غير طبيعى مصحوبًا بعدم الرغبة فى النوم وسرعة التفكير، ثم ينقلب الحال إلى اكتئاب وضيق وحزن شديد وفقدان الثقة فى النفس والإحساس بالذنب دون مبرر.. ويأتى بعد ذلك اضطرابات الشخصية وهو يمثل أحد أنواع الاضطراب العقلى الذى يترتب عليه الفهم الخاطئ للأمور ويؤدى إلى مشاكل اجتماعية بين أفراد الأسرة وزملاء العمل.
كما أصبح مرض التوحد أيضًا الذى يؤدى إلى اضطراب النمو العصبى يسبب صعوبة فى اكتساب وأداء وظائف فكرية أو حركية أو لغوية واجتماعية تؤثر على قدرة الطفل على التواصل مع المحيطين به، وللأسف يبدو أن هناك نسبة كبيرة من الأطفال فى مصر مصابون بهذا المرض حاليًا والذى لم يُعرف تحديدًا سبب له إلا بعض الاستنتاجات التى ترى أنه يأتى نتيجة عوامل جينية أو بيولوجية أو مناعية، وعلاج هذا المرض يكمن فى الأساس من خلال التدخلات النفسية والاجتماعية والسلوكية والعلاج المهنى وعلاج مشاكل النطق.
فى الواقع عندما سمعت عن هذه الأمراض وغيرها لاحظت أن جميع السادة الحضور قد أصيبوا بحالة من الصمت والحزن والقلق على أنفسهم وعلى أبنائهم، فكان من اللازم أن نستمع إلى آراء العديد من الخبراء والأساتذة المتخصصين الذى بدأوا فى عرض خططتهم لعلاج تلك الحالات من خلال مؤسسة "افهم"، وذلك عن طريق ثلاث مراحل رئيسية يجب أن يشملها بروتوكول العلاج وهى: "افهم– اسمع– تكلم"، تلك هى المحاور التى يندرج تحتها العديد من الخطط العلاجية التى تبدأ بنشر ثقافة الصحة النفسية وتوفير سبل معالجة المرضى منهم وحمايتهم من عدم التمييز والتنمر والتوسع فى هذا الاختصاص، وتوفير سبل ووسائل الدعم المطلوب للقائمين عليه.
ومن خلال مظاهرة الثقة والحب التى تحظى بها السفيرة نبيلة مكرم، رئيسة مجلس أمناء تلك المؤسسة، انبلج نور الأمل فى أن يجد هؤلاء المرضى طريقهم للعلاج والشفاء، حيث أعرب جميع الحضور عن استعدادهم لتقديم كل وسائل الدعم كل فى حدود اختصاصاته وإمكانياته لمساعدة السفيرة فى تحقيق طموحاتها، حيث يبدو أن اهتمامها بتلك الفكرة جاء وليد تجربة حياتية شخصية تعرض لها نجلها رامى وهو يقيم بمفرده فى الغربة وتتمنى ألا تعانى أى أسرة مصرية مثلما عانت هى فجاءت طموحاتها مشروعة وليس لها حدود، فهى تتمنى إقامة مشروع صحى متكامل لعلاج المرضى النفسيين وتوفير خدمة صحية متميزة لهم على غرار مستشفى الدكتور/ مجدى يعقوب لأمراض القلب ومستشفى الأورمان وغيرهما من الصروح الطبية المتميزة التى أحدثت فروقًا ضخمة فى علاج العديد من الأمراض.. وقد نجحت السفيرة النبيلة فى أن تنقل إلينا تلك الرغبة وتلك الطاقة الإيجابية التى تتمتع بها رغم جرحها الدفين الذى تعرضت إليه بسبب إصابه ابنها بأحد تلك الأمراض النفسية.. وانتهى اللقاء بتوقيع العديد من البروتوكلات مع وزارات الصحة والتضامن والشباب على أمل أن تبدأ مشوارها بسرعة لكى تتمكن من السيطرة على تلك الأمراض وتخرج لنا أجيالًا سليمة وصحيحة بدنيًا ونفسيًا يشاركون فى بناء جمهوريتهم الجديدة مع باقى أبناء الوطن.. وتحيا مصر.