رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى المكان الصحيح

النيران مشتعلة، والغضب فى أقصاه، الضفة ساخنة والعمليات متتالية، بدأت فى جنين ثم إطلاق الصواريخ من غزة ثم الهجوم فى القدس، ولكن لا يزال «إيتمار بن غفير» يحتل العناوين الرئيسية، اليسار الإسرائيلى والمجتمع الدولى والعالم يوجهون الانتقادات والإدانات إلى وزير الأمن الداخلى «بن غفير»، إذا كانت هناك قلادة للرجل الأكثر إثارة للجدل، فستكون من حقه وسيكون هو رجل الأسبوعين الماضيين بلا منازع.

حكومة نتنياهو وتركيبتها المثيرة للجدل تحت عيون العالم، الجميع، المعارضة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة والدول العربية، تنتظر أى خطأ منها، أى تجاوز، الكل تحت الرادار.

أعضاء الحكومة محل اتهامات، وعرضة لانتقادات فذة من المعارضة الإسرائيلية، سموتريتش المتطرف، وبن غفير شريكه فى التطرف، والضغوط قوية لوقف الإصلاحات القضائية.

وزير واحد غائب عن العناوين الرئيسية، لم يدرج اسمه فى قائمة الانتقادات، ولم يتم التشكيك حتى فى قدراته ومؤهلاته للمنصب، ولم يغضب أحد من وجوده فى كرسيه، هو وزير الدفاع، يوأف جالانت.

«جالانت» كما يبدو أنه من يعمل فى صمت، يترك الأفعال هى التى تتكلم. النشاط العسكرى الأول للمؤسسة الأمنية بقيادة «جالانت» كان ذا مغزى، وربما بدأ التخطيط له قبل أداء الحكومة الجديدة القسم.

فى الأيام الأولى لـ«جالانت»، نفذ الجيش الإسرائيلى هجومًا دقيقًا على سوريا، وتلاها بعملية هدم منازل فلسطينيين فى قرية دان بالقرب من جنين، ثم عملية جنين، وقبل أيام الهجوم بمسيرات على منشأة عسكرية فى أصفهان، أشارت التقارير إلى أنها تستخدم مخزنًا للذخيرة، أو ربما مصنعًا للطائرات بدون طيار، لأول مرة طائرات بدون طيار تهاجم طائرات بدون طيار.

العمليات السابقة لا تشير إلى أى شىء جديد، هى تأكيد أن سياسة الوزير الجديد هى استمرار للسياسة السابقة. وهى المعركة بين الحروب فى سوريا وضد المواقع العسكرية وقافلات الأسلحة الإيرانية إلى لبنان، والهدف كان معروفًا: تدمير شحنات تحمل مكونات وقطعًا لها علاقة «بمشروع الصواريخ والقذائف الدقيقة» الذى ينفَّذ بتوجيه وقيادة الإيرانيين فى معامل الصناعات العسكرية فى سوريا، وفى ورش سرية تابعة لحزب الله فى لبنان، وكذلك سياسة قص العشب فى الضفة الغربية التى تقضى باستخدام القوة والعقاب، والهجوم على المنشآت العسكرية فى قلب إيران.

العمليات كما يبدو جرى التخطيط لها بدقة، ودُرست التداعيات والنتائج، وكما يبدو أيضًا أن «جالانت» اختار أن يضرب بقوة فى بداية ولايته، فلا يمكن تفسيرها بأنها استعراض للقوة، إنها استمرار للسياسة والخطط التى لا تتوقف.

«جالانت» ذات يوم، فى مقابلة صحفية له قبل أربع سنوات والنصف، تحت عنوان «لو كنت وزير الدفاع» وقتها كان وزيرًا للإسكان من حزب «كولانو» الذى كان يرأسه فى حينه موشيه كحلون- عبر عن رؤيته بشكل واضح، وأوضح أنه يتطلع لأن يكون وزيرًا للدفاع، وها هو الآن فى المكان الذى كان يطمح إليه. 

«جالانت» يؤيد ميزانية دفاع مرتفعة، يدفع قدمًا بمنظومة الصواريخ، يبذل جهدًا لوقف إيران، هذا كله معتاد ليس جديدًا، هذه هى أجندة وزراء الدفاع فى إسرائيل على اختلاف توجهاتهم.

«جالانت» دخل «الكريا» مقر وزارة الدفاع الإسرائيلى فى فترة حرجة جدًا، سيكون عليه التعامل مع الأمريكيين «لهذا السبب قرر نتنياهو تعيينه فى المنصب رغم محاولات سموتريتش الحصول على حقيبة الدفاع»، سيكون عليه أيضًا اتخاذ قرارات حاسمة حيال تهديد النووى الإيرانى، وتجاه الوضع المتأزم فى الضفة، وأى اشتعال متوقع فى الحرم، ما يطمئن أنه عندما سأله الصحفى الإسرائيلى ناحوم برنياع فى المقابلة: هل تسارع إلى المعركة؟ أجاب، أنا لا أسارع إلى المعركة، أنا حذر جدًا.

السؤال هو: هل رؤيته ستظل هى رؤيته؟، من الصعب التأكيد، ما تراه من هنا ليس مثل ما تراه من هناك. سنرى، ووقتها سنفهم إذا كان «جالانت» فى المكان الصحيح.