رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

50 عامًا على رحيل العميد..

متحف «رامتان».. هنا استراح طه حسين من رحلة الأيام

استراح العميد
استراح العميد

يعد طه حسين أكبر الأعمدة الشامخة فى تاريخنا الثقافى فى العصر الحديث، فقد حفظ للفكر والإبداع العربى وللشخصية القومية عناصرها الأصلية محققًا للثقافة العربية فى نفس الوقت حضورها فى الوطن العربى، ولهذا تحفظ مصر لطه حسين ما أداه لها خلال ما يقرب من ثلاثة أرباع القرن، فتنشر كتبه وتقتنى بيته فى الهرم، فيلا رامتان، لتصبح متحفًا ومركزًا ثقافيًا عالميًا تتحاور فيه الأفكار والثقافات كما تحاور طه حسين وجيله من رواد التنوير مع عصرهم.

عاش طه حسين فى أماكن مختلفة منها حى السكاكينى وحى الزمالك ثم استقر بقية عمره فى فيلا رامتان فى الهرم بشارع حلمية الأهرام المتفرع من شارع الأهرام، ١٢ عامًا حتى رحيله، وتحولت فيما بعد تلك الفيلا إلى متحف يضم جميع مقتنياته.

منذ رحيل طه حسين وزوجته سوزان، لم يتوقف سماسرة العقارات عن التردد على فيلا الدكتور طه حسين يطلبون شراء الفيلا من الدكتور محمد حسن الزيات، ليبنوا مكانها ناطحة سحاب بعد وفاة ربة البيت سوزان طه حسين، ولكن وزير الثقافة آنذاك فاروق حسنى نجح فى إنقاذ هذا الأثر وقدمه هدية للمصريين تخليدًا لذكرى هذا المصرى العظيم.

سبقت شراء الدولة فيلا رامتان للدكتور طه حسين اتصالات عديدة بين أسرة عميد الأدب العربى ووزارة الثقافة، متمثلة فى الفنان فاروق حسنى، وزير الثقافة، آنذاك، وأجرى مباحثاته مع الدكتور عاطف صدقى، رئيس مجلس الوزراء آنذاك، يعرض فيها القيمة الكبيرة التى تمثلها هذه الفيلا، بعد رحيل طه حسين وزوجته، لتحويلها إلى متحف.

وبعد مداولات كثيرة تم شراء الفيلا لتصبح متحفًا، وجرى توقيع عقد البيع الابتدائى فى ٢٨ يناير ١٩٩٢ الموقع من كل من الدكتور محمد حسن الزيات وكيل الورثة طرف أول، والفنان فاروق حسنى وزير الثقافة طرف ثانٍ، الذى نص على أن يكون المتحف مركزًا ثقافيًا عالميًا للإشعاع الأدبى والفكر، وهو ما جرى إعداد المركز القومى للفنون التشكيلية له بإقامة مبنى جديد فى مواجهة المتحف، يضم قاعات الإداريين بجانب القاعات المتعددة للأنشطة الثقافية ومركز المعلومات والمكتبة.

ونصت المراسلات الرسمية قبيل حسم شراء الفيلا، بين وزير الثقافة ورئيس الوزراء، على أسباب طلب وزارة الثقافة شراء الفيلا وتحويلها إلى متحف، التى ذكرها الوزير فاروق حسنى فى إحدى مراسلاته قائلًا: «تنفيذًا لسياسة الدولة فى تكريم رواد مصر فى الثقافة والفنون والاستفادة من أعمالهم وتراثهم فى العمل الثقافى، فإن الوزارة ترغب فى شراء منزل عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين الذى كان يقيم فيه والمشهور باسم فيلا (رامتان) بشارع حلمية الأهرام المتفرع من شارع الهرم، وذلك لتحويله إلى متحف لعميد الأدب للحفاظ على مقتنياته وآثاره الهامة وكتبه ومخطوطاته، ولكى يكون مزارًا للجمهور والمثقفين يستفيدون منه الاستفادة الثقافية الواجبة، ولحماية هذا التراث وتلك المقتنيات من الضياع».

كما جرى إعادة تأثيث مكتبة الفقيد التى تضم عددًا كبيرًا من الكتب والمراجع الأدبية العربية والأجنبية القيمة، وكانت دار الكتب قد حصلت من قبل على جزء من هذه المكتبة مقابل سداد ضريبة التركات، وتضمنت المذكرة تفاصيل العقار، فهو مكون من طابقين على مساحة ٨٦٠ مترًا، ومساحة كل طابق حوالى ٢٥٠ مترًا.

وبالفعل تم شراء الفيلا وتحويلها إلى متحف، وكانت عائلة الراحل الدكتور طه حسين فوضت الدكتور محمد حسن الزيات لمهمة البيع، وقال الزيات آنذاك قبل إتمام عملية البيع: «فى حالة الموافقة على شراء المنزل لتحويله لمتحف فإن ورثة الفقيد سيقدمون هدية تشمل جميع محتويات المنزل وسجاجيده وتحفه الفنية القيمة وكذلك أوراق وأوسمة الفقيد بما فيها قلادة الجمهورية التى منحتها له الدولة»، وتم تخصيص مبلغ مالى مليون ومائة ألف جنيه لشراء المنزل من الورثة آنذاك.

تطوير المتحف

تمت إعادة افتتاح المتحف بعد تطويره ورفع كفاءته فى ٢٩ يناير ٢٠١٣، بعد فترة إغلاق دامت لمدة ٧ سنوات، بتكلفة إجمالية قدرها مليون جنيه ليصبح منارة ثقافية، واشتمل التطوير على ترميم وتركيب نظم أمنية حديثة ومعالجة أساسيات المنزل وفهرسة وأرشفة المكتبة ورقمنتها وعمل توسعات لها، لكى تستوعب جميع الكتب التى تم إهداؤها من أسرة طه حسين مع تجليدها وعرضها بصورة علمية.

كما تضمن التطوير تغيير شبكة الإضاءة واستحداث أجهزة تكييف وترميم الأثاث والمقتنيات بالكامل عن طريق الإدارة العامة للبحوث وصيانة الأعمال الفنية، وتغيير بلاط الممرات وعمل شبكة لصرف مياه الأمطار ورى الحديقة، وتركيب أعمدة إنارة حديثة بالموقع العام والحديقة، تغيير الأرضيات الخشبية بالكامل، تغيير خرسانة سقف الدور الثانى، وإنشاء بنك معلومات.

المقتنيات


ربما لا يعرف الكثير من الناس أن رامتان هى فى البداية لفظ مثنى وفى الأصل رامة، والمثنى رامتان، ورامة هى موضع الراحة فى البادية، وعندما أنشأ طه حسين هذا البيت كان فى عزمه أن يعيش فيه مع ابنه مؤنس ولكل منهما رامة، والدكتور مؤنس كان قد تزوج فى ذلك الوقت حفيدة الشاعر أحمد شوقى ابنة المرحوم محمد العلايلى وكان فى نيتهما السكن معه وسكنا فعلًا فى الجزء الذى خُصص لهما فى هذا البيت ومن هنا كان اسم رامتان، وكانت الفيلا تقع بجوار فيلا الفنان الراحل يوسف وهبى.

يتكون المتحف من طابقين، الطابق الأول: يضم حجرة المكتبة، صالة استقبال، حجرة الصالون، حجرة السفرة، أما الطابق الثانى فيضم حجرة ابنه مؤنس، حجرة الموسيقى، حجرة زوجته، حجرة نوم عميد الأدب العربى، حجرة المعيشة، وتحيط بالمتحف حديقة من ثلاث واجهات.

فعند الدخول من الباب الرئيسى للفيلا نجد تمثالًا نصفيًا من البرونز نحته عبدالقادر رزق للراحل عام ١٩٣٦، وعند الدخول للغرفة الرئيسية غرفة الاستقبال نجد معلقًا بها جزءًا من كسوة الكعبة أهداه الملك سعود للراحل عام ١٩٥٤.

كما يحتوى الدور الأول من المتحف على غرفة مكتب الدكتور طه حسين وجزء من مكتبته الخاصة التى بقيت فى مكانها بعد رحيله وهى تزخر بأعداد ضخمة من الكتب والمراجع العربية والأجنبية، حيث كان الدكتور طه حسين يجيد اللغة الفرنسية، إلى جانب إلمامه بلغات منها اليونانية القديمة واللاتينية والإنجليزية، بجانب الفارسية.

وغرفة المكتبة تضم ٧ آلاف كتاب، وتحتوى المكتبة الآن على مؤلفاته منها القصة والأدب والتاريخ وفلسفة التربية وغيرها، وقد ترجم منها إلى الفرنسية والإنجليزية والفارسية والعبرية والروسية، ٣٧٢٥ كتابًا باللغة العربية، ٣١٣٤ كتابًا باللغات الأجنبية، ٥٤ كتابًا من مؤلفاته القصة، الأدب، التاريخ، الفلسفة وغيرها من الكتب القيمة والنادرة، وبعض المؤلفات التى تناولت مسيرة طه حسين.

ويضم المتحف ٩ غرف، ولعل أهمها: قاعة الصالون التى كان يستقبل فيها حسين الأدباء والمثقفين يوم الأحد من كل أسبوع وكان صالونًا ثقافيًا، وسفرة على الطراز الفرنسى، ويضم المتحف الكرسى الذى كان يجلس عليه والمكتب الذى كان يكتب عليه، وكان يستقبل أصدقاءه وضيوفه، وقاعة الطعام وغرفتين للإدارة وبعض المتعلقات لطه حسين من ملابس.

ومن بين مقتنيات عميد الأدب ٦ جواكت من ماركات مختلفة كان يحضر بها بعض المناقشات والندوات فى مصر وخارجها، ويضم المتحف ٥٠ نيشانًا ووسامًا حصل عليها من دول عربية وأجنبية، أهمها قلادة النيل والميداليات التى أعطيت له فى مناسبات مختلفة.

ويضم المتحف غرفة المكتبة بالدور العلوى وتوجد بها لوحة للقرآن كاملًا بخط الخطاط محمد إبراهيم قد أهداها للراحل، ومن المقتنيات أيضًا أسطوانات موسيقى نادرة داخل غرفة الموسيقى التى كان يجلس حسين فيها يستمع إليها فى أوقات الهدوء، ويضم المنزل الكثير من الوثائق والمستندات الخاصة به منها جواز السفر والبطاقة الشخصية و٤ عكاكيز له، والنظارات الخاصة به، والأدوات الشخصية من أدوات الحلاقة والمنشة والطاقيات التى كان يرتديها فى المناقشات العلمية.

كما يضم المتحف ٥٠ لوحة زيتية، إضافة إلى لوحة للسيدة مريم العذراء قد أهداها طه حسين لزوجته أيام خطوبتها، ولوحة لزوجته سوزان بالفحم، وبعض اللوحات الزيتية وبعض الصور الشخصية للمراحل العمرية لزوجته، وصور لابنيه مؤنس وأمينة، وتمثال من الجرانيت الجيرى أيضًا فى غرفة المعيشة، ويضم المتحف بيانو أهداه لزوجته يقع فى منتصف الغرفة الرئيسية بين الصالون الثقافى وبين السفرة.

فالمتحف هو بمثابة استعادة تاريخ حياته والتى كان فيها الملكية والجمهورية والحرب العالمية الأولى والثانية ورأى فيها الثورة المصرية، فحياة طه حسين حياة تؤرخ حياة مصر كلها على مدى نصف قرن، وكل ما سوف يكون متعلقًا فى هذه الحياة بما هو موجود وباق يوضع فى هذا المتحف.

محمد حسن الزيات يروى ذكرياته فى فيلا رامتان

وفى حديث نادر له كشف الدكتور محمد حسن الزيات، فى عدد خاص من أحد إصدارات وزارة الثقافة فى الذكرى العشرين لعميد الأدب، عن ذكرياته فى فيلا رامتان لطه حسين، فقال: «أما عن ذكرياتى فى فيلا رامتان مع طه حسين فأنا أتذكر أن هذا البيت استقبل تقريبًا كل أديب أجنبى وصل إلى مصر، وفيه جلس الكتّاب يتحدثون مع طه حسين، بل إن بعضهم كان يقرأ بعض مؤلفاته على طه حسين منهم رجل إيرانى كان يقرأ كتابًا ألفه، وأتذكر أنه دخل الفيلا مرة أديب إيرانى وقبل أن يصافح طه حسين وقف وألقى عن ظهر قلب كتاب الأيام وكان يحفظه باللغة العربية ووقف يلقى الفصل الأول ولم يجلس إلا عندما أذن له بالجلوس وقال له مازحًا إنه يعلم بقية الفصول».

وأكمل الزيات: «وكان طه حسين يخصص يوم الأحد من كل أسبوع للأدباء وأساتذة الجامعات، من أكثر زواره انتظامًا أساتذة اللغة العربية من جامعات القاهرة والإسكندرية وعين شمس وكل الذين كانوا يدرسون هناك كانوا يذهبون إليه للاستشارة والإخطار للعمل داخل جامعتهم».

وأشار إلى أنه بجانب تلك الحركة الكبيرة التى شهدها هذا البيت فقد شهد أيضًا الكثير من المراسم المحترمة، حيث استقبل فيه طه حسين مندوب رئيس الجمهورية عندما منحه قلادة النيل، وهى قلادة لا تُمنح إلا للملوك والرؤساء وكان أول واحد يحصل عليها دون أن يكون رئيس دولة، كما مُنح الدكتوراه الفخرية أيضًا من جامعة مدريد من جانب سفير إسبانيا فى مصر، وحصل أيضًا على الدكتوراه الفخرية من سفير إيطاليا فى مصر، وهذه القاعة كانت قاعة تبادل الأفكار العالمية من مصريين وأجانب.

مواعيد فتح أبواب المتحف

فى ١١ شارع مدكور، حلمية الأهرام المتفرع من شارع الهرم، يقع متحف طه حسين، يفتح أبوابه أمام الزائرين من الساعة الـ١٠ صباحًا حتى الـ٤ مساءً، عدا الإثنين والجمعة.

وأما عن أسعار التذاكر ٣ جنيهات للطالب المصرى، ٥ جنيهات للمصريين، و١٠ جنيهات للأجانب، بينما يُعفَى ذوو الاحتياجات الخاصة والمحاربون القدماء وكبار السن فوق ٦٠ سنة وصغار السن أقل من ١٢ سنة وأعضاء النقابات الفنية المهنية وأعضاء اللجان الوطنية للمتاحف العالمية، من رسوم دخول المتحف.

مركز رامتان الثقافى

بجوار متحف طه حسين يوجد مركز رامتان الذى قد تم تخصيصه للأنشطة الثقافية، حيث يتم عمل مسابقات أدبية وفنية سنوية وعروض متحفية حول طه حسين، وإقامة ندوات ومحاضرات ومهرجانات فى المناسبات الوطنية، ولم يقف نشاط المركز عند هذا الحد، بل تُقام معارض فن تشكيلى للموهوبين، وكذلك ورش تعليم المشغولات اليدوية للأطفال وذوى الهمم والاحتياجات الخاصة.

وخلال الفترة الأخيرة أقام المركز معرض فن تشكيلى بعنوان «لمسات من التراث»، واستمر حتى يوم ١٤ يناير، وورشة وندوة قدمتها أسرة مركز رامتان الثقافى عن «لا للتنمر ولا للعنف» بحضور بعض طلبة المدارس، كما أقيم معرض للموهوبين من ذوى الهمم، وما زالت الأنشطة مستمرة دعمًا للطلاب والأفراد.