رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«هكذا تحدث بهاء طاهر».. كتاب يرصد دور الراحل فى الحركة الفنية

بهاء طاهر
بهاء طاهر

بهاء طاهر كان رمزًا وسيظل، قيمة أدبية وفكرية سابحة في ملكوت لا يتكرر كثيرًا، أعطى وأنتج وتميز وترك لنا إرثًا ثقافيًا وإبداعيًا لم يفقد ضالته المنشودة رغم رحيله المفاجئ عن عالمنا.

في أحدث كتاب للشاعر شعبان يوسف يحكي فيه عن بهاء طاهر من خلال ندوة حملها شريط كاسيت منذ ديسمبر من العام 1991، بالتحديد في ورشة الزيتون لسان حال حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي بمنطقة شرق القاهرة.

يحمل الكتاب سيرة ومسيرة أحد رواد القصة والإبداع السردي في المقال الفكري والتناول السيّال لقضايانا المعاصرة ومعضلاتنا الفكرية، وحياتنا الممتدة.

إنه كتاب اليوم الصادر عن دار أخبار اليوم بعنوان "هكذا تحدث بهاء طاهر" والذي يقع في 120 صفحة من القطع جاير، ومما يلفت الانتباه في هذا الكتاب أن مقدمته كانت تحمل تقريبًا كل شىء عن الراحل، من الألف إلى الياء، ففي الفصل الذي جاء تحت عنوان "عن أزمنة مضت وتعود" بداياته مع بهاء طاهر فقال: فى شتاء 1991، وفى شهر ديسمبر تحديدًا، صدرت رواية "خالتى صفية والدير" للكاتب الكبير.

وبالفعل ومثلما يذكر الكتاب استضافة عدد من كتّاب ومبدعي جيل الستينات مثل جمال الغيطانى، ويوسف القعيد، وجميل عطية إبراهيم، ومحمد روميش، وإبراهيم أصلان، وغيرهم، واستفاضوا فى الحديث عن تجاربهم مما يرسم خارطة عظيمة لمصر الستينات والسبعينات، كما تقرر استضافة بهاء طاهر، والذى كان يقضى إجازته فى ذلك الشهر فى القاهرة عائداً من عمله فى جينيف، وبمناسبة صدور روايته الجديدة التى أثارت جدلًا واسعًا وعميقا آنذاك، وبالفعل تمت مهاتفته فور وصوله من السفر، كما تم الاتفاق على ميعاد الندوة، ووافق على الفور فى ترحيب جميل كأنه كان ينتظر هذه الدعوة بفارغ الصبر.

وأكمل: "فى ذلك الوقت، كنت أحمل جهاز كاسيت وكاميرا بدائية لتسجيل الوقائع الكاملة للندوات، مع التصوير الفوتوغرافى للضيف والمتحدثين، وذلك أملًا فى تفريغها وإعدادها للنشر، وسجلت كل الندوات ومازلت أحتفظ بشرائط التسجيل حتى الآن، والتى كانت تحمل كل الندوات التى عقدناها فى ذلك الوقت، وكذلك فعلت وسجلت مع شعراء السبعينات واستطعت أن أعدّ شهادات الشعراء".

وأوضح الكاتب أن الكاتبة الروائية نجلاء علام قامت بتفريغ ندوة بهاء طاهر، حيث قاموا فيما بعد بتحريرها، حتى تصبح جاهزة للنشر، وظلّت الندوة كل تلك السنوات حبيسة الأدراج دون أن تنشر، وكانت تلك الندوة التى خصصناها للأستاذ بهاء طاهر، وأدارها الدكتور فاضل الأسود باقتدار، وقدم قراءة نقدية مهمة لرواية "خالتى صفية والدير".

وقال الكاتب: قبل أن أسرد وقائع الندوة بكل ماتشمل، حاولت أن أقدم إحاطة مركزة وعاجلة بإنجاز كاتبنا الكبير، وكذلك الوقائع التى واجهها فى مراحل الصعود الأولى، منذ نشره لأول قصة فى مارس 1964، وكان قد قدمها له الدكتور يوسف إدريس، مرورًا بقراءات خاطفة، حاولت أن أركز فيها على أهم السمات التى تبرز فى المنجز القصصى والروائى، وهذا يكفى مؤقتا للتعريف بكاتب كبير استطاع أن يضع يده على جراحنا المزمنة والبارزة.

وتطرق الكاتب على عجل إلى مجهودات بهاء الأخرى فى شأن الترجمة، رغم أن له ترجمات مرموقة، منذ أن ترجم دراسة طويلة ومهمة عن فن المسرح لإريك بنتلى، وتم نشره على عددين من مجلة الكاتب فى سبتمبر وأكتوبر عام 1964، ثم قدم قصة "بولينكا" البديعة لأنطون تشيكوف فى مجلة الكاتب أيضا عام 1966، ثم جاءت ترجمته لمسرحية "فاصل غريب" للكاتب المسرحى يوجين أونيل، عام 1970، وكتب لها مقدمة شاملة، انتهاءً بترجمته لرواية "ساحر الصحراء" لباولو كويلهو.

وتناول المؤلف جهود الفقيد النقدية فى المسرح، وقال: "إذ أننى كنت نشرت كتابا منذ سنوات بالتحديد في عام 2012 عنوانه "بهاء طاهر ناقدًا مسرحيًا"، ورغم أن ذلك الكتاب تضمن دراسات نقدية حول المسرح، وحوارات مهمة مع مخرجين ومديرى مسارح، فضلا عن كتاب آخر أصدرته دار الهلال عام 1984 تحت عنوان "عشر مسرحيات مصرية".

ومما يُلفت الانتباه أنه في اعتقاد الكاتب أن كتابات بهاء طاهر كانت من أهم ماكتب عن ذلك الفن فى عقد الستينات، ومن أراد أن يتعرف على النهضة المسرحية، وكذلك انكسارها، فكتابات بهاء هى الأكثر عمقًا ومعرفة وصدقا وإخلاصا، خاصةً أنه لم يكن ناقدًا لمجرد أنه كان مثقفًا، بل لأنه كان ممارسًا لفن الإخراج المسرحى فى إذاعة البرنامج الثانى، وعارفًا بدقائقه، وحاول أن يتصدى لكافة أشكال التخريب المتعمدة فى المسرح المصرى آنذاك.

وفضلًا عن السرد والترجمة والنقد المسرحى، فكان بهاء طاهر كاتبًا للمقال الفكرى من طراز فريد، وله فى ذلك عدة كتب صدرت تعبر عن آراء وأفكار له، وبهاء طاهر ظل مشاركًا فى الأحداث بشكل ميدانى رغم تقدمه فى العمر، فكان يهبط من منزله متوكئا على عصاه من ناحية، وعلى كتف أحد الأصدقاء من ناحية أخرى، ولم يركن كما فعل آخرون بالجلوس فى المنزل، ومتابعة الأمور من خلف شاشة الموبايل، والتعامل مع الأحداث بشكل فوقى.

وأما عن الندوة التي لم تنشر تفاصيلها حتى الآن والتي وقعت في حوالي 20 صفحة من الكتاب، فقد سرد وقائعها مؤلف الكتاب، حيث إن أهم ما جاء فيها سؤال بهاء طاهرعن غيابه الطويل في سويسرا وكانت صيغة السؤال: "هل نستطيع أن نقول إن غياب فى سويسرا لفترات طويلة، أنتج نوعًا من أدب الغربة أو الاغتراب؟.

وبحسب ما رصده الكاتب كان رد بهاء مفاجأة للجميع حيث قال: والله لا أعرف نوع التسمية التى يمكن إطلاقها على الكتابة التى أكتبها، والتي يكتبها غيري من الكتّاب الذين تركوا مصر فى فترة السبعينات وما بعدها، ولكن احنا اعتدنا أن نطلق أدب المهجر على أدب جيل الشاعر جبران خليل جبران وإيليا أبوماضي وغيرهما من الكتاب الذين كانت هجرتهم، المفروض فيها أن تكون هجرة دائمة، ولها أسباب اقتصادية واجتماعية وهروب من السلطة العثمانية، والسلطة الفرنسية.

وأرجع الكتاب هجرة المصريين في ذلك التوقيت للخارج لعدة أسباب حيث قال طاهر: إنما خروج الكتّاب المصريين، وبعض الكتّاب العرب الآخرين فى فترة السبعينات، كان له أسباب مختلفة تماما، خاصةً أن ذلك أنتج نوع من الأدب لا أستطيع أن أسميه أدب المهجر، لأن أحدا منهم قد اعتزم أو انتوى أن تكون هجرته دائمة، لذلك أعتقد أن هذا الأدب، أدب يقف بقدم هنا، وقدم هناك، ولا أحد من الكتّاب الذين هاجروا أو سافروا إلى بلاد أوروبية أو إلى بلاد عربية من بلاد البترول، يعتبر نفسه مهاجرا دائما، أو يعتبر أن ما يكتبه هو تلك الكتابة التى تعبر عن الحنين إلى الوطن، أو تعبر عن الرغبة فى العودة إلى وطن تحرر من الاستعمار، وإلى آخر ذلك، مما كان إيليا أبوماضى وغيره من شعراء المهجر وكتّابه، وإنما هو أدب ينطوى على نوع جديد من الإحساس بوحدة المصير إذا جاز لي أن أقول هذا، وحدة المصير حتى ليس فقط بين البلاد العربية.

وأكمل: وإنما أيضا بين البلاد العربية وبين البلاد الأوروبية، هناك نوع من زوال الوهم من أن الغرب يقدم حلّا، وأننا من الممكن أن نلتجأ إليه كما كان يفكر بعض الكتّاب المهجريين إلى عناصر تقدمية فى الغرب لمساعدتنا على التحرر إلى آخره، ولكن هناك نوعا من الإحساس بأن الأزمة الموجودة فى الغرب هى وجه آخر للأزمة الموجودة فى الشرق، والعكس صحيح، أى نوع من الأدب ينتجه هذا الإحساس لا أستطيع أن أقيمه، ولكن الناقد يستطيع أن يقدم هذا الأدب الذى نتج فى ظروف تختلف تماما عن ظروف أدب المهجر القديم.

وقد تضمن الكتاب العديد من الفصول التي تناولت دور المثقف ومسئوليته، وأن هذه المسئولية ترتكز على أهمية رفع الوعى المجتمعي وعدم تركه فريسة للسلبيات التي هجمت على العقل الجمعي خلال فترة الانفتاح الاقصادي وما بعدها. 

ويُعد الكتاب محاولة من المؤلف لتأكيد الرسالة التي قام بها بهاء طاهر خدمة للحركة الأدبية وتأكيدًا على دوره التنويري في المجتمع، وتوصيفًا دقيقًا لما كان يربط الأديب الكبير بهاء طاهر بعالمه الفسيح سواء داخل مصر أم خارجها.