رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عودة لتلميع القيم الاجتماعية الأصيلة

تعريف القيم.. القيم مُفردها قيمة، وترتبط لغويًا بمادة قَوَمَ والتي تمتلك عدّة دلالات منها قيمة الشّيء وثمنه، والثّبات والدّوام، والاستقامة والاعتدال، ونظام الأمر وعِماده. وأقربها لمعنى القيمة هو الثّبات والدّوام والاستمرار على الشّيء. أمّا اصطلاحًا فإنّ القيم هي جملةُ المقاصد التي يسعى القوم إلى إحقاقها عاجلًا أو آجلًا.
أهمية القيم:
1- بناءُ شخصيّةٍ قويّةٍ ناضجةٍ ومُتماسكةٍ صاحبةِ مبدأ ثابت. اكتساب الفرد القدرة على ضبط النّفس. التّحفيز على العمل وتنفيذ النّشاط بشكل مُتقن. حماية الفرد من الوقوع في الخطأ والانحراف؛ حيث تُشكّل القيم درعًا واقية. 
2- إحساس الفرد بالسّلام الداخليّ. الاستقرار والتّوازن في الحياة الاجتماعيّة. إحساس الفرد بالمسئوليّة. كسب ثقة النّاس ومَحبَّتِهم. إكساب الفرد القدرة على التّأقلم مع الظّروف برضا وقناعة. تشكيل نمطٍ عامٍّ للمُجتمع وقانون يُراقب تحرُّكاته.
* مصادر القيم:
من مصادر القيم ما يأتي: 
الدّين: من خلال القيم الروحيه الساميه التي تعلو بالفرد فوق كل الاهتمامات العالميه وترتقي به لينعم بالسلام الداخلي العميق من خلال الصله الوثيقة بالله سبحانه وتعالي. مما ينطويه ذلك الإيمان بقبول كل الناس مهما كانت معتقداتهم وعدم التعالي او الظهور بالتدين لجذب انظار الناس او اكتساب ثقتهم باي شكل من الأشكال.
المُجتمع: لكل مُجتمع ظروفه وخصوصيّاته وتطلّعاته ومُستقبله الخاصّ به، وبالتّالي فإنّ القيم التي تلُائمه قد لا تُلائم غيره من المُجتمعات فلكل مجتمع عاداته وتقاليده وموروثاته التي اعتاد عليها عبر العصور والأزمنة المختلفة.
تصنيف القيم 
تصنف القيم حسب المجال الذي تُعنى به إلى أنواع  مختلفة، علي أنه ما يعنينا في موضوعنا هذا ارتباط القيم بالمجتمع ومفهومها في ضوء علم الاجتماع:
القيم الاجتماعيّة: 
مفهومها ومرجعيتها: وتظهر من خلال رغبة الإنسان بتقديم العون لمن حوله، وتفاعله الاجتماعيّ مع الوسط المُحيط به، واتّخاذه إدخال السّرور على الآخرين هدفًا بذاته، ومن الأمثلة على هذه القيم العطف، والحنان، والإيثار.

القيم الدينيّة: تتضح من خلال اطّلاع الإنسان المُستمرّ على أصل الوجود والكون، والتزامه بتعاليم الدّين
القيم.
ملخص: تعد القيم الاجتماعية من أهم الأساسيات التي يتم بناء عليها الكثير من المجتمعات، ومن خلالها تقوم نهضة الأمم وعادة ما تتعلق القيم بوجود الأخلاق بالمجتمع. 
المراجعة المرغوبة والتصحيح:
عشنا سنين عدة في ضوء قيم رفيعة صارت جزءًا من تاريخنا وتراثنا وحضارتنا وهذه القيم شربناها منذ نعومة أظافرنا كاللبن تمامًا للطفل الصغير وبمضي الزمان وبتغير الظروف المجتمعية المختلفة حدث ما لم يكن في الحسبان ألا وهو: 
حدوث هزة عنيفة لهذه القيم العظيمة مثل: الاحترام (بكل حالاته وأشكاله وأنواعه)- تقديم الآخرين وإعلاء مكانتهم (بكل صور إخلاء الذات والتفاني)- الصبر وطول الاناه (وهو نقيض العصبية تمامًا ونقيض الانفعال)- الود والحب الحقيقي........ وقيم عديدة أخري قد لا يمكن اتساع المجال لذكرها في هذا المقال ....
ولا بد وقبل الخوض في هذه القيم أن أوضح أمرًا مهمًا ألا وهو:
إذا كتب هذا المقال منذ نحو  50 عامًا أو أكثر لتعجب الكثيرون لسبب مهم وهو: إمكانية شعورهم كأنني 
أبيع لهم الماء في حارة السقايين والأمر ببساطة يفسر كالتالي: إنها أعراف طبيعية تعاش فلا تحتاج لتذكرة أو تنبير... من هنا قد يحدث ذلك التعجب أو الاندهاش. 
هذا هو الحال لوكتب أحدهم هذا المقال في الماضي البعيد بنحو نصف قرن من الزمان أو يزيد..
من الجهة الأخري:
عند كتابة المقال في هذه الأيام فأيضًا البعض غير القليل قد يتعجبون أيضًا لكن لأسباب مختلفة، فقد يظن هؤلاء أن الكاتب»زودها حبتين» وأننا يمكننا السير علي هوان دون ضابط أو مقياس لما نفعل.
بكل يقين: علينا أن نعلن بكل صراحة شديدة عن أن: المنحني القيمي في هذه الأيام إنما هو في حالة انخفاض مستمر، لذا الأمر يحتاج إلي وقفة عاجلة. 
والواقع أن الهدف من المقال مجرد تنبير وتذكرة لكن أثق أن حياتنا إن وضعت دائمًا في ضوء المقياس  فإننا يمكننا إقامة العلاقات الناجحة، كما أننا يمكننا أن ندخل إلي أبعاد أعمق يومًا فيوم فنري أفضل ونعيش أفضل يجعلنا لا أسري لأفكار الناس بل إعلاء قيم أعمق نستطيع أن نعيشها اليوم.
وفيما يلي نذكر بعض القيم تفصيليًا:
أولًا: قيمة الاحترام (بأشكاله المختلفة وأنواعه): الاحترام هو أحد القيم الحميدة التي يتميز بها  الإنسان وتعبر عن قبول مفعم بالسرور والتقدير العميق دون انحياز.. إنه احترام لشخص ما وإحساس بقيمته وتميزه مما يسبب فيمن حولك توجه وشعور بحتمية رد الاحترام باحترام مثيل.
إن احترام الإنسان بصفة عامة وحقوقه، إنما يعني أنه يجب إعطاء كل فرد حقه بشكل متساوٍ واحترام إنسانيته ووجوده، فإن للإنسان الحق في العيش  الكريم والحصول على الأمان والراحة.
الاحترام هو إحدي القيم التي يتمتع بها الشخص الذي يمتلك الأخلاق والسلوك الجيد، ولا تكتمل منظومة القيم دون توافر الاحترام في الشخص، فالاحترام هو إظهار التقدير للآخرين بجميع الوسائل لكسب محبتهم، ويوجه الشخص الاحترام للآخرين إما كرد  فعل لقاء احترامهم وتقديرهم له، أو لتشجيع الآخرين للتعامل معه إذا كان في منصب قيادي، أو إذا رغب في العيش بسلام، والاحترام له أنواع عديدة مثل احترام الإنسان وحقوقه ومشاعره، واحترام الوالدين، واحترام المرأة، واحترام ذوي الاحتياجات الخاصة،.
نحن لانحترم إنسانً ما لإننا مغرضون فنرغب نوال شيء في المقابل، بل لأنه هكذا ينبغي أن تكون العلاقات الإنسانية. فالاحترام مدرسة كبري أو جامعة لها علوم وقواعد تجعل الصغير دائمًا له كبير يصغي له ويستمع ويستمتع بنصائحه لأن التعلم هو أمر غال والاحترام يعلمنا فن التعلم.
البيت أيضًا بقيمة اليوم وجلسة الحوار العائلي الهانئة والهادئة التي تجعل شعور الأمان يكتنف جوانب البيت وأفراد الأسرة وهو الأمر الذي أصبح مهددًا جدًا بسبب الانشغال بالأجهزة في عالم الإلكترونيات الذي قد لا يتسع الوقت فيه للتمهل أوالتفكير.
وأذكر صديقًا لي جمع أولاده ليقضي وقتًا طيبًا معهم لكنه اشترط عليهم ترك الموبايلات الخاصة بهم في مكان خاص في مدخل البيت وذلك حتي بالفعل يقضون الوقت معًا لا مع الأجهزة.
وربما هذه فكرة بسيطة تساعدنا علي التركيز في غرس قيمنا النبيلة عندما نجتمع كعيلة معًا. 
ثانيًا:- تقديم الآخرين وإعلاء مكانتهم (بكل صور إخلاء الذات والتفاني).
أين العهد الذي كان فيه: «الجار أولي (أهم) من الدار» فالأولوية للجار كانت عرفًا اجتماعيًا عميقًا إلي وقت قريب حتي سادت المدنية البغيضة إضافة إلي الظروف الاقتصادية المتلاطمة كتلاطم أمواج البحار فكبتت البعد الاجتماعي وإصابته بالشلل فغاب عنا هذا الرقي الحضاري في السعي لإكرام الآخرين وإسعادهم بأي كيفية أو أي وسيلة كانت.
إننا نعيش في غيبوبة في هذ الزمان تفتقر إلي روح الصحوة الحقيقية التي هي العلاج الأوحد (إن وجدت) وماعدا ذلك فإن النتائج الاجتماعية الوخيمة ستتراكم بلا حلول أو شعاع من الأمل.
إنه علي الأجيال الحالية أن تجلس طويلًا مع جيل الزمن الجميل من الجدود والأسلاف لأخذ العبر وتعلم الدروس التي مارسها ذلك الجيل العظيم، ونحتاج اليوم أن نتتلمذ علي يديه.
تقديم الآخرين وإعلاء مكانتهم يتضمن إيثارهم (تفضيلهم) عن أنفسنا
الإيثار الذي هو من درجات الكرم، ومعنىً من معاني الشرف والمروءة، هو فضيلة عاليةٌ لا يحوزها إلا كلّ ذي هِمّة عالية وإرادة مستديمة، لأنّ المؤثر إنما يتخلى في لحظ إيثاره عن شيءٍ غالٍ لديه، مالًا كان أو نفسًا أو مقامًا أو أيِّ شيءٍ، بهدف تحصيل مكرمةً ما، أو دفع سوءٍ عن فردٍ أو أمَّةٍ بكاملها. لذلك فإنّ هذا العمل يطوي بداخله عددًا من المعاني والصِّفات الشَّريفة.
الإيثار هو من أرفع درجات الجود والكرم فالإيثارُ هو أنْ يجودَ الإنسان بالمال أو النَّفس أو الرَّاحة، أو ما إلى ذلك من النِّعم مع الحاجة إليها، وتفضيلِ الإنسان الآخرينَ على نفسه، وتقديمِ حاجتهم على حاجته. 
الإيثارُ يكشفُ باطنَ الإنسان ويعرِّفُه حقيقةَ نفسه، لأنَّه ليس من السَّهل أن يقدِّم الإنسانُ حاجةَ أخيه على نفسه، إلا إذا تجاوز عقبةَ حبِّ الذَّات.
التَّحلِّي بصفة الإيثار يحتاج في البداية إلى ترويضٍ ومجاهدةٍ حتى تصبح هذه الصفة ملكةً راسخةً في النَّفس.
من الصفات الثابتة عند العرب، في قديم الزمان وحاضره: إكرامُ الضيفِ والقيام بقضاء حاجتهِ قدر الإمكان، وإن كلفهم ذلك الإيثار على أنفسهم وأهليهم، وقد قرأنا الكثير من القصص، في الكرم والجوار وحفظ كرامة الضيف، وحمايته والسهر على راحته.
ما زالت المناطق الريفية، تمتاز بهذا الفعل الحسن والواجب (كما يراه سكان الريف والبادية)، ويبقى هذا الفعل مترسخًا في جذور (عادات وتقاليد) الأُمة العربية، حيث يمتاز العرب بهذه الصفة، وغيرها من الصفات التي ليست لها مردودات مادية، بل أحيانًا يكون ضررها أكثر من نفعها.
ويعبر السيد المسيح في خطابه الخالد عن ذلك الإيثار بالقول:
«أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ
لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِين لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُون َ( الأشرار) أَيْضًا يَفْعَلُونَ ذلِكَ؟
وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ، فَأَيَّ فَضْل تَصْنَعُونَ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ (الأشرار) أَيْضًا يَفْعَلُونَ هكَذَا؟ فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ».
ثالثًا: إعلاء قيم المحبة الخالصة الصادقة:
من احتياجاتنا كبشر هو الحب كالماء والطعام والشراب، فالحب هو عبارة عن وفاء مشاعر وإنجذاب الأشخاص من خلال الألفة، والحب له أهمية كبيرة للمساعدة على العيش بأمان واستقرار وهناك الكثير من الناس الذين يبحثون عن الحب والاستقرار العاطفي والنفسي؛ لتتمكن من العيش بكافة الاحتياجات المطلوبة.
ما أهمية الحب؟  إشباع الحياة النفسية أي الطاقة التي تمدنا بالفرح لنتمكن من العيش. تفادي اليأس والإحباط في الحياة وزيادة ثقة الفرد بنفسه، فالحب أكثر ما قد يزيد ثقة الفرد بنفسه سواء وهو طفل، أو حتى في المراهقة، وفي سن الشيخوخة أيضًا، الحب يقوينا. 
السبيل الوحيد لمد الإنسان بالسعادة في حبه لربه، ورفع معنوية الإنسان في الحياة، وإنعدام روح الإجرام والكراهية، وتجعله دائم الرضا والحيوية والإيجابية المتناهية.
المحبة تصل الناس معًا وتزيد تكاثف وترابط الناس معًا، وبالتالي ترابط المجتمع بأكمله، ودعم ثقتهم بالآخرين ومن حولهم، وبالتالي تزداد صلتهم معًا وتزيد مرحهم ومتعتهم معًا في هذه الحياة، والإنتاج في العمل والتطور الفكري والتكنولوجي فالثقة تجعلهم يتعاونون معًا لتحقيق النتائج المطلوبة بشكل إبداعي وأقوى. 
صدق المشاعر والمشاركة الوجدانية والانسجام العاطفي مع الآخرين فهو المصدر الأساسي للسعادة، فحتى المراحل والإنجازات الضخمة التي تحققها في الحياة، عندما تجد أشخاصًا يفرحون معك ويسعدون لساعدتك، تشعر بالفرح أكثر من أن تفرح بإنجازك لوحدك. وهذا يؤدي لزيادة الطاقة الإيجابية التي تدعم الشخص، وتجعله متحفزًا للقيام بالكثير من الأعمال والإنجازات الضخمة.
قال فيلسوف قديمًا معددًا قوة المحبة وقدرتها:
إن كنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة ولكن ليس لي محبة، فقد صرت نحاسًا يطن أو صنجًا يرن.  وإن كانت لي نبوة، وأعلم جميع الأسرار وكل علم، وإن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال، ولكن ليس لي محبة، فليست شيئًا. وإن أطعمت كل أموالي، وإن سلمت جسدي حتى أحترق، ولكن ليس لي محبة، فلا أنتفع شيئًا.
المحبة تتأنى وترفق. المحبة لا تحسد. المحبة لا تتفاخر، ولا تنتفخ ولا تقبح، ولا تطلب ما لنفسها، ولا تحتد، ولا تظن السوء ولا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق وتحتمل كل شيء، وتصدق كل شيء، وترجو كل شيء، وتصبر على كل شيء. المحبة لا تسقط أبدًا.
وهذا ما يجعلنا نلاحظ الأشخاص الناجحون في حياتهم دائمًا ما يكونون مستقرين عاطفيًا، فالعاطفة والحب أساس مهم في جميع مراحل الحياة، فالأشخاص الذين يفتقرون للاستقرار العاطفي والحب عادةً ما يكونون يقبلون على الإحباط والفشل. الحب ليس بين ذكر وأنثى، شاب وفتاة، فالحب ينشأ بين البنت وأمها، الولد ووالديه، الأصدقاء معًا، الجيران معًا أيضًا، الحب أن تشعر بالتقرب والراحة عند الجلوس مع الآخرين.
فالإنسان لا يستطيع العيش دون أصدقاء، دون أهل وأقارب، ودون حب، فالحب أساس لهذه الحياة. 
ودمتم دائمًا في إخاء وود وإيثار الآخرين واحترام كل إنسان مهما كان، لا يهم دينه أو نوعه أو شكله أو لونه أو فقره أو غناه. لذا لنعلي القيم الأصيلة ونعيش بها على الدوام.