رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لهذا أؤيد بقوة النشاط الاقتصادى للقوات المسلحة

«١»

يقولون إن الشيطان يكمن فى التفاصيل!

 وكثير منا- كعوام المصريين- لا يعرف كثيرا من تلك التفاصيل. فبعضهم من أصحاب المصالح يحاول خداعنا من وقت لآخر بمحاولة تمرير بعض الادعاءات التى من فرط تكرارها يصدقها بعضنا.

فى السنوات القليلة الماضية ألحوا على الناس ببعض العبارات التى تصب فى فكرة واحدة، وهى التذمر مما سموه هيمنة القوات المسلحة على بعض الأنشطة الاقتصادية بما لا يترك مجالا للقطاع الخاص للمنافسة. 

لن أقول إننى كمواطن عادى لا يضيرنى شيئًا من نشاط القوات المسلحة الاقتصادى، بل على العكس فتعظيم قدراتها الاقتصادية هو- وبالتجربة العملية- من تمام تعظيم صمان الأمان للوطن ولنا كمواطنين.

ولن أقول إن ما تفعله القوات المسلحة المصرية ليس بدعة، بل هو من مفردات كل الجيوش الحديثة.

ولن أقول إن الأعباء الثقيلة التى ألقيناها على عاتق تلك المؤسسة الوطنية الصلبة منذ أحداث يناير إلى الآن كان يلزمها قوة اقتصادية ضخمة.

فكل ذلك أصبح معلومًا للجميع بعد أن عاصروه ولمسوه.

لكن لدىّ جديد أقوله، والذى يمكنه أن يكشف ستارًا كثيفًا عن أصحاب الهوى والمصالح فى أن يحاولوا- عبثًا- أن يُبعدوا تلك المؤسسة عن التواجد أو الإشراف على أنشطة اقتصادية بعينها.

«٢»

إن بعض موارد مصر الاقتصادية المملوكة للدولة المصرية كانت- نتيجة سوء تقدير وبافتراض حسن النوايا ونظافة يد جميع الموظفين المحليين- مهدرة لصالح فئات بعينها كونت ثروات طائلة عن طريق استغلال تلك الموارد بما لا يتناسب مع قيمتها الحقيقية، وذلك فى سنوات ما قبل تدخل القوات المسلحة للإشراف على تلك الموارد وإدارتها.

من أمثلة تلك الموارد بعض المحاجر لبعض أنواع الأحجار داخل نطاق محافظة أسوان. 

فقبل أن تقوم القوات المسلحة بالإشراف على تلك المحاجر، كانت بعض الهيئات الإدارية المحلية تقوم بتأجير كل محجر بمبلغ لا يتجاوز عشرات الآلاف من الجنيهات سنويًا وحتى تقريبا عامين سابقين.

وبعد قيام القوات المسلحة بالإشراف عليها يتم دفع مبلغ يتجاوز المليون جنيه لكل محجر وبنفس المساحة- مائة متر طولًا فى خمسين متر عرضًا- ومن نفس الشركات المملوكة لنفس الأشخاص الذين كانوا يدفعون ما يزيد قليلًا على ثلاثين ألف جنيه قبل عامين فقط.

ولو أن المبالغ الإيجارية الجديدة لم تحقق لهم أرباحًا فى العام الأول لما هرولوا لتجديد العقود.

لقد كوّن هؤلاء ثروات طائلة نتيجة استغلال موارد المصريين بمبالغ بخسة.

ولا أحد ضد أن يحقق رجال الأعمال- الذين يعملون بشكل حقيقى فى أى مجال- أرباحًا مهما بلغ حجمها، بشرط ألا يكون ذلك على حساب مقدرات هذه البلاد وشعبها. 

هذا مجرد مثال يمكننا أن نقيس عليه ماذا كان يحدث فى العشرات من المجالات والمواقع الأخرى المختلفة بطول البلاد وعرضها، وكم من الموارد المصرية المملوكة لكل المصريين قد كانت تستنزفها قلة حتى قامت المؤسسة العسكرية بتصويب أوضاعها بتقييمها بقيمتها المالية الحقيقية.

وهذا المثال يمكنه أيضًا أن يكشف لنا سر هجوم بعض رجال الأعمال من وقت لآخر على أى تدخل إشرافى أو إدارى اقتصادى على أى مورد من موارد المصريين، فكل هجوم يكون خلفه بعض أصحاب المصالح فى بقعة ما من مصر.

«٣»

ردد البعض من العاملين فى مجال المقاولات الإنشائية أن هناك هدرًا للموارد المالية فى بعض المواقع الواقعة تحت إشراف القوات المسلحة حين يرفض ممثل الهيئة الهندسية استلام الموقع ويطالب الشركة العاملة بإعادة العمل أو أجزاء منه.

عفوًا فهذا ربما يكون تصويبًا لخطيئة كبرى كانت شائعة فى مجال المقاولات فى مصر ويعلمها كل من عمل بها، وقد كان لى هذا الشرف أثناء دراستى الثانوية والجامعية.

لقد دفع المصريون كثيرًا ثمنًا باهظًا للفساد الضميرى لهذا المجال، فكم من أبنية سكنية سقطت فوق رءوس ساكنيها أو ترنحت بعد سنوات من إنشائها! 

وكم من «كبارى» وطرق تشققت بعد أشهر من الانتهاء منها لأن المقاول بالتواطؤ مع المشرفين الفنيين قد وفروا- أو سرقوا- أو تساهلوا فى عدد أسياخ التسليح أو مواصفات الأسمنت!

كان هذا يحدث بشكل طاغٍ خاصة فى المبانى الحكومية الإدارية أو السكنية، وهذا يفسر سر سوء حالة الوحدات السكنية بكثير من المدن التى شيدتها الدولة فى العقود السابقة كجزء من جهدها لمواجهة أزمة المساكن.

وأقدّم مثلًا محددًا لذلك تصادف أن عملت بموقعه أثناء فترة دراستى وكنتُ شاهدًا على طغيان تيار الفساد فى القطاع المعمارى، وعدم قدرة بعض صغار المقاولين- ممن كانوا يتمسكون بالجمر الملتهب أو الضمير- على الصمود فى وجه ذلك التيار.

هذا المثال هو آلاف الوحدات السكنية بمدينة المحمودية بأسوان، وحالة مرافقها المتردية، واضطرار كل من حصل على وحدة هناك إلى القيام بعملية إحلال وتجديد شاملة لكل الوحدة تقرييًا عدا السقف والأعمدة وبعض الجدران الخارجية. 

إن ثقافة الاستسهال أو اللامبالاة أو الفساد فى مجال الإنشاء والتعمير فى مصر آن لها أن تتوقف حتى لو دفع بعضهم لذلك ثمنًا باهظًا.

إن صرامة الانضباط- العسكرى- فى تسلم أى مبنى أو مشروع من العاملين به ممن يعملون لصالح شركات خاصة، هو ضرورة حتمية لنقل هذا المجال إلى ما ينبغى أن يكون عليه، كما هو الحال فى كل المجتمعات التى انتقلت سابقًا من مرحلة الفوضى إلى مرحلة تقديس العمل والقانون والالتزام الحرفى بالمواصفات الفنية مهما كانت بساطتها أو يتصور البعض بساطتها.

فهذه الصرامة التى يضيق بها البعض الآن هى من طبائع الأمور فى جميع مجالات الحياة والعمل فى المجتمعات التى انتقلت بالفعل إلى مرحلة بناء حاضرها وحضارتها بشكل جدى.

وإننى أتعجب ممن يقارن أحوالنا ليل نهار بدول معينة، لكنه يتململ ويضجر من السير فى نفس الطريق الذى سارت فيه قبلنا بعقود شعوب وإدارات تلك الدول.

«٤»

إن لدىّ أربعة أسباب محددة تدفعنى لتأييد نشاط القوات المسلحة الاقتصادى....

السبب الأول: هو ما عاصرناه منذ أحداث يناير، حين وجدنا أنفسنا فجأة بين فكين متوحشين، أحدهما هو انهيار مؤسسات الدولة المحلية واختفاؤها من مواقع مسئوليتها، بينما كان الثانى  جشع التجار وتوحشهم. 

ولو لم يكن لدى المؤسسة العسكرية من القوة والصلابة الاقتصادية والوطنية ما يمكنها من الوقوف بقوة لما نجا هذا الوطن مما كان يراد له.

إذن فنحن أصبحنا على يقين أن أى تعظيم للقدرات الاقتصادية لهذه المؤسسة هو فى الواقع إضافة لأمان هذا الوطن وأماننا نحن كمواطنين، ورصيد مضاف لمستقبل هذه البلاد.

السبب الثانى: هو ما تكشف لنا من سيطرة أفراد أو كيانات مملوكة لأفراد على موارد مصرية عظمى، وعدم تمكن بعض الأجهزة المحلية من الحصول على حقوق عادلة للدولة المصرية تساعدها على الوفاء ببعض التزاماتها كما أوضحت فيما بتعلق بمورد واحد فقط.

السبب الثالث: هو حاجة كثير من قطاعات مصر الاقتصادية والإدارية إلى إدخالها فى مرحلة الانضباط والالتزام الفنى الخاص بكل مجال، وإخراج المصريين- فيما يخص قيم العمل- من دائرة الفهلوة إلى دائرة العمل الحقيقى.

أما السبب الرابع: وهو ربما يفوق فى أهميته ما سبق، وهو أن وجود المؤسسة العسكرية اقتصاديًا ولوجستيًا بقوة فى بعض مناطق مصر الحدودية البرية الثلاث هو فى الواقع من طبائع الأمور، وهو تصحيح لبعض أوضاع لم تكن مكتملة الصواب.

ولنا فيما حدث على الحدود الشرقية المثل الأوضح والأقسى، وذلك فى الفترة التى سبقت مباشرة أحداث يناير وفى السنوات التى تلتها التى لزم لتصويبها أن تدفع مصر ثمنًا باهظًا.

ولنا أيضًا فى محاولات التسلل عبر الحدود الجنوبية عقب فض اعتصامات الإرهاب مثل آخر.

لذلك فوجود المؤسسة العسكرية الوطنية اقتصاديًا ولوجستيًا فى مناطق مصر الحدودية الأربعة هو من تمام قيام تلك المؤسسة بواجباتها الدستورية فى الحفاظ على هذا الوطن أرضًا وشعبًا وموارد اقتصادية، وحماية وحدته الأرضية والقومية وحماية كامل مقدراته.

وللمؤسسة كامل الحرية فى أن تحدد آليات قيامها بهذا الالتزامات الدستورية.

وإننى أثمن كثيرًا اختيارها فكرة الإعمار كإحدى هذه الآليات، وأتمنى أن تتوسع فى ذلك الاختيار بأقصى قدراتها لغلق كل باب أمام المتربصين.

فلا ينبغى أن نسمح لأحد بخداعنا ومحاولة إقناعنا بأن تواجد المؤسسة اقتصاديًا أو لوجستيًا فى أى بقعة من أرض مصر أمر غريب أو يتطلب تبريرًا.

بل هو أمر واجب فى جميع محافظات مصر والحدودية منها خاصة.

ويتسق تمامًا مع واجباتها الدستورية.

وفى العالم كله، لا يكره تواجد مؤسسته العسكرية على أى شبر من وطنه مخلص لهذا الوطن.