رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرموز بين التقديس والازدراء

كل فترة من الفترات الزمنية يخرج علينا من يقود حملة من الازدراء يقابلها حملة من التقديس لأحد رموز السياسة أو الدين أو الأدب ... إلخ، خاصة بعد ذلك التقدم الاتصالاتى بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعى التى أعطت الفرصة لكل من لا يملك القواعد الموضوعية للتقييم بعيدًا عن الازدراء أو التقديس. فوجدنا منذ أسابيع حملة ازدراء ضد الشيخ الشعراوى يقابلها حملة أخرى تقديسًا له. ناهيك عن تلك المواسم التى تمارس فيها تلك الحالة بالزعيم جمال عبدالناصر خاصة فى يوم ميلاده ووفاته وذكرى ثورة يوليو.. إلخ. 
بداية فالاحترام بكل ما تحمل الكلمة من معان يجب أن يكون هو السلوك القويم والمطلوب عند الحديث عن أى شخص، باعتباره إنسانًا مكرمًا، سواء كان هذا الإنسان رمزًا أو لم يكن. فالدين والأخلاق والموضوعية تحتم علينا التعامل على أرضية هذا الاحترام الواجب، وهو ضد التقديس لأى شخص من الأشخاص أيًا كان رسمه أو شخصه. فالتقديس للأشخاص مرفوض وممقوت، لأنه لا يوجد شخص مقدس غير الله سبحانه وتعالى.
وبمناسبة نشر خبر عن إنتاج مسرحية عن الشيخ الشعراوى قامت تلك المعركة بين من يقدسون وبين من يزدرون.. وأعتقد حسب رؤيتى الخاصة- وأنا ضد من يزدرى وضد أيضًا من يقدس- أن الشيخ الشعراوى كأى إنسان له ما له وعليه ما عليه، ولذلك من الطبيعى أن يكون هناك نوع من التقييم الموضوعى بعيدًا عن تلك الحالة الحدية والصفرية بين الازدراء والتقديس، خاصة فى تلك القضايا التى لا تدخل فى إطار الدين علمًا ودعوة، مثل رأيه فى نقل الأعضاء، حيث كانت فتواه فى هذه القضية خاضعة لتلك الرؤية العامة فى تلك الفترة الزمنية. كما أن مقولته التى أعلن فيها صلاته لله شكرًا بعد هزيمة يونيو. فهذا رأي سياسي يخضع لموقفه السياسى الذى يقتنع به، حسب رؤيته وحسب مصلحته الشخصية، فهذه المقولة وذاك التصرف يناقشان، ونجد من يؤيد وأيضًا من يعارض، حيث إن هذا الموضوع سياسى. وما بالك إن كان هناك من يختلف مع بعض الفتاوى والآراء فى إطار الرؤية الدينية التى هى مجال الشيخ الشعراوى، فلكلٍ رأيه وفكره الدينى فى إطار الاجتهاد. وفى كل الأحوال لم يقل هو عن نفسه إنه مقدس أو إنه لا يخطئ، ولذا يجب أن نضع الأمور فى نصابها السليم، وأن نناقش الأمور ونحلل الأقوال على أرضية زمانها ومكانها والرؤية العامة الحاكمة حينها لهذه القضايا للرأى العام. وكل ذلك يجب أن يكون فى إطار الاحترام لكل الشخصيات والأشخاص والأقوال بعيدًا أيضًا عن الازدراء المرفوض والتقديس المرفوض أيضًا. كما أننا وجدنا عند الاحتفال بعيد ميلاد الزعيم عبدالناصر الـ١٠٥ قد خرج علينا أحد ما يسمون برجال الأعمال الذى يريد أن يلعب دورًا سياسيًا فأنشأ حزبيًا سياسيًا بأمواله ففشل. ويريد أن يكون مثقفًا فأنشأ جائزة أدبية رفضها من استحقها هذا العام. مع أننا نقول إنه من حق أى أحد أن يشارك حزبيًا وثقافيًا فى المجال العام الحزبى والسياسى على أن يكون أهلًا لهذا وليس عن طريق المال. فالمال لا يصنع سياسى ولا يؤهل مثقف. خرج هذا الشخص يصب جام غضبه على الزعيم بعيدًا عن أى موضوعية أو فكر أو موقف سياسى غير رفضه لسياسة عبدالناصر التى ما زالت تؤرق راحة الرأسمالية الكمرادورية المرتبطة بالمصالح الاستعمارية وبعد وفاة ناصر منذ أكثر من نصف قرن! مع العلم أنه من حق هذا أن يبدى رأيه الموضوعى الذى يدرك أن التقييم لا يسقط الزمان والمكان والظروف الحاكمة وقت الحدث أو إصدار القرار. كما أن المصلحة الذاتية المحترمة لذاتها تدرك وتعى الكلام المقال. فهل يمكن أن يقال إن ناصر أهدر كرامة المصرى!! نقول إنه مع ما تبقى من إنجازات على رأسها الكرامة التى أوجدتها يوليو للوطن والمواطن مازالت وستظل عنوانًا للمرحلة الناصرية. فإذا كان هذا الشخص يتصور أنه قد أضير من ناصر حتى يعطى نفسه وضعًا ما كان حينها فنحن من استفدنا ونحن من حصلنا على كرامتنا وكرامة وطننا الذى كان محتلًا ومستغلًا من الرأسماليين والإقطاعيين. ولكن هل عبدالناصر مقدسًا؟ بالطبع لا فهو شخص أصاب وأخطأ ويجب تقييمه بموضوعية وبأدب بعيدًا عن تصفية حسابات يتخيل أصحابها أنهم أصحاب مواقف وإن كانوا أصحاب أموال. حفظ الله مصر وشعبها العظيم.