رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

راما وأخواتها.. رحلة حسناوات كرة القدم المصرية من أزقة المحافظات إلى الملاعب (تفاعلي)

راما وأخواتها
راما وأخواتها

"الساحرة المستديرة" هكذا نطلق على لعبة كرة القدم، ورغم أنها اللعبة الأشهر على مستوى العالم، إلا أن هذه الشهرة ظلت لفترة مقتصرة على الرجال، رغم أن الفتيات أيضًا اقتحمن هذا المجال وبقوة، فقد كسرت كل لاعبة الحواجز واتبعت حلمها حتى وصلت إلى هدفها.

"الدستور" في الملف التالي تروي قصص مشوقة عن فتيات حطمت الصعاب التي واجهتها لتحقيق طموحها، لاسيما أن كرة القدم النسائية في مصر رياضة لا تزال غير معروفة على نطاق واسع، ولكنها موطن للعديد من اللاعبات اللائي حققوا أهدافًا وبطولات رائعة، لكن يبدو أن الأمور بدأت تسير فى مسارها الصحيح خاصة مع إعلان الحكومة عبر وزارة الشباب والرياضة بالتعاون مع المجلس الثقافي البريطاني استكمال مشروع "ألف بنت.. ألف حلم"، وهنا تسرد "ذوات الأقدام الرشيقة" من اللاعبات في مصر رحلتهن في مصر للحصول على فرصة للتألق في الملاعب.

7 سنوات من "ألف بنت ألف حلم"

"ألف بنت ألف حلم" هو مشروع يهدف إلى تشجيع الفتيات اللاتي لديهن المهارة والشغف بممارسة كرة القدم أطلقته وزارة الشباب والرياضة المصرية عام 2017، بالتعاون بين المجلس الثقافي البريطاني والاتحاد المصري لكرة القدم، وجاءت فكرة المشروع عن طريق إدارة الدوري الإنجليزي الممتاز، من خلال المجلس الثقافي البريطاني، حيث دشن قديما برنامج "المهارات الممتازة" ونجح بقوة، لذلك طرحوا المشروع الجديد "ألف بنت ألف حلم" على مصر الذي بدأ بـ8 محافظات من صعيد مص، وبالفعل جهزت مصر 5 مراكز تدريب في المحافظات الثمانية، وفي كل مركز 25 بنت، بالإضافة إلى مدرب خاص بهن وآخر مساعد.

أما طريقة التقدم للمشروع فتتم عبر مهرجان إعلاني ترويجي عل ألا تتخطى أعمارهن 17 سنة، من خلال مراكز الشباب والرياضة التابعة لكل محافظة، ثم يتم بعد ذلك تدريب الفتيات المتقدمات، ثم يقدم المجلس الثقافي البريطاني الدعم المادي والذي يتمثل في توفير الملابس الرياضية ورواتب الأجهزة الفنية وإقامة المعسكرات، كما يهتم أيضاً بوصول المشروع للمناطق النائية، فيما توفر وزارة الشباب والرياضة المصرية أماكن التدريب بمراكز الشباب على مستوى محافظات الجمهورية، والإشراف فنيًا وإداريًا على المشروع، ثم تأتى المرحلة الأخيرة باختيار وانتقا أفضل العناصر للمشاركة فى المنتخبات.

وتوغل المشروع إلى أغلب المحافظات المصرية، حيث لاقي انتشارًا واسعًا في كل مكان، ومن خلال أداة "vism" نوضح لك تلك المحافظات:

كيف بدأت كرة القدم النسائية في مصر

الحديث عن مشروع كبير كـ"ألف بنت.. ألف حلم" يدفعنا للعودة إلى بدايات نشأة كرة القدم النسائية في مصر، والتي بدأت بفرق من الهواة في الجامعات، لكن لم تحظى بصيت واسع حتى النصف الثاني من التسعينات، حينما ظهرت سحر الهواري، والمهتمة بملف كرة القدم النسائية، لتبدأ تشكيل وتكوين منتخب مصر لكرة القدم النسائية استعدادًا للمشاركة في نهائيات كأس الأمم الإفريقية 1998 في نيجيريا، والذي تم تحت إشراف الاتحاد المصري لكرة القدم.

كان النادي الإسماعيلي أول نادٍ شعبي يؤسس فريق كرة قدم نسائي في تاريخ مصر، بدأ الأمر عندما قرر فريق يُدعى شركة المعادن إنشاء فريق كرة قدم نسائي، مما دفع الإسماعيلي للإعلان عن إنشاء فريق خاص بهم في 1998/1999، ثم تنافسا على ألقاب الدوري والكأس، لكن على الرغم من قوتهن البدنية لم يستطعن ​​الفوز بالألقاب، ومع ذلك، تم الاعتراف بتألقهن، مما أدى إلى انضمام ثلاثة منهم إلى المنتخب المصري.

ومؤخرًا، يعتبر نادي وادي دجلة هو الأكثر حظوة ببطولة الدوري المصري لكرة القدم، فقد حصدها 13 مرة، آخرها نسخة 2021/2022 بعدما حصد 57 نقطة من 60، حيث حقق الفوز في 19 مباراة، وخسر مباراة واحدة، والتي بسببها تمكن من المشاركة في النسخة الأولى من بطولة دوري أبطال إفريقيا، في انطلاقتها الأولى.

ومن خلال أداة "تايم لاين" نوضح لك جميع الفرق التي تُوجت بالبطولة منذ انطلاقة كرة القدم النسائية الأولى في 1998م:

لا تتوقع أن مصر ليس لديها فرق نسائية قوية، واللاتي كن ثمرة الالتفات لهذه اللعبة والاهتمام بها على رأسهم "راما واخواتها"، وراما جويلي هي إحدى محترفات كرة القدم، رغم أن مهنتها الأساسية هي المحاماة، ولم تجد أن الأمرين بينهما أي تناقض، فكانت أيقونة نسائية في عالم كرة القدم النسائية. 

تقول راما لـ"الدستور": بدايتي كانت مع نادي المعادن، وحصلت على عدد من الدورات التدريبية، خاصة تقوية ما يتعلق بالقوة والسرعة لنتنافس مع الشباب، وكانت لتلك الدورات فرق كبير أثناء اللعب في آلية اللعب "كأنك بتبص على اللعبة من فوق". 

وقررت راما عند الوصول لسن الثلاثين التوقف عن اللعب، وبعد الحصول على الدورات الكافية المحلية والدولية كان له أثر كبير فيما يخص أكاديمية التدريب، كما أضافت تلك التجربة ثقافة أن كرة القدم لا تحتاج للتفرغ لها، فيمكنك أن تمارس الطب والاحتراف في كرة القدم، كذلك المحاماة والتدريس في الجامعة.

إسراء: والدي آمن بموهبتي

أما اللاعبة إسراء حربي، صاحبة العشرين عامًا، فطنت موهبتها منذ كانت في الصف الأول الابتدائي، حيث اعتادت اللعب مع أولاد منطقتها في الشارع، لكن والدها رأى فيها موهبة كبيرة، فكان أول المشجعين لها وسعى معها لصقل موهبتها فاشترك لها في إحدى المراكز، لكن التدريب كان مع الأولاد فقط لأن بلدتها شبين الكوم بالمنوفية لم تعترف بلعب البنات لكرة القدم، وبذلك كان الأهل الداعم الأول والأخير في الوصول لحلمها.

تتابع "إسراء" قصتها مع "الدستور"، فتقول أنها بدأت الاحتراف بانضمامها إلى نادي الجمهورية بشبين الكوم، ولا تزال تكمل مسيرتها فيه متشبثة بحلم العالمية، لكنها تأمل أن تتغير فكرة أهالي البلدة عن رفضهم أن تلعب الفتيات كرة القدم أسوة بالفتية، واعتبار لعبهن بلا فائدة.

ورغم تلك الأفكار، لم تلتفت "إسراء" لها بل أصبح طموحها الاحتراف في الدوري الإنجليزي واللعب لمنتخب مصر، متخذة اللاعبة الأسبانية اليكسيا بوتياس مثلًا أعلى لها في تلك اللعبة، وهي لاعبة كرة قدم إسبانية تلعب في خط الوسط لنادي برشلونة في الدوري الإسباني وقائدة منتخب إسبانيا.

شيكا: أصقلت موهبتي بدورات "الإنجليزي" و"الهولندي"

ذهبنا بعدها إلى محافظة المنيا، حيث كان حديثنا مع اللاعبة سارة صلاح (شيكا)، صاحبة الثلاثة وعشرون عامًا، والتي بدأت اللعبة منذ الطفولة كهواية ثم انضمت إلى نادي ميت الخولي بالمنيا، لكن واجهتها عقبة رفض والدها استكمال حلمها في اللعب لأن مرحلة الثانوية العامة طرقت أبوابها، فابتعدت عن الملاعب رُغمًا عنها لحين انتهائها، وبدخولها الكلية عادت إلى حلمها ولكن في فريق صغير شكلته بلدتها فانضمت له حتى انتهت من سنوات الكلية الأربع.

وانتهت خطوات المهد بالانضمام إلى فريق نادي المعمورة، وتتابع "شيكا" حديثها مع "الدستور"، بأن انضمامها لـ"المعمورة" سيستمر حتى الموسم الجديد حتى تصقل موهبتها بشكل أفضل، متطلعة أن تنضم للدوري الإنجليزي الذي يهتم باللاعبات ولا يعتمد على الوساطة كما هو الحال في كثير من الأندية المصرية، أيضًا تجد أنه داعم لفتياته على عكس المصري لأنها ليست لعبة مشهورة بالنسبة للفتيات كما هو الحال بالنسبة للرجال. 

وعن مثلها الأعلى، تقول إنها أليكسيا بوتياس قائدة منتخب إسبانيا، وسعيًا لحملها، حصلت "شيكا" على دورات من الاتحاد الإنجليزي والاتحاد الهولندي.

سمر: أنا في أفضل النوادي المصرية

قصتنا التالية ذهبت بنا إلى بورسعيد حيث اللاعبة سمر عادل، صاحبة الـ28 عامًا، والتي بدأت منذ كان عمرها 13 عامًا في المدرسة، حيث العام الأول للعب بطولة بيبسي للمدارس، ثم تم اختيارها لتكون إحدى عضوات فريق نادي الداخلية، ثم انتقلت للفريق الأقوى حاليًا على ساحات كرة القدم النسائية فريق نادي وادي دجلة، لتكون فيه ضمن لاعبات المنتخب المصري منذ عمر 15 عامًا، ووصلت إلى بطولة شمال افريقيا، ولا تزال تسعى لتحقيق مراتب أعلى، قائلة: "الطموح لا ينضب".

وعن مثلها الأعلى، قالت أنها تتمنى الوصول لمرتبة اللاعبة أماني رشاد، وهي اللاعبة الوحيدة التى شاركت مع منتخب مصر في بطولتي أمم أفريقيا 1998 - 2016، منتقلة للحديث عن اللعب مع الأولاد في المباريات فالفرق الوحيد هو القوة والسرعة، فقالت: "هما ربنا مميزهم أكيد عن البنات بقوة وسرعة أكبر لكن بنحاول نشتغل على دا، فأغلب تحضيراتنا في التدريبات بتكون كأننا هنلاعب ولاد"، مؤكدة أنها ستقبل أي عرض احتراف خارجي بشرط أن يكون نادي له تاريخه فهي الآن في أفضل النوادي المصرية في كرة القدم النسائية.

ندى: احترفت في السعودية وحلمي العالمية

تأخذنا رحلتنا بعدها إلى المحلة الكبرى حيث نادي غزل المحلة الذي كان بداية مسيرة اللاعبة ندى إبراهيم، صاحبة العشرين عامًا، التي شعرت أنها هدفها في الحياة بعد تجربة أكثر من لعبة رياضية، انتقلت بعد ذلك إلى نادي صيد المحلة في بداياته لمدة 5 سنوات لتأخذها السنون بعدها لتنضم إلى نادي وادي دجلة، والذي ذهبت إليه بعد أن وصلت إلى الدوري الممتاز في "صيد المحلة"، ظلت تنافس في "وادي دجلة" حتى احترفت في نادي الهمة السعودي، الذي اعتبرته بداية مسيرة أقوى لها.

وعن الصعوبات، قالت: أصعب وقت عندما كنت في عز شهرتي وأصبت برباط صليبي، كنت وقتها ضمن المنتخب المصري في منافسة مع لبنان، لكن تلك الأزمة لم تجعلني أرجع للوراء بل تأهلت لأكون محترفة في نادي الهمة السعودي، متمنية أن تحصل على لقب أفضل لاعبة في العالم.

سارة عصام أول مصرية في الدوري الإنجليزي 

أردنا أن نختم بقصة لاعبة كان لها أثر كبير في التأكيد على أن الفتيات في هذه اللعبة تستحق أن تأخذ فرصًا أكبر فيها، فقصتنا الأخيرة هي عن اللاعبة سارة عصام، التي رغم أنها رأت أن كرة القدم ذكورية لكن مع ركلتها لأول مرّة بقدمها مع شقيقها في عمر 4 سنوات تحول الأمر إلى عشق من نوع خاص، فبدأت اللاعبة سارة عصام الانضمام إلى صفوف كرة القدم مطلع 2013 حينما انضمت الى أكاديمية وادي دجلة للسيدات وكانت في سن 14 عامًا، لم يمر وقت طويل حتى تقرر تصعيدها لتلعب بالفريق الأول والناشئات، وبعد عام ونصف تم ضمها لتمثل منتخبي مصر للسيدات الأول وتحت 17 عامًا في تصفيات كأس الأمم الإفريقية، وصعدت به إلى كان الكاميرون نهاية عام 2016، ثم المشاركة مع منتخب الناشئات تحت 17 عامًا في تصفيات كأس العالم "الأردن"، وفي عام 2017، أصبحت أول لاعبة مصرية تلعب في الدوري الإنجليزي لكرة القدم النسائية.

رحلتها لم تخلو من الصعوبات، فكانت البداية مع أهلها الذين رفضوا اتجهاها لتلك اللعبة لكونها مهملة في مصر ولا مستقبل لها، إلا أن تلك الكلمات أشعلت النار في الهشيم، فبدلاً من الرضوخ لكلماتهم تحولت إلى أيقونة في عالم كرة القدم النسائية، ففي نهاية 2021م اختارها "فيفا" لتكون سفيرة لبطولة كأس العرب التي أقميت في قطر، وهي أول فتاة مصرية وعربية يتم اختيارها لهذا المنصب رغم أن هذه البطولة للرجال وليس للفتيات، كما شاركت مع المنتخب المصري في البطولة العربية التى استضافتها القاهرة، وأحرزت هدف مصر الوحيد ضد الفريق الأردني، ثم ظهرت بعد ذلك في وديتي مصر الدوليتان أمام الأردن في أكتوبر 2022، وقيادة المنتخب الوطني الفوز في المباراة الأولى بهدف نظيف، قبل أن تنتظم في تدريبات ناديها الجديد "آلباسيتي" الإسباني.

وبحسب ما أوردته أحدث الأنباء الرياضية الرسمية، فإن أسماء آخر تشكيل للاعبات منتخب مصر للسيدات هن 32 لاعبة، وجاءت القائمة على النحو التالي، كما هو موضح من خلال أداة "فلوريش"

ميزانية المنتخبات

بحسب أحدث الإحصائيات الصادرة عن الاتحاد المصري لكرة القدم خلال الفترة من 1 يوليو 2021 حتى 30 يونيه 2022، وصلت مصروفات منتخب مصر الأول لكرة القدم النسائية، 22 مليون و386 ألف جنيه، خلال الفترة من 1 يوليو 2021 حتى 30 يونيو 2022، فيما بلغت مصروفات منتخب الناشئات للكرة النسائية لنفس المدة 2 مليون و53 ألف جنيه.

ولكي نفهم وضع الكرة النسائية، كان لابد من نظرة  على الإحصائية الخاصة بميزانيات الأندية وبالطبع بمديونياتتها خاصة أنها وصلت إلى 166 مليون و735 ألف جنيه، مقسمة كالآتي: أندية منطقة الجيزة 62 مليون جنيه، أندية منطقة الإسكندرية ومطروح 34 مليون و471 ألف جنيه، أندية منطقة بورسعيد 26 مليون و867 ألف جنيه، أندية منطقة القاهرة 21 مليون و921 ألف جنيه، أندية منطقة شمال سيناء 200 جنيه فقط.

وبحسب دراسة أجراها الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، كشفت أن 70% من أندية كرة القدم النسائية على الصعيد الدولي تتكبد خسائر مالية، فيما تحقق 13% من الأندية النسائية إيرادات تزيد على مليون دولار، ويأتي أكثر من نصفها عبر صفقات الرعاية.

وفي تصريحات إعلامية لها، كشفت صفية عبدالدايم، رئيس قسم تطوير الكرة النسائية بالكاف، والمساعدة الإدارية لمكتب "فيفا" لتطوير كرة القدم بدول شمال وشرق إفريقيا سابقًا، الميزانيات التي يحصل عليها الاتحاد المصري لكرة القدم من الاتحاد الدولي لكرة القدم، والخاص بكرة القدم النسائية، فيتلقى 50 ألف دولار، في حالة وجود متتخب للكرة النسائية تحت 17 عامًا، إذا شارك في 4 مباريات ودية في العام، بالإضافة إلى أهمية وجود دوري لهذه الفئة العمرية.

وأوضحت أيضًا أنه في حالة وجود منتخب أول لكرة القدم النسائية ومنتخب تحت عشرون عامًا، يحصل على 50 ألف دولار، ويحتاج كلاهما خوض 4 وديات دولية خلال عام، هذا بجانب إلى أهمية وضرورة وجود دوريات لهذه الفئات السنية.