رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كتاب وباحثون يكشفون.. دور النوستالجيا فى إفراز جيل جديد من المؤرخين الصحفيين

النوستالجيا
النوستالجيا

استعادة التاريخ وتفكيكه ليسا بالأمر السهل، كانت وما زالت مهمة كتابة التاريخ مرتبطة ارتباطا كليا بالإكاديمين من دارسي التاريخ، ولكن ثمة جوانب وزوايا أخرى في التاريخ  يتصدى لها ما يمكن أن نصفهم بالمؤرخين الجدد، وهؤلاء ارتبط عملهم بالصحافة، فليس غريبا أن يرجع المؤرخين إلى كتابات الكاتب الصحفي صلاح عيسى، وأحمد بهاء الدين، وغيرهما من  الذين ارتبط عملهم بالصحافة ارتباطا وثيقا، وأصبحوا مؤسسي المدرسة، قد تبدو بعيدة عن استراتيجيات الأكاديمية، يقدمون التاريخ  بطريقة مختلفة ومغايرة، ولا تنقصها المعلومة، وفي  السنوات الأخيرة من بدايات هذا القرن ظهر عدد من الكتاب الصحفيين  الشباب لعبوا نفس الدور وبدأت أسماؤهم في الرواج عن المؤرخين الجدد وسؤال كيف لعبت الصحافة الثقافية دورًا في استعادة التاريخ الثقافي والفني المطمور للمصريين؟ يدور هذا التقرير التالي: 

 

سهير عبد الحميد: أحمد بهاء الدين.. أول من أرسى قواعد ربط الصحافة بالتاريخ 

من جهتها أشارت الكاتبة الصحفية والباحثة في التاريخ سهير عبد الحميد "هناك مدرسة صحفية في الكتابة التاريخية أرسى قواعدها الأساتذة أحمد بهاء الدين ومحمود السعدني ومحمود عوض وصلاح عيسى وجمال بدوي وعباس الطرابيلي، اعتمدت على قراءة سطور التاريخ بعيدًا عن الأرقام الجافة والدراسات الأكاديمية، لا يعني هذا أبدا التقليل من الدراسات الأكاديمية؛ لأنها المنبع الأساسي الذي يستقي منه من يكتب التاريخ  في الصحافة أو الدراما التاريخية وجود مدرسة تكتب التاريخ  بلغة صحفية جذابة مهم لشريحة كبيرة من القراء. 

ولفتت عبد الحميد  إلى أن "على المستوى الشخصي مثّل كتاب "مصر من تاني" للعبقري محمود السعدني، نموذجًا لقراءة التاريخ وكتابته بوصفه أحداثًا وشخوصًا وأماكن وحكايات حدثت هنا وهناك لا مجرد أرقام.

وما لا شك فيه أن ممارسة مهنة الصحافة منحتني ميزة الاقتراب من نوافذ التاريخ عبر إجراء مقابلات مع شخوص وشهود عيان على أحداث مفصلية.

حدث هذا بينما كنت أتعرض لتاريخ قصور مصر فقد حاورت بعضا ممن عاشوا بها أو عملوا في خدمة ساكنيها، فأضافت شهاداتهم زوايا جديدة جعلت التاريخ الذي أكتبه أمام القارئ من دم ولحم وفعلت ذلك مجددًا في كتابي الأحدث "سلسال الباشا" الذي تضمن شهادات من بعض أفراد الأسرة المالكة. 

وختمت "كما أن الكتابة الصحفية التي تمرست عليها عبر أكثر من ربع القرن منحتني أسلوبًا أدبيًا روائياً في الكتابة التاريخية أعتقد أنه أكثر جاذبية للقارئ المحب للتاريخ.

طاهر عبد الرحمن: غياب أرشيف مؤسسي يهدد كتابة التاريخ 

من جانبه قال الكاتب الصحفي والباحث طاهر عبد الرحمن "الحقيقة غير متحمس لوصف المؤرخين الجدد"، متحمس أكتر لوصف الباحث، لأن التأريخ مسألة معقدة جدًا، وتتطلب عناصر كثيرة ليس أهمها رؤية شاملة للحدث التاريخي وكل ما يحيط به.

وأشار عبد الرحمن إلى أنه: "بالتأكيد هناك محاولات كثيرة لإعادة النظر في حوادث تاريخية، مع التحفظ على عدد غير قليل من تلك المحاولات، لأن هدفها في المقام الأول- بكل أسف- إبهار أو صدمة القارئ ولا تهم الحقيقة بشكل مطلق.

ولفت عبد الرحمن إلى أن "الحقيقة أن تلك المحاولات موجودة من زمن، تكفي نظرة على كتب أستاذنا الكبير الراحل صلاح عيسى، وإن كانت فردية وتشكك الكثير في جدواها وإقبال القارىء عليها، لكنها استمرت وأثبتت أهميتها".

وأوضح عبد الرحمن "لا شك أن اهتمام معظم الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية بهذا النوع من الكتابة التاريخية أعطى لها دفعة قوية جدًا، ما جعل القارىء ينتظرها، ولولاها لما استطاعت تلك النوعية من الكتابة الوصول للناس، وقطعا هناك دور أكثر أهمية لوسائل التواصل الاجتماعي، خاصة وأن هناك أسماء أصبحت لها مصداقية كبيرة فيما تكتبه مثل محمد الشماع وعبد المجيد عبد العزيز وأيمن عثمان وشهدي عطية".

لا يخفى على أحد أن هناك معلومات لا حصر لها مغلوطة، ومع تكرارها تصبح حقيقة راسخة، وهنا دور الباحث في تقديمها بشكل صحيح أو قريب من الحقيقة، وهو جهد خرافي لأنه في الغالب جهد شخصي وبالطبع مُكلف جدًا. 

وختم عبد الرحمن "المشكلة الأكبر، ورغم الحماس الكبير الذي تناله مجهودات هؤلاء الباحثين - إلا أن غياب شكل مؤسسي للأرشيف في مصر يؤثر كثيرًا على أية محاولة جادة، وهو ما نتمنى أن يتغير في يوم قريب، لأنه تاريخ البلد وذاكرته، وبدون تلك الذاكرة لا حاضر أو مستقبل.

شهدي عطية: صحافة النوستالجيا كشفت تاريخا موازيًا 

من جانبه يلفت الكاتب الصحفي والباحث شهدي عطية إلى أنه "انتشر مؤخرًا لون في الصحافة الثقافية وهو "النوستالجيا"، والذي يعتمد كليًا على الاستعانة بالأرشيف الصحفي للدوريات لربط أحداث وقضايا حدثت في الماضي وإسقاطها على الواقع ولا شك أن أرشيف الدوريات القديمة والبحث بما يحويه، يفرز نوع من المؤرخين غير تقليديين.

لفت عطية إلى أن "لأن الاكتفاء بالبحث في الكتب فقط ينتج عنه معلومات مكررة معروفة لمعظم المطلعين، لكن الإستعانة بالأرشيف الصحفي بجانب الكتاب يكشف عن وجود تاريخ مواز، بل أحيانا ينسف معلومات مكررة في كتب وأصبحت لصيقة لدى العقل الجمعي للقراء - وهذا حدث معي شخصيًا مرات عديدة.

ويؤكد عطية على أن: "هذه هى قيمة أرشيف الصحف، والتي تعتبر بمثابة دفتر أحوال للمجتمع وفقدانها يعني فقدان جزء أصيل من تراثنا ومن تاريخنا، وقد حرص الكتّاب الصحفيون على جمع بعض مقالاتهم وتحقيقاتهم في كتب خوفاً من اندثار تلك الدوريات، وبالتالي تتوارى تلك التحقيقات ولا يتذكرها أحد.

وختم عطية: "هناك تحقيقات سقطت ومقالات نسيت، بل وصحفيين وكتّاب لم يعد لهم ذكر الآن وسط جمهور القراء، ومن خلال البحث في أضابير الصحافة نكتشف أننا أمام رحلة مثيرة يتكشف أمامنا المجهول تماما بل والمعلوم ولكن بقدر يسير، وكذلك يتكشف أمامنا وجوه أخرى لكتاب معروفين، من خلال البحث والاستقصاء بذكاء في أرشيفات الدوريات نستطيع الكشف عن جوانب مجهولة لأحداث معروفة وهذه الجوانب عندما يكتبها الصحفي الثقافي تضيف للحدث القديم وتبرز دوره كمؤرخ من طراز جديد".