رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى محبة الحكيم ومحفوظ

كلام الدكتور مصطفى الفقى عن أحقية توفيق الحكيم بجائزة نوبل ليس جديدًا، كتبه قبل ذلك فى مقال، ووضع هذا المقال فى كتابه «شخصيات على الطريق»، ومر مرور الكرام، إلى أن قاله فى برنامج تليفزيونى، جعل صاحبه فى موقف حرج، لأنه لم يكن موفقًا، وبدا ترويجًا لأفكار الذين حاولوا اغتيال الأستاذ نجيب محفوظ، هو قال إن الحكيم كان أحق من صاحب الحرافيش، وإن لجنة نوبل لم تمنحه الجائزة لأنه يكتب فى الإسلاميات.

فى البداية لسنا ضد توفيق الحكيم، وأعتقد أنه يستحق جائزة نوبل، ومحفوظ نفسه قال فور فوزه بها إنه يشعر بالخجل لأن الجائزة لم تذهب إلى أستاذيه يحيى حقى وتوفيق الحكيم، وكان يستحقها طه حسين ويوسف إدريس، ويستحقها أكثر من كاتب من روائيى وشعراء الخمسينيات والستينيات، ولا ندافع عن أحقية الأستاذ نجيب بالجائزة، لأنه لا يحتاج إلى دفاع، تدافع عنه أعماله وسيرته والأثر الذى تركه فى الكتابة ليس على المستوى المحلى فقط ولكن على مستوى كوكب الأرض.. الألغام التى جاءت فى تصريح الفقى كثيرة، من بينها أن الجائزة ضد الإسلام، وحصول صاحب «أولاد حارتنا» عليها يعنى أنه ضد الدين، وهو كلام يردده المتشددون، والدكتور مصطفى ليس منهم بالتأكيد، ولكن كلامه هذا يصب فى مصلحتهم.. الحكيم لم يكن كاتبًا إسلاميًا، كان أحد البنائين الكبار فى الثقافة المصرية والعربية، ورائدًا فى فن المسرح وفى فن الرواية، هو فنان عظيم، وكان سيفرح بفوز محفوظ بالجائزة، لأنه كان محبًا وداعمًا له ولإبداعه، كان بإمكان الفقى أن يقول إنه يستحقها فقط، وهو يستحقها بالفعل، الحكيم عانى من بطش المتشددين منذ «أهل الكهف»، رغم الحالة الليبرالية التى صبغت زمن كتابتها، وفى مطلع أربعينيات القرن الماضى كتب «نشيد الإنشاد» التى استوحاها من العهد القديم «سفر نشيد الإنشاد»، وعندما نشر «حديث مع وإلى الله» فى الأهرام، أول مارس ١٩٨٣ على أربع حلقات، تعرض لهجوم عنيف كان على رأسه عمر التلمسانى والشعراوى، ولكنه حين نشر الأحاديث الأربعة فى كتاب مستقل نهاية العام وأسماه «الأحاديث الأربعة والقضايا الدينية التى أثارها»، أضاف فصلًا بعنوان: «أنا مسلم.. لماذا؟» أجاب فيه عن السؤال بالقول: «أنا مسلم لما جاء فى الإسلام من عناصر ثلاثة: الرحمة، العلم، البشرية، وقبل ذلك وفوق ذلك لأنى أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ثم لأنى مؤمن بالرحمن الرحيم وهى الصفة التى وصف الله تعالى بها نفسه ونكررها فى كل ساعة: باسم الله الرحمن الرحيم»، قبل هذه الأحاديث كان قد تعرض أيضًا لهجوم بسبب حوار متخيل ساخر مع ملك الموت فى مجلة أكتوبر.. باختصار الحكيم كان فنانًا، والدين جزء أساسى فى تكوينه مثله مثل الآخرين هنا أو هناك، ولم يتعامل مع نفسه، أو يعامله الآخرون على أنه رجل دين، ولا أعرف من قال للفقى إنه يكتب فى الإسلاميات.. كان رأى فتحى رضوان كما قال فى كتابه الفريد «عصر ورجال» إن رموز ما بين ثورتى ١٩ و٥٢ من المفكرين، كما كانوا يؤلفون فى النصف الأول من حياتهم عن روسو وجوته وبيكون كتبًا، وكما كانوا يكتبون مقالات عن فرانس ونيتشه وعن الفلسفة الغربية وزعماء الفكر الأوروبى، كتبوا فى النصف الثانى عن الإسلام ونبيه وصحابة رسوله الكريم وعن أثره وفلسفته، فما من شىء تغير بتغير موضوع دراستهم وكتاباتهم، وكان يرى أنه لا توجد معاناة روحية فى الكتابة، حين كانوا شبابًا تمنوا أن يكونوا طليعة فكر «علمانى» لا دينى، طليعة حرة لمدرسة من الأحرار لا تخيفهم التقاليد الموروثة ولا القيم التى أسبغ عليها الخوف والكسل والتراخى العقلى والوجدانى هالات قداسة لا تستحقها، بل لعلهم تاقوا إلى الذهاب إلى أكثر من ذلك، تركوا للجمهور أن يستنتج عدم انشغالهم بالدين من مسلكهم العام، وأنهم يريدون خلق حركة فكرية لا تهاب عمائم المشايخ ولا الخرافات الشائعة بين الناس، وأن يقتحموا قلاع الرجعية الفكرية، فماذا فعلوا بعد أن تقدم بهم العمر؟ يجيب رضوان: كان أقصى ما استطاعوا أن يفعلوه أن يذكروا اسم الرسول الكريم مجردًا من لقب سيدنا، وألا يتبعوه بالصلاة عليه!، «الترند» الذى تسببت فيه تصريحات الفقى تزامن مع نشر مقال مهم جدًا له فى الأهرام عن ديمقراطية التعليم ومستقبل مصر، يحذر فيه من الكارثة المرتقبة بسبب تعددية أنظمة التعليم فى مصر «دينى ومدنى وخاص ومصرى وأجنبى»، وهو الأمر الذى يهدد النسيج الاجتماعى للدولة والسلامة النفسية للشعب.. وكنت أتمنى أن يكون الجدل حول هذا الموضوع.. ولكن «نقول إيه؟!».