رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا يعتبر السعى للكمال مدمرًا للصحة وقاتلًا للسعادة؟

جريدة الدستور

ريتشارد كارلسون لقرائه: استمتعوا بالحياة وتقبلوا النقص البشرى

كل منّا يريد لنفسه حياة أفضل، ويجتهد لكى تسير الأمور كما يريد، لكن ذلك إن لم يتزامن مع تقبل الإنسان لنقصه، فسيعيش فى «جحيم البحث عن الكمال».. وهذا ما ركز عليه المؤلف الشهير ريتشارد كارلسون، فى كتابه «Don’t Sweatthe SmallStuff»، الذى يوضح فيه أن السعى إلى الكمال سلوك ضار.

يقول «كارلسون»، فى كتابه، إننا نهتم أحيانًا بأشياء صغيرة ونعطيها أكبر من حجمها ونستهلك طاقتنا فى التفكير فيها، على سبيل المثال، يمكن أن يتعرض الإنسان لمشكلة صغيرة، مثل أن يزاحمه شخص بسيارته فى الطريق.. والمنطق يقول إن المشكلة عادية ومتكررة ويمكن التغاضى عنها، لكن العقل القلق قد ينغمس فى التفكير فيها طوال اليوم، هى وعشرات من المشكلات الوهمية، ولا يدرك أنه بذلك يبتعد عن السعادة لأنه يبحث عن الكمال. 

وأضاف: «فى نفس موقف السيارة التى تسببت فى تعطيلك، يمكن أن تفكر بشكل مختلف، عبر التعاطف مع الشخص الذى زاحمك فى الطرق بسيارته، فقد يكون متوترًا بسبب تأخره عن موعد معين»، مشيرًا إلى أن البشر يعلقون فى مواقف صغيرة كهذه يوميًا ويسيطر عليهم الغضب من أمور عادية، مثل الانتظار فى طابور أو الاستماع لنقد غير عادل أو لسوء الحظ أو ازدحام الشارع.

وأكد: «عندما ننغمس فى الأشياء الصغيرة نبدأ فى فقدان التواصل مع الحياة الممتعة.. نبتعد عن الجمال الساحر عندما نسعى إلى الكمال».

وأوضح: «أدمغتنا غارقة فى السعى للكمال.. نحاول تنظيم حياتنا لكى نصبح الأفضل، وهذا التركيز على الكمال يجعلنا نركز على العيوب فى حياتنا، مثل الخزانة غير المنظمة أو زيادة الوزن أو حدوث خدش فى السيارة، وغيرها من الأمور».

ويضيف الكاتب: «الأسوأ من ذلك أن هذا النمط من التفكير يجعلنا نركز على عيوب الآخرين، ونحلل الطريقة التى ينظرون بها إلينا أو يتصرفون بها معنا، أو حتى الطريقة التى يعيشون بها حياتهم.. والتركيز على هذه العيوب يدفعنا بعيدًا عن هدفنا المتمثل فى أن نكون طيبين ولطيفين».

وينصح القارئ: «عندما تجد أن أفكارك سلبية، ذكّر نفسك بلطف أن الحياة على ما يرام، وهذا لا يعنى أنه يجب ألا تبذل قصارى جهدك، بل عليك أن تدرك ببساطة أنه عندما تفكر بوجود طريقة أفضل للقيام بشىء ما، فقد تنسى الاستمتاع وتقدير الطريقة التى تسير بها الأشياء بالفعل».

وتابع: «فى الواقع، أن تكون مسترخيًا ولطيفًا لا يعنى أنه لا يمكنك التفوق، فأحد الأسباب الرئيسية لاستمرارنا فى عيش حياة مزدحمة وتنافسية هو أننا نعيش كما لو كانت الحياة حالة طوارئ عملاقة.. نخشى أنه إذا أصبحنا مسالمين ومحبين فإننا سنفقد طموحنا ونصبح غير مبالين وكسولين».. يثبت «كارلسون» أن العكس هو الصحيح، فإنه عندما نصبح خائفين نستنزف طاقتنا.. إن عيش حياة مزدحمة ومليئة بالخوف والقلق يمنعنا حرفيًا من الوصول إلى إمكاناتنا الكاملة.

وقال: «عندما تتخلى عن الخوف والرغبة فى الوصول للكمال، سيصبح من السهل عليك التركيز أكثر على تحقيق أهدافك».

وأضاف: «يمكنك البدء فى عيش حياة أكثر سلامًا ولطفًا حينما تكون على دراية بمدى سرعة خروج تفكيرك السلبى عن السيطرة.. غالبًا ما نجد أنفسنا محاصرين فى فكرة سلبية ثم ننغمس فى التفكير فى تفاصيل كل ما يزعجنا، وسرعان ما نشعر بالسوء ونصبح أكثر غضبًا من ذى قبل».

وأوضح: «على سبيل المثال، لنفترض أنك استيقظت فى منتصف الليل وتذكرت مكالمة هاتفية تحتاج إلى إجرائها فى اليوم التالى، ثم بدلًا من مجرد العودة إلى النوم، تبدأ فى التفكير فى كل الأشياء الأخرى التى تحتاج إلى إنجازها فى ذلك اليوم.. وربما تبدأ فى الانخراط فى محادثة محتملة مع رئيسك فى العمل؛ ما يجعلك أكثر حزنًا».

وتابع: «الأسوأ من ذلك، أنك تبدأ فى الشعور بالأسف على نفسك عندما تفكر فى مدى انشغالك وكم العمل الذى يتعين عليك القيام به، كما يمكن أن تستمر هذه الهجمات الفكرية لساعات طويلة فى العقل، طوال الليل»، وقال: «تأكد أنه من المستحيل أن تشعر بالسلام عندما يمتلئ رأسك بكل هذه المخاوف والضغوط».

ووجّه بعض النصائح: «دوِّن ما يحدث فى رأسك قبل أن تتاح لأفكارك فرصة الالتفاف عليك.. إذا وجدت أنك تستيقظ فى منتصف الليل وأنت تفكر فى تلك المكالمة الهاتفية المهمة التى يجب عليك إجراؤها، قل لنفسك ببساطة، ثم توقف عن التفكير قبل أن تتاح للأفكار فرصة مواصلة الضجيج بداخلك».

وأضاف: «كن ممتنًا لتذكر المكالمة الهاتفية المهمة.. اكتبها على قطعة من الورق وعد إلى النوم، إذا وجدت أن هذا يحدث كثيرًا، احتفظ بقلم وورقة بجوار السرير لمثل هذه اللحظات».

وتابع: «لسوء الحظ، يعيش الكثير منا حياة مزدحمة، تدور أفكار باستمرار فى رءوسنا، وتملأنا بتذكيرات بما يتعين علينا القيام به ومتى نحتاج إلى إنجازها.. نبقى مستيقظين طوال الوقت، ونتجنب المرح حتى نتمكن من إنجاز كل شىء، والأسوأ من ذلك أننا نؤجل الحديث مع أولئك الذين يحبوننا أكثر، ونخلق دورة من التفكير أنه بمجرد الانتهاء من كل شىء فى قائمة المهام الخاصة بنا فإننا سنكون هادئين ومرتاحين، وسيكون لدينا وقت نقضيه مع أحبائنا، ولكن اعلم أن هذا غير صحيح وفى الحقيقة لن يحدث أبدًا».

وأكد: «ليس هناك ما هو أهم من سعادتك وسلام مَن تحب، لذا حان الوقت للتوقف عن الهوس بإنجاز كل شىء والبدء فى تذكير أنفسنا بأن كل شىء يمكن أن ينتظرنا، ففى الواقع، الغرض من الحياة ليس مجرد إنجاز كل شىء، بل من أجل الاستمتاع بكل خطوة على طول الطريق والعيش حياة مليئة بالحب والسلام.. تذكر، عندما تموت، لا يزال هناك عمل غير مكتمل للعناية به، ولكن اعلم أن هناك شخصًا آخر سيفعل ذلك من أجلك! فلا تضيعوا أى لحظات ثمينة فى حياتكم تأسفون على ما لا مفر منه».