رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عام الفلاح المصرى

أكثر ما أثر فى الحاضرين فى المؤتمر الأول للتحالف الوطنى.. كانت الوجوه السمراء لفلاحى مصر، رجالًا ونساء.. تلك الوجوه التى تفيض بالسماحة والنباهة والنبل.. تلك الفلاحة الواعية التى شرحت كيف استطاعت زيادة إنتاجية حقلها الصغير وبيع محصوله بسعر أفضل.. وذلك الفلاح التلقائى الذى أوصى الرئيس بالفلاح المصرى.. إن هؤلاء لم يتصدروا الشاشات لتشاهدهم مصر كلها صدفة.. لقد تم هذا بإرادة سياسية وجهت للعمل معهم وتنميتهم وإتاحة الفرصة لهم ليحتلوا مكانتهم على الشاشة كملاك أصليين لهذا البلد.. إن الفلاح المصرى هو أصل مصر كلها.. وكلنا أبناء فلاحين.. من طه حسين ابن المنيا لأم كلثوم ابنة طماى الزهايرة.. لجمال عبدالناصر ابن بنى مر لأنور السادات ابن ميت أبوالكوم.. إلخ.. إن الفلاح يمثل ٦٠٪ من سكان مصر ومع ذلك يغيب عن الشاشات لحساب صناع التفاهة وعبيد الترند والمذيعات اللائى يعلمن النساء كيف يكن جوارى فى سوق النخاسة.. لقد أوصى الرئيس السيسى فى اجتماعه بالمسئولين، أمس، بالاهتمام بأحوال صغار المزارعين وتقديم كل الدعم اللازم لهم.. ضمن سياسة يتبناها منذ توليه الحكم بإعادة مصر إلى أهلها الأصليين وإنهاء حالة الاحتكار والسرقة التى فرضتها نخبة فاسدة لمصر كلها.. حيث سطا أهل العاصمة من إعلاميين ورجال أعمال ورياضيين وفنانين.. إلخ على مصر كلها، أو ظنوا أنهم مصر.. وأنه لا قضايا إلا قضاياهم.. ولا موضوعات للدراما غير تلك التى تدور فى بيوتهم أو الأخرى التى تصور الشارع القاهرى تصويرًا مبتذلًا يتحدث فيه الأبطال بحكم سائقى التكاتك ويرتكبون الجرائم بنفس السهولة التى يحتسون بها الشاى!.. وكأن مصر ليس فيها عمال شرفاء وفلاحون منتجون وموظفون يقبضون على أخلاقهم فى زمن يصبح القابض فيه على قيمه مثل القابض على الجمر.. إن الفلاحين هم أغلبية سكان مصر.. وقد انتبهت الدولة لهذا فسارعت تمد لهم يدها مؤمنة بحقهم فى «حياة كريمة».. ودخلت الدولة قرى ظلت على حالها منذ عهد الفراعنة.. حيث الفلاح هو وريث المصرى القديم.. يرتدى ثيابه ويروى أرضه بنفس الطرق منذ آلاف السنين.. ويصارع الحياة برضا ومحبة ووداعة تمامًا كما كان جده الفلاح يفعل منذ آلاف السنين.. وما أدعو إليه فى هذا المقال أن نعتبر أن ٢٠٢٣ هو عام الفلاح المصرى.. فكما اعتبرت الدولة أن عام ٢٠١٦ هو عام الشباب المصرى.. وأطلقت فى الأعوام التى تليه عام المرأة المصرية.. فإننى أدعو لأن يكون عام ٢٠٢٣ هو عام الفلاح المصرى.. حيث يمثل الفلاح الشخصية المنتجة التى تهب حياتها للعمل.. بل إنه يعتبر عمله هو حياته وأرضه جزءًا من معيشته وبهائمه التى يربيها جزءًا من أسرته لدرجة أنه يدخلها إلى غرفة نومه فى ليالى البرد الشديدة خوفًا عليها وعلى استثماره فيها.. وهو سلوك لا بد أن نحترمه وأن نسعى لتطويره مع سعينا لتطوير حياة الفلاح نفسه.. ولا شك أن إنتاجية الفلاح المصرى تأثرت مع شيوع ثقافة الاستهلاك ودخول مظاهر المدنية للريف دون تخطيط أو توعية.. وكأنه كان مقصودًا أن يتأثر الفلاح بسلبيات المدنية الحديثة دون إيجابياتها.. فلم نر تحديثًا لطرق الرى والزراعة فى الريف.. ولكن رأينا تليفزيونات وأطباقًا لاقطة ومقاهى تسهر حتى الفجر ومخابز تقدم الخبز المدعم ومحالًا تبيع الدجاج المجمد.. ورأينا فسادًا من المحليات وعدم تخطيط للقرى أدى لبناء الفلاح على الأرض الزراعية التى لا تقدر بثمن وكأنه يذبح الدجاجة التى تبيض له كل يوم كى يأكل لحمها لمرة واحدة.. وتواكب هذا مع سلبيات لا دخل للفلاح بها مثل تفتيت الملكية الزراعية نتيجة لسعى ثورة يوليو لتقسيم الأرض بين الفلاحين.. فمن كان يملك خمسة فدادين وتوفى ورث كل ابن من أبنائه فدانًا.. ومن كان يملك فدانًا وتوفى ورث كل ابن من أبنائه ربع فدان وهكذا.. وهذا ولا شك أمر مضر بالزراعة نفسها.. وأظن أننا فى طريقنا للوفاء بحق الفلاح المصرى يجب أن نعيد قراءة تاريخنا دون تحيزات سياسية أو أيديولوجية.. فمصر دولة زراعية بالأساس.. وقد قامت النهضة الحديثة فى عصر محمد على على استصلاح مئات الآلاف من الأفدنة وإدخال عشرات الأصناف الحديثة إلى مصر منها القطن واليوسفى والمانجو.. فضلًا عن بناء عشرات الترع والقناطر.. وقد كان هذا الاستصلاح يتم على يد مصريين نوابغ كانت الدولة ترسلهم للدراسة فى الخارج وتمنحهم نصف الأراضى التى يستصلحونها على سبيل المكافأة.. وقد كان هذا أساس نشأة طبقة ملاك الأراضى فى مصر وقد كان من هؤلاء مثلًا عبدالله باشا وهبى والد الفنان يوسف وهبى الذى استصلح آلاف الأفدنة فى الفيوم وغيره الكثيرون جدًا.. ولا شك أن ثورة يوليو فى سعيها لهدم العهد القديم بمساوئه قد مارست دعاية مضادة ضد العهد كله وضد مستصلحى الأراضى الذين ربما شاب الفساد الأخلاقى والسياسى بعض ورثتهم.. لكن هذا ليس مبررًا للإساءة لمن أنتج واستصلح وأضاف، ولا للزراعة نفسها كمصدر أساسى للدخل القومى فى مصر قبل الزيادة السكانية الضخمة التى التهمت معظم محصولاتنا وحرمتنا من التصدير.. إننى أدعو المسئولين عن مشروعاتنا الزراعية الكبرى مثل مستقبل مصر والمليون ونصف فدان إلى توطين الفلاحين المصريين والجيل الثانى منهم فى هذه المشروعات وتعليمهم أساليب الزراعة الحديثة التى لا تثمر إلا فى مساحات الأراضى الواسعة.. وقد كانت للدولة تجربة مشابهة فى مديرية التحرير التى تم توزيع أرضها على فلاحين من المنوفية والبحيرة والمحافظات المجاورة.. إننى أحيى انحياز الرئيس السيسى للمصريين الحقيقيين أينما كانوا.. وسعيه لتمكين الفئات التى تم تهميشها لحساب أوليكارجية عجوز وفاسدة وأنانية.. لا ترى فى مصر سوى شلة المعارف وأعضاء نادى الأثرياء.. وأرجو أن نتوج هذا التوجه بإعلان هذا العام عامًا للفلاح المصرى.. كرد اعتبار تاريخى لا أكثر ولا أقل.. وعلى الله قصد السبيل.