رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«مع العقاد ونجيب محفوظ».. تفاصيل لقاءات إبراهيم أصلان بالأدباء والمفكرين

إبراهيم أصلان
إبراهيم أصلان

تحدث الكاتب الكبير إبراهيم أصلان، الذي تحل اليوم ذكرى وفاته، حيث توفى في مثل هذا اليوم من عام 2012، عن الكثير من لقاءات الأدباء والمفكرين.

العقاد

يقول أصلان عن مقابلته العقاد: "لم أكن رأيت العقاد بطبيعة الحال، ولم أكن عرفت حتى ذلك الحين أي مخلوق آخر رآه، حتى كان يوم من أيام 1963، حيث كنت في زيارة الصديق والكاتب ضياء الشرقاوي بشركة الأسمدة التي كان يعمل بها في عمارة (الإيموبيليا)، وما إن غادرته وتقدمت في شارع شريف، حتى فوجئت بالعقاد يأتي على الرصيف عينه، وأمامه، فتسمرت في مكانى، ثم بدأت أستوعب الأمر".

ويصفه «أصلان» قائلًا: استوعبته كله دفعة واحدة: القامة المديدة، والبدلة الفاتحة المقلمة، والنظارة، والكوفية الرفيعة الطويلة، والطربوش القصير المائل.

ويضيف في كتابه "خلوة الغلبان" قائلا: "ومثل كل أسطورة جليلة يمكن لها أن تدب على قدمين، احتل هو الإطار المهيأ له في روحي احتلالا كاملا، دون زيادة، ولا نقصان، وعندما اقترب وواجهني، رفعت وجهي ورأيت العينين الصافيتين، ولما عبرني استدرت، ومشيت وراءه".

وتابع أصلان: تملكني الإحساس، وأنا أتبعه، أن العقاد لو كان أطول من ذلك، أو أقصر، بإصبع واحدة، لما أمكن له أن يكون العقاد أبدا.

ومضى «أصلان» يسير خلف العقاد، دون أن يلحظه، ولم يمر وقت طويل حتى توقف العقاد أمام واحدة من المكتبات الصغيرة التي تباعدت مداخلها على رصيف الشارع، لم تكن هناك كتب معروضة، بل أدوات كتابية على أرفف من الزجاج النظيف المعلق.

ويشير «أصلان» إلى أنه رآه وهو ينحني على مبعدة من عتبة المكتبة، بسبب طوله، وأخذ العقاد يتأمل قلما في علبة مفتوحة على واحد من هذه الأرفف، فعل ذلك لفترة ثم مد يده إلى جيب سترته الداخلي وأخرج قلمه، وانحنى أكثر وهو يمسكه بين يديه، تأمله هو الآخر، وعاد يتأمل القلم المعروض، واستغرق طويلا في المقارنة بين القلمين، فاقترب أصلان وجلًا وقد ظن أنه وجد قرينا لقلمه؛ حتى استقر «أصلان» على بعد خطوتين عن يمينه، ورأى القلم المعروض، ثم رأى القلم الذي بين أصابعه، لكنه لم يجد شبها بينهما، لا في الحجم ولا في اللون.

ووقف «أصلان» ساكنا يحدق في الأدوات المعروضة شأن أي زبون آخر، فشعر به العقاد وألقى نظرة أخيرة بين القلمين، وأعاد قلمه إلى جيبه وهو يعتدل، ويبتعد متمهلا على الرصيف العريض، ويستدير هناك مع ناصية المبنى الكبير، ويختفي، ليعلم أصلان بعدها بشهور بخبر وفاة العقاد.

لقاء نجيب محفوظ

وعن نجيب محفوظ يقول: «لقد اقتربنا منه وعرفناه، وكان فى عنفوانه الأدبي وكنا شبابا نتحسس مواقع أقدامنا»، ولأن أصلا عاش زاهدا معتدا بنفسه وبإبداعه، فيشير في كتابه «شيء من هذا القبيل» إلى أنه حرص طوال سنواته على ألا يسرد أية واقعة شخصية جرت فى علاقته به، معللًا ذلك بأنه «لم يكن لائقًا أن نضيف على أنفسنا قيمة بسرد حكاية أو أخرى».

إلا أن هناك واقعة لا يجد «أصلان» مفرًا من سردها، لأنها لا تحمل تزكية كبيرة للنفس، ولأنها واقعة مؤثرة تمامًا بالنسبة له، «وإذا كنت قد كتبت رواية فلقد كان ذلك بسببه»- على حد قول إبراهيم أصلان.

ولما كانت طبيعة عمل «أصلان» تتطلب منه أن يعمل ورديات مسائية وليلية بهيئة المواصلات، فلقد كان ينقطع عن حضور اللقاءات بين الحين والآخر، فسأل محفوظ عنه وعلم بطبيعة عمله، وكان محفوظ فى طريقه للإسكندرية، فطلب من إبراهيم منصور أن يخبر أصلان أن يتصل به إذا ما سافر إلى هناك، وسافر أصلان بعد يومين واتصل به، وتقابلا فى مقهى بترو وكان يجلس برفقة توفيق الحكيم ورجل فى حلة بيضاء وعصا عاجية معقوفة، كان حكمدارا للعاصمة منذ أيام الملك، وآخرين، فقدمه محفوظ إلى الحكيم قائلًا: «يا توفيق بك، إنت عارف إن هناك جيل جديد من الكتاب، وهذا الجيل فيه كتاب منهم فى المقدمة، وآخرين فى مقدمة هذه المقدمة، والأخ إبراهيم من هؤلاء».

فصافحه توفيق الحكيم قائلًا: لا ما دام نجيب بك قال إنك كويس، تبقى فعلًا كويس.

ولما كان الكتاب لا يتقدمون بطلبات للحصول على منح التفرغ، ولكن كان من الضروري أن يقوم كاتب كبير بكتابة تزكية لهم ليحصلوا على التفرغ، فقام نجيب محفوظ بكتابة تزكية التفرغ لـ إبراهيم أصلان، والذي ظل محتفظًا بصورة منها طيلة حياته.

وبعدما حصل «أصلان» على التفرغ، بدأت الصحف فى نشر خبر حصوله على التفرغ لكتابة رواية، ليقوم «أصلان» بدوره بتكذيب الخبر، باعتباره لا يكتب الروايات ولكن قصصًا قصيرة، ولكن فوجئ «أصلان» بأن التفرغ لا يمنح لكتابة القصص ولكن للروايات، والمسرحيات، والأبحاث، فلم يجد «أصلان» بدًا من دخول عالم الرواية، فكانت روايته «مالك الحزين».

ويشير «أصلان» إلى أن بداية إعجاب نجيب محفوظ بكتاباته كانت مع قصة اسمها «الطواف»، وكان قد نشرها عبدالفتاح الجمل في الملحق الأدبي والفني لجريدة الأخبار، ومن ثم أصبح ما يكتبه «أصلان» موضع تعليق محفوظ في لقاءات «ريش» مساء كل جمعة.