رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل تعرف قرية «أم دومة»؟؟

هل كنت تعرف قرية أم دومة قبل اليوم؟ الإجابة بكل تأكيد لا.. لا أنا ولا أنت ولا هو ولا أى أحد كان يعرف «أم دومة» باستثناء بعض المسئولين المحليين فى المحافظة التى تتبعها.. إن «أم دومة» التى زارها الرئيس بالأمس مصطحبًا معه الضوء ليست استثناء من بين خمسة آلاف قرية مصرية ظلت منسية قرونًا طويلة.. ظلت على حالها منذ عهد الفراعنة حتى الآن تقريبًا مع تشوهات أدخلتها المدنية الحديثة فى مظهر الحياة فيها.. لكن الجوهر بقى كما هو.. إهمال وتهميش ومركزية قاتلة للعاصمة وللمدن الكبرى.. وكانت المفارقة أننا لا نسمع عن قرية إلا إذا حدثت فيها جريمة أو أنجبت عصابة تثير الذعر فى حجم عصابة «الخط» أو «إمبراطور النخيلة» أو بعض جماعات الإرهاب فى الثمانينيات والتسعينيات.. باستثناء هذا نحن لا نسمع شيئًا عن الصعيد والريف البعيد عن القاهرة.. آلاف القرى البعيدة الساكنة فى حضن النيل والجبل والفقر والإهمال لا نعرف عنها شيئًا لسنوات طويلة.. الواقع يقول إن هذا تغير.. وإن وراء التغيير كانت هناك إرادة بحق كل مصرى فى التنمية وبحق كل قرية فى أن تنال نصيبها من العمران والتعليم والحياة الكريمة.. كانت هذه نظرة عامة لعموم مصر وللصعيد خاصة والذى تركزت فيه معدلات عالية للفقر والأمية وغياب التنمية فأصبح بيئة طاردة.. لا يملك الناس فيه سوى أن يحملوا «خلقاتهم» أو ثيابهم ويهاجروا إلى القاهرة أو الإسكندرية ليصارعوا الحياة فتنتصر عليهم أو ينتصرون عليها.. كان كل شىء جاهزًا وكل الحلول معروفة لكنها محبوسة فى أوراق المسئولين ومناهج التربية الوطنية فى المدارس.. كنا ندرس أنه لا بد من تنمية الصعيد.. لا بد من عدالة التنمية.. لا بد من التنمية للقضاء على الفقر والإرهاب.. إن ما حدث أن التنمية غابت وحضر الفقر والإرهاب سنوات طويلة عاصرناها جميعًا.. وإن حضورهما أرهق هذا الوطن للغاية وما زال يرهقه حتى الآن.. ولولا عزم الرئيس السيسى ونجاحه فى تدبير التمويل اللازم لما تغير شىء حتى الآن.. لكن الواقع.. والصورة على الأرض تقول إن الكثير والكثير تغير.. وإن تغييرًا أكبر فى الطريق وإن سبب التغيير سبب عقلانى وعاطفى أيضًا واقعى ورومانسى أيضًا.. فالرئيس كرجل دولة ورجل أمن أيضًا يؤمن أن التنمية أفضل طريق للقضاء على الإرهاب والفقر، وأن حصول المواطن على حقه يجعل علاقته بالدولة أكثر متانة لأنها ستصبح قائمة على العدل وعلى الأخذ والعطاء لا على العطاء فقط.. وهذا هو السبب الواقعى العقلانى.. أما السبب العاطفى فهو أن الرئيس كما يتواتر كثيرًا فى خطابه يحب ناس هذا الوطن البسطاء ويعتبر أن سعادتهم و«سترهم» مسئوليته كرئيس لهذا البلد العظيم الذى يؤمن الرئيس بإمكاناته ويسخر قواته المسلحة العظيمة كمارد طيب لخدمة شعبه وتنمية أرضه.. ويستغل الفوائض الناتجة عن النشاط الاقتصادى لشركاته فى تمويل عمليات البناء الضخمة التى تعجز موازنة الحكومة ومواردها المحدودة عن الوفاء بها كلها.. والحقيقة أن مجرد ذهاب الرئيس للصعيد هو خطوة كبيرة ووفاء لدين تأخر سداده من العاصمة للصعيد ولكل قرى مصر وأنحائها المختلفة.. فالرئيس يذهب ومعه سياسيون وإعلاميون ووزراء وأعضاء مجلس نواب.. وقنوات تليفزيونية.. وكأنه يجبر الجميع أن يعطوا الصعيد حقه من الضوء والانتباه والالتفات ويحقق فكرة العدالة الإعلامية والثقافية والتنموية بين كل أنحاء مصر.. فليس معنى أن النخبة تعيش فى العاصمة أن تتخيل أن مصر هى العاصمة أو أن الشعب هو النخبة التى تستضيف نفسها وتكرم نفسها وتدعو نفسها لحفلات تقيمها بنفسها.. إن النخبة هى وكيل رمزى عن الشعب باعتبار أبنائها الأكثر مهارة.. لكنها بكل تأكيد ليست هى الشعب.. ومن حسن حظ مصر أن لدينا رئيسًا يؤمن بهذا ويعلمه للناس ويضرب المثل بنفسه.. فقد كان من اللافت للغاية أن يوجه الرئيس الدعوة للمطرب «وائل الفشنى» كى يستعد بمجموعة من أغانى الفلكلور المصرى لحفل افتتاح مدينة الفنون فى العاصمة الإدارية الجديدة، وكأن الرئيس يقول لنا هذا هو طريقنا وهذه هى هويتنا.. إننى أدعو القنوات الخاصة والرسمية لأن تمضى فى الطريق إلى نهايته.. فتقرر إقامة أسبوع الصعيد الإعلامى.. لنرى بضع ساعات قليلة على كام قناة عن فنون الصعيد أو مبدعيه أو العادات فيه لنكسر مركزية العاصمة ونشعر الناس هناك بالعدل وبالحب وبالتعاطف والمواجدة.. فعندما يشعر الناس بالانتماء والعدل يتحملون صعاب الحياة راضين وصابرين لأن لديهم أملًا ولديهم فرصة ولديهم خاطرًا مجبورًا ولديهم من اهتم بهم وفكر فيهم.. وهى كلها معان انتبه لها الرئيس ومن يعملون معه وبقى أن ينتبه لها باقى المسئولين وأبناء النخبة المصرية.