رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فلسفة حوارات وحيد حامد.. ما سر صنعة «الفلاح الفصيح»؟

الكاتب الراحل وحيد
الكاتب الراحل وحيد حامد

لم يكن لقب "الفلاح الفصيح" الذي أُطلق على الكاتب الراحل وحيد حامد مجانيًا في مصر القديمة، كان الفلاح الفصيح يقضي حياته مناديًا بالحرية والعدالة بفصاحة ميّزته عمن سواه، وعلى مدار حياته لم يغب عن ذهن وحيد حامد سؤال العدالة الاجتماعيّة، تمامًا مثل سلفه القديم، والذي عبّر عنه عبر سيناريوهات أعماله الفنيّة بعمق وسلاسة في الوقت ذاته.

لا يغيب المُبدع طالما ظلت أعماله باقية، وعبارات وحيد حامد لا تُغادر أي متابع للفن فهو صاحب البساطة المُبهرة والفلسفة العميقة في سيناريوهات أعماله. 

قد تظل عبارة مثل "لما الناس بتموت الدنيا بتمشى، لما بتبعد الدنيا بتقف، غريب أن الموت أرحم من البعد، يمكن لأن الموت حاسم والبعد فيه احتمالات" (الغول- 1983)، أو " "إحنا في زمن المسخ" (عمارة يعقوبيان- 2006)، تتردد كثيرًا في الصدى بعد أن تنتهي متعة المشاهدة ويعلن العمل عن مشهده الأخير.

 

آمن حامد بأهمية الحوار وقيمته التي تمنح للعمل حضورًا دائمًا، وعبّر عن ذلك في واحد من الحوارات التي أُجريت معه بقوله: "إن ما يميز النص السينمائي جملة الحوار، والتي من الضروري أن تملك رشاقتها وصدقها"، فقد شكّل "الحوار" ركناً أساسياً من أركان نجاح تجربة وحيد حامد التي ضمت أكثر من 40 فيلماً، مؤسِساً بذلك مدرسة سينمائية خاصة يُشار إليها بالبنان. 

أبو المعارك .. وحيد حامد الذي اعترض على جمال مبارك .. واتهمه جمال الغيطاني  بسرقة النوم في العسل

استمدت مدرسة وحيد حامد الفنيّة قوامها من عنايته بالجملة الحوارية ومدلولاتها، في تلك المدرسة الفريدة، ثمة مجموعة من العوامل الأساسية تصبغ "الجملة الحوارية الرشيقة والصادقة"؛ لعل أهمها (ثقافة الكاتب العامة، وصدقه، ومعايشة حقيقية للمجتمع).

أشار حامد في حوار معه في العام 2020 إلى ذلك بقوله: "الجملة الحوارية الرشيقة تكتسبها من ثقافتك العامة وقراءتك للآداب وتذوق الشعر والمسرح، إضافة إلى مصداقية معايشتك للمجتمع.. أن تأخذ منه وتعطيه".

ولقربها الشديد من المجتمع وسلاستها وصدق معانيها في السياقات التي دارت بها، فإن عديداً من تلك الجمل الحوارية التي جاءت على لسان أبطال أعمال وحيد حامد، لا تزال تفرض حضورها بين الجيلين القديم والجديد، مُشكلة جزء مُهم من الذاكرة السينمائية للمصريين.

ووظّف وحيد حامد، براعته الحوارية للتعبير عن ثنائيات (القهر والحرية)، (الفقر والغنى)، (النفوذ وسطوة الفساد)، علاوة على قضايا الإرهاب والمجتمع، راسماً لوحة حقيقية للمجتمع المصري، تشخص الحالة وتستشرف المستقبل وتضيء على العلاج، وبالتالي استطاعت بسهولة الوصول للناس، فقد كان وحيد حامد شديد الإدراك لقيمة الكلمة ودلالاتها وتأثيرها في النص السينمائي، ولهذا ظلّت تعبيراته خالدة تتداول بين الناس.

وحيد حامد.. عراف السياسة | صوت الأمة

تلك الواقعية التي تشكل بُعداً رئيسياً غلَّفَ أعماله السينمائية والدرامية، والتي يقول عنها في أحد حواراته متحدثاً عن فلسفته السينمائية الخاصة: "أفكار أعمالي جميعها تعبر عن الناس.. والأحداث الواقعية هي البطل الحقيقي".

ويضيف في الحوار نفسه: "كنت أجتهد في أعمالي بكل ما في وسعي.. وكنت مخلصاً أثناء كتابة كل أفلامي.. الناس أحبت أعمالي؛ لأنها وجدت فيها نفسها".

تميزت حوارات وحيد حامد بدلالاتها المزدوجة أحياناً، وهو ما يمكن -على سبيل المثال لا الحصر- قراءته في فيلم النوم في العسل (1996) بين القضية الجنسية التي يثيرها والأبعاد المجتمعية ذات الصلة من ناحية، والأبعاد السياسية من ناحية أخرى.

كورونا يلغي عزاء الراحل وحيد حامد | النهار العربي

يستطيع وحيد حامد ببراعة وبكلمات بسيطة -وعبر تركيز جل اهتمامه على الشخصيات والمشاعر الإنسانية لكل شخصية- توجيه رسائل ومدلولات عميقة ذات أبعاد أوسع لا يُمكن تأطيرها في سياق واحد في كثير من الأحيان، وهو ما يجعله يقتحم كثيراً من الملفات الشائكة بانضباط وجرأة.

ورحل وحيد حامد في الثاني من يناير من العام 2021، لكنّه ترك وراءه مدرسة مُحكمة التفاصيل في كتابة السيناريو، عمادها الجملة الحوارية الرشيقة النابعة من قرب شديد من المجتمع ومعايشة تفاصيله.