رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تزييف الثقافة

لى أمنيات عديدة فى العام الجديد، من أمنياتى أن نتمكن من إزالة طبقة الثقافة الزائفة الطافية مثل زيت ثقيل على السطح تخفى ما فى الأعماق من أعمال جادة. وبنظرة سريعة سنجد أن قسمًا من الأدب أصبح «بيزنس»، بحيث يمكن لكل عديم الموهبة أن يدّعى أنه كاتب.

فى هذا السياق ظهرت فئة من محترفى الكتابة للغير ينشر أفرادها مثل هذا الإعلان الذى صادفنى بنصه على «فيسبوك»: «كاتب ومحرر صحفى لو حد محتاج مقالات أو قصص أو روايات يكلمنى.. السعر حسب الاتفاق»، مما أفضى إلى ظهور الكثير من الأعمال المزيفة التى تشتمل على استنساخ المؤلفين الكبار عالميًا مع تعريب أسماء الشخصيات. فى الوقت نفسه تتفشى فى الوسط ظاهرة ما يسمى بالأكاديميات والمراكز العلمية التى تمنح كل من هب ودب شهادات الدكتوراه الفخرية بمقابل مادى من دون أى أساس علمى لا للأكاديميات ولا للحاصلين على شهاداتها، ويوضح ذلك الإعلان التالى باسم أكاديمية: «ح تعرف معانا حاجات كتير.. إزاى تلاقى الجزء المبدع اللى جواك.. مع المحاضر الذى قام بتدريب دورة مهارات التفكير الإبداعى أكثر من تسعين مرة لشركات عالمية»، وبالطبع فلا بد من دفع اشتراك مالى ضخم لكى تعرف ذلك الجزء المبدع الذى يتحدث عنه المحاضر، من دون أن يرد ذكر لاسم شركة واحدة من الشركات العالمية التى نظم المحاضر فيها دوراته، وقد تفشت تلك الظاهرة حتى إن وزير التعليم العالى د. أيمن عاشور أعلن منذ أيام عن إغلاق ٣٥٨ كيانًا تعليميًا وهميًا فى مختلف محافظات مصر، كما أوضح المتحدث باسم الوزارة أنه صدر قرار بتشكيل لجنة متخصصة لرصد الأنشطة التسويقية للكيانات التعليمية الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعى. وتشتد عملية تزييف الأدب، والتعليم مع انتشار المكاتب العلنية لإعداد رسائل الماجستير والدكتوراه التى تُباع لمن يدفع بغض النظر عن أى مستوى علمى، فيصبح أصحاب تلك الشهادات خلال دقائق أساتذة عظامًا يطفون على السطح. ويضع ذلك كله عملية الثقافة والتعليم فى مهب الخطر بعد أن صارت الشهادات العلمية تُمنح فى دقائق بمقابل مادى، كما تعد الكتب والمقالات والقصص والروايات لشخصيات أخرى فى أيام معدودة، بل ويتدخل حتى التطور العلمى الفائق فى تزييف الثقافة، ومن ذلك أن هناك برنامجًا للذكاء الاصطناعى فائق الذكاء يسمى chatGPT، سألوه إن كان قادرًا على كتابة شعر عربى، فأجابهم بالقصيدة التالية: «عندما يحل الليل ويغيب النهار، وتغيب الأحلام فى الليل الطويل، أحس بضياع الهدف والغموض فى عالم ملىء بالظلم والخداع»! 

من قبل كان تزييف الثقافة يتم بدخول المحترفين إليها، محترفين بلا رؤية، أو حس، يكتبون ما يشبه الأعمال الأدبية من الخارج، أما الآن فقد تفشى تزييف الثقافة عبر الأكاديميات الوهمية، والمراكز العلمية مجهولة النشأة والتوجه، وعبر فئة تعرض خدماتها الفنية عليك وتكتب لك رواية وقصة ومقالًا ومسرحية.. ثم تدخّل التطور العلمى ليضاعف من كل ذلك ببرامج الذكاء التى تكتب لك ما تشاء من كلام يشبه الشعر ويشبه الفن، ولا علاقة له لا بهذا ولا بذاك.