رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاهتمام بالبشر

على عكس الدعايات التى تم ترويجها أرى أن الدولة المصرية لا تهتم بشىء قدر اهتمامها بالبشر.. تأكد هذا المعنى فى ذهنى وأنا أقرأ توجيهات الرئيس حول صياغة مشروع قانون الأسرة الجديد الذى يعرفه المصريون باسم قانون الأحوال الشخصية.. اهتمام الرئيس بأحوال الأسرة المصرية يعود لليوم الأول الذى تولى فيه.. جزء من هذا الاهتمام سببه طبيعة الرئيس كقائد عسكرى.. الـ«قائد» صفة مختلفة عن «الإدارة» وعن «الرئاسة».. فى العسكرية يهتم القائد بأحوال رجاله وبحالتهم المعنوية وبسعادتهم الشخصية لأنه يثق أن هذا كله ينعكس على أدائهم فى القتال.. الرئيس كان يفكر هكذا فى المصريين.. يهتم بالاستقرار الأسرى.. يحذر من ارتفاع معدلات الطلاق.. يطالب رجال الدين بالاجتهاد فى فهم الشريعة لمزيد من الاستقرار والوفاء بالحقوق.. السبب الثانى لاهتمام الرئيس بأحوال الأسرة المصرية أنه يؤمن أنه لا إنتاج للفرد دون استقرار اجتماعى ونفسى وعاطفى ولا تنشئة سوية للأبناء فى ظل نزاعات الوالدين أو توتر الجو النفسى أو العنف بين الوالدين.. أما السبب الثالث فهو أن الرئيس ذو نزعة إصلاحية واضحة فى التعامل مع الأمور الاجتماعية.. تمامًا كما أنه ذو نزعة إصلاحية فى إدارة أمور الدولة وتدارك أوجه القصور فيها.. والمعنى أنه ليس رئيس تسيير أوضاع ولكنه مصلح.. راغب فى أن يرى وطنه فى المكانة التى يستحقها وبالتالى يسعى لتغيير ما يراه سلبيًا أو ما تجاوزه الزمن.. ومن بين ما تجاوزه الزمن قانون الأحوال الشخصية الذى كانت مشاريعه المختلفة هدفًا للمتطرفين ودعاة التخلف وخطباء التطرف.. الذين كانوا يلاحقون أى نص يميل لإنصاف المرأة بالتشويه والتشهير وادعاء مخالفته للشريعة.. رغم أن القرآن حمال أوجه كما قال على بن أبى طالب رضى الله عنه.. ولكن دعاة التطرف وعملاء الوهابية البائدة لم يكن يرضيهم أن تنال المرأة المصرية بعض حقوقها التى سلبت منها منذ السبعينيات تدريجيًا.. فرأينا داعية مريبًا مثل الشيخ المحلاوى يشهر بقانون الأحوال الشخصية عام ١٩٧٨ ويسميه «قانون جيهان» نسبة للسيدة جيهان السادات زوجة الرئيس الراحل.. ويشاركه فى الهجوم داهية آخر لا يقل إثارة للريبة هو عبدالحميد كشك.. ويجاريهما بعض المحسوبين على المؤسسة الدينية للأسف الشديد.. الآن وبفضل ثورة ٣٠ يونيو.. وبفضل الصوت القوى المطالب بإصلاح الخطاب الدينى وبفضل تفتح كبار العلماء، إلا قليلًا.. نرى المناخ مهيئًا لصدور قانون يحافظ على الأسرة المصرية وينظم عملية الطلاق ويضمن ألا تكون نتيجة انفعال لفظى طارئ.. وينظم مسألة تقاسم الزوجين للثروة التى تم جمعها بعد الزواج لضمان حق الكد والسعاية للمرأة التى تشارك زوجها كفاحه.. ونعرف أيضًا أن القانون سيؤمّن على كل أسرة مصرية بوثيقة تأمين يدفعها الزوج وتستحقها الأسرة فى حالة صدور حكم بالنفقة.. بدلًا من حالات التلاعب والكيد التى كان يقوم بها بعض الأزواج من الامتناع عن الإنفاق على أسرهم بعد الطلاق.. أو إخفاء الدخل الحقيقى للزوج الذى يتحدد على أساسه مبلغ النفقة الذى ينفقه على أسرته.. ولعل فى كثير من قصص التحايل هذه ما يندى له الجبين.. وبشكل عام فإن توجيه الرئيس حول صياغة القانون يشى بالرغبة فى الحفاظ على الأسرة ككيان اجتماعى واقتصادى لأقصى مدى.. فإذا تعذر ذلك فالقانون يحافظ على حقوق الزوجة والأبناء فى المسكن وفى النفقة حتى تستمر حياة الأبناء ولا تنقطع مسيرتهم بفعل شطط بعض الآباء أو جحودهم أو بخلهم.. وهو فى سبيل هذا يلجأ لاجتهادات دينية مصدرها علماء كبار سواء فى فهم الطلاق الشفهى أو فى فهم حد الكد والسعاية.. وهو فى كل الأحوال خطوة كبيرة للأمام.. ودليل على اهتمام الرئيس شخصيًا بالبشر قبل أى شىء آخر وإن ردد أعداؤه خلاف ذلك.