رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«كابيتانو مصر».. نموذج لإعلام التنمية

أسباب عاطفية وأخرى عملية كانت من دواعى سعادتى بمشاهدة الحلقة الأولى من برنامج «كابيتانو مصر» على شاشة قناة أون تى فى.. مساء الخميس الماضى.. أول هذه الأسباب أن البرنامج ينمى نزعة طال تجاهلها فى المجتمع حتى صار هذا التجاهل من سمات انحطاطه وهى نزعة البحث عن المواهب وتشجيعها ورعايتها.. وهى سمة تراجعت فى مصر فى العقود الأخيرة لتحل محلها علاقات الواسطة والمحسوبية سواء فى الوسط الرياضى أو غيره.. ولعل الدعابة غير المنضبطة التى أطلقها أحد أفراد الوسط الرياضى حول شروط انضمام الأطفال الصغار لفرق الناشئين تشى بالكثير والكثير عن انتشار المحسوبية فى هذا المجال الهام وهو ما أعتقد أنه لم يُرض الرئيس السيسى الذى يهتم بهذا البرنامج اهتمامًا خاصًا ويتابعه ويضع أملًا كبيرًا على المواهب التى يتم اختيارها من خلاله.. فكرة المسابقة المفتوحة على الهواء تعنى أن الدولة ممثلة فى الشركة المتحدة تمنح الفرصة للفقير مثل الغنى.. ولسكان الريف مثل ساكنى المدن ولمن ينتمى لأسرة من المتعلمين والنافذين مثل من ينتمى لأسرة من البسطاء أو رفيقى الحال.. وقد كان هذا هو أساس نهضة مصر التى منحت الفرصة لشاب بسيط الحال مثل على مبارك لأن يدرس الهندسة فى فرنسا مع غيره من المبعوثين ويعود ليشرف على بناء القاهرة الخديوية وعلى نهضة التعليم فى مصر.. تمامًا كما منحت الفرصة لمحاور أزهرى فقير وضرير أن يدرس فى السوربون على نفقة الجامعة المصرية فيصبح اسمه طه حسين وكفى! هذه مصر النهضة التى يسعى الرئيس لاستعادتها.. وليست مصر المغلقة على مئة عائلة تحتكر الثروة والسلطة والمناصب حتى وصلنا إلى ما نعرفه جميعًا.. 

وإلى جانب هذا البعد الاجتماعى الهام فى البرنامج.. ثمة بعد آخر إعلامى يرسخ انحيازى له وهو أنه برنامج لا يخلو من جاذبية كبيرة ومع ذلك ينتمى إلى إعلام التنمية الذى هو المعنى المعاكس لإعلام الإثارة.. الذى سيطر على مصر طوال العقدين الماضيين تقريبًا إلا بعض السنوات الأخيرة التى بدأ فيها طرح مفهوم مختلف للإعلام.. لسبب أو لآخر تراجع التليفزيون المصرى منذ بداية الألفية بما كان يمثله من قيم وضعها آباؤه المؤسسون منذ الستينيات وصعدت موجات الإثارة والتسخين والمعارك على الهواء والتنابز بالألقاب والآراء والتخوين والتكفير على الهواء مباشرة حتى رأينا مواطنين يتم إشعال النار فى منازلهم عقب حلقات ظهروا فيها أمام من يتهمهم بالكفر.. ورأينا ضيفين يضرب أحدهما الآخر على الهواء مباشرة على سبيل التسخين والإثارة وكأننا فى حلبة لمصارعة الديوك أو مصارعة الثيران.. وكأن هناك من يقنع أصحاب الأمر أن هذا هو الإعلام الوحيد الذى يجذب المشاهدين.. ليتم تعميم إعلام الإثارة.. السهل والرخيص والذى لا يحتاج لمجهود يذكر على إعلام التنمية الذى هو بمثابة صناعة إعلامية ثقيلة.. يستهدف تغيير الواقع.. وتعليم الناس.. وإفادتهم وإمتاعهم فى نفس الوقت.. ولعل ما ساهم فى انصراف الناس عن هذا النوع من الإعلام الراقى.. إلى جانب تضليل بعض الإعلاميين وتمسكهم بتقديم ما هو رخيص على ما هو غالٍ.. أقول إن ما ساهم فى تراجع إعلام التنمية هو تراجع أسهم الكلمة فى تلك السنوات التى كنا نلوك فيها مصطلح التنمية كثيرًا دون أن نرى له أثرًا كبيرًا على الأرض.. ولم يطرح المصطلح بشكل جاد إلا مع ظهور الشركة المتحدة التى واجهت حروبًا كثيرة من أصحاب المصالح أو من الذين لم يعرفوا فى حياتهم سوى إعلام الإثارة.. واعتقدوا أنه لا يمكن تقديم أنواع أخرى من الإعلام غير ما درجوا عليه.. واستفادوا منه وتربحوا من ورائه.. ولكى نتحدث عن معنى محدد فإن برامج اكتشاف المواهب وعلى رأسها «كابيتانو مصر» هى نموذج لإعلام التنمية الذى يفيد المجتمع كله باكتشاف مواهب تضيف لقواه الناعمة.. ويفيد الأفراد الموهوبين بتغيير حياتهم.. ويفيد الدولة بإشاعة مناخ من الأمل لدى الشباب بأن ثمة فرصة موجودة تنتظر من يجتهد ويفيد المشاهد الذى يستمتع بمتابعة تنافس بين فرق من الموهوبين فى لعبة يحبها ويهتم بها.. ويفيد الجميع بتقديم برنامج لا ينطوى على تكفير أو تخوين أو آراء ملونة أو دعايات لحساب هذا الطرف أو ذاك.. وهو فى النهاية دليل تغيير كبير فى الإعلام المصرى احتل المتن وترك لغيره الهامش.. بعد أن كان الوضع عكسيًا منذ خمس سنوات فقط.. ولعل ما ساهم فى زيادة يقينى بأهمية هذا البرنامج هو أننى كتبت منشورًا من سطور قليلة قبل إذاعة الحلقة الأولى ثم انصرفت للنوم.. لأكتشف أن المنشور تم استهدافه من كتائب إلكترونية غامضة كلها مسجلة فى جنوب شرق آسيا!! اتفق أصحابها الثلاثمئة جميعًا على التعليق على البوست برسم ضاحك.. فى ممارسة يعتادها مستخدمو السوشيال ميديا وأسميها أنا «جهاد الإيموجى» وكان الزميل الراحل محمد أبوالغيط يسميها «جهاد الها ها».. ولعل فى هذا سببًا إضافيًا لحماسى لبرنامج «كابيتانو مصر».. فالبرنامج الذى يوجع الإرهابيين لهذه الدرجة.. جدير بكل مساندة ودعم.. فلو لم يكن مفيدًا لمصر لأقصى درجة لما هاجموه إطلاقًا.. وهذا سبب إضافى لحب برنامج «كابيتانو مصر».