رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عن المغرب وإنجازه المونديالي الفارق

لم يكن الإنجاز المغربي في المونديال الذي مرت أيامه سريعا، كالأيام الحلوة، يتمثل في تصدر المغرب لمجموعته الأساسية ابتداء، ثم تخطيه لفرق كبرى أبرزها إسبانيا والبرتغال، ثم وصوله إلى المربع الذهبي، في ختام احتفالي للرحلة المرهقة، وهو ما وضعه، بأريحية، في تصنيف عالمي متقدم وبراق. كان الإنجاز المغربي أبعد من ذلك كله، مع أن ذلك كثير، كان توحيدا للصفوف العربية المتعددة التي آزرت وجوده للمنتهى، والرجاء أن تستمر متوحدة إلى الأبد، وفي كل الشؤون، وكان ثقة غاربة استعادها العرب والأفارقة بأنفسهم، وأملا مفقودا عاد إليهم، وأخيرا كان توقيرا صادقا من العالم كله لكرتنا التي صارت منافسا حقيقيا لكرة أوروبا وأمريكا اللاتينية، وهذا التوقير غالبا ما تنبني عليه إيجابيات، تخدم مصالحنا الرياضية في المستقبل! 
على هامش الحدث الضخم الجذاب، لفت نظري صراع إعلامي مفتعل حول هوية المغرب؛ فكثيرون، مثلا، نفوا عروبته ونسبوه إلى هويات أخرى، والحق أنه يحوي عدة هويات، بجانب هويته العربية الراسخة ثقافيا بالأرض، ويتشكل واحدا من الجميع.. وكثيرون آخرون جردوه من كل هوية إلا العربية، وهذا مؤسف طبعا؛ فالواقع أن المغرب حافظ على هوياته كلها وروافده أيضا، بداخل دائرة انسجام لا انفصام، فليس ثم معضلات يسببها التنوع، بل لم ينجح الاستعمار الفرنسي الطويل للبلاد (1912- 1956) في أن يفتت كتلة الوطن الصلبة، إلا أن بقاء أثر الاستعمار، للأمانة، قد يكون حير العواطف البشرية بين الرضوخ للتقاليد القومية الصارمة وبين الإذعان للنمط الغربي المنفتح المغري بالاتباع.
على كل حال، هو صراع مفتعل كما ذكرت، وندر أن يمر الآن موضوع بغير صراعات من هذا النوع.. والخلاصة، من الدستور المغربي نفسه، دستور 2011، أن "مكونات الهوية الوطنية للمغرب موحدة بانصهار مكوناتها العربية- الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، وغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية". (اه). 
حدد المغرب، بكرته العظيمة في كأس العالم القطرية التي نالتها الأرجنتين، مسارا لكل الفرق التي تريد أن تصنع صنع خلود، أعني الفرق الشبيهة بظروفه، مسارا يحتذى به في خلاصات فنون الإدارة والتدريب واللعب، وقدر ما شعر المصريون، بالذات، بالفرحة البالغة لما حققه المغاربة فإنهم شعروا بالحسرة على منتخبهم قليل المشاركة قليل الفاعلية لو شارك، سيما وقد كانت مصر أول دولة عربية وإفريقية تشارك في فعالية كأس العالم عام 1934 (الدورة الثانية من دورات الكأس بإيطاليا).. ولا بد الآن، في ضوء قفزة "أسود الأطلسي" الشاسعة، أن يعاد النظر في كل ما يتعلق بالكرة المصرية، من أول مبنى اتحادها ومسؤوليه إلى صغار العمال والمساعدين في المضمار!
الشكر للمغرب لأنه لأم ثوبنا الممزق وأمتعنا وجللنا بالفخر، وجعلنا نفكر في الكرة بعقل وعلم، وبعاطفة أكبر مما كان، كتفكيرنا في نسج قصيدة!