رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«قيمة اقتصادية».. كيف يمكن أن نحقق الأرباح من المتاحف؟

معرض الاثار
معرض الاثار

وباء كورونا تسبب فى تراجع إيرادات قطاع الآثار خلال الثلاث سنوات الماضية

الدولة تخطت أزمة الجائحة بإنشاء متاحف جديدة باعتبارها موردًا أساسيًا للاقتصاد المصرى

استحداث «الاتجاه التسويقى» استهدف مواجهة عجز ميزانياتها وسد أوجه القصور فى مصروفاتها

تعتبر المتاحف ركيزة اقتصادية مهمة، فهى تحقق نوعًا من الرواج الاقتصادى الذى تتأسس لبناته من خلال الزيارات والتواصل والتفاعل والأنشطة التى تنظمها المتاحف، فهى تلعب دورًا مهمًا فى تحقيق التنمية المستدامة، فالمتحف هو مؤسسة ثقافية مهمة أساسية فى حفظ التراث المادى واللا مادى، كما أن للمتحف أدوارًا أخرى يؤديها والتى تمس المجالين الاجتماعى، والبيئى.

وقد شهدت السنوات الثلاث الماضية تراجًعا كبيرًا فى إيرادات قطاع الآثار جراء ما تعرض له العالم من وباء كورونا، إلا أن الدولة سرعان ما قامت من هذه الأزمة وبدأت تستعيد عافيتها وذلك من إنشاء متاحف جديدة نظرًا لأهميتها فى الاقتصاد المصرى كمورد أساسى.

«الدستور» تستعرض خلال السطور المقبلة كيف يمكن أن نحقق أرباحًا من المتاحف؟

للمتاحف أهمية كبيرة فى كونها تضم تراثًا قوميًا ثقافيًا متنوعًا يمثل ذاكرة الأمة للجمهور والأجيال المقبلة، يعبر عن حضارة وثقافة وتاريخ وفنون هذه الأمة عبر الأجيال، كما أن للمتاحف أهمية كبيرة فى تعليم النشء والشباب العديد من العلوم والفنون المتعلقة بمقتنيات المتحف مثل التصوير والرسم والنحت وغيرها، فضلًا عن البحثية المرتبطة بكل العلوم التى لها علاقة بالإنسان وحياته.

وتتنوع المتاحف فى طبيعتها ورسالتها المقدمة إلى الجمهور، فهناك المتاحف الأثرية والفنية والتاريخية ومتاحف العلوم وغيرها، وتتكامل كل أنواع المتاحف فى تقديم صورة شبه كاملة عن الإنسان ونشاطه ومقتنياته والبيئة المحيطة به، حسبما جاء فى كتاب «المتاحف.. عمارة وفن وإدارة» للكاتب الدكتور حسين إبراهيم العطار.

وقد ظهرت المتاحف العامة الحقيقية فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر، عندما تم تأسيس المتاحف البلدية لتحتوى على عينات من كل طبقات المجتمع، ولم يكن المتحف معروفًا بهذا المفهوم فى العصور القديمة نظرًا لعدم وجود الوعى والإدارك الكافى لمفهوم ورسالة المتحف كما نفهمها الآن، ونظرًا لعدم حاجة الإنسان قديمًا إلى الذهاب لمكان خاص من أجل مشاهدة آثار ومخلفات الأقدمين أو لرؤية الأعمال الفنية والمنحوتات.

فقد كانت المعابد والمقابر والميادين غنية بهذه الأعمال التى تشبع رغبته فى التمتع برؤية روائع الفن والآثار، حتى وإن كان لها ارتباط ومغذى دينى، وقد قام المجلس الدولى للمتاحف «إيكوم»، بتعريف المتحف على أنه «مؤسسة دائمة غير هادفة للربح هدفها خدمة المجتمع وتطويره، وهو يفتح أبوابه للجمهور، ويهدف إلى إحراز تقدم فى مجال البحث العلمى والحفظ والتواصل والعرض بما يخدم الأعراض الدراسية والتعليمية والترفيهية، كما يعد دليلًا ماديًا على نشاط الأفراد وبيئتهم».

أول متحف فى التاريخ

وكان أشهر متحف فى العصور القديمة ذلك الذى كان فى الإسكندرية، الذى بناه بطليموس الأول بناء على نصيحة ديمتريوس، الذى كان تلميذًا لأرسطو، أسس بطليموس ذلك الميويزم وألحقه بمكتبة الإسكندرية القديمة الشهيرة، وأولاه رعاية كبيرة وخصص له مجموعة من العلماء يتقاضون مرتبات كبيرة من الملك، ثم كانت مرتباتهم بعد ذلك من الحكومة الرومانية بعد أن أصبحت مصر تابعة للسيادة الرومانية سنة ٣٠ ق. م، وعيّن بطليموس لهذا الميوزيم مديرًا كان يلقب بكاهن الفنون.

وكان هذا المتحف السكندرى مجمعًا للعلماء والبارزين فى كل نواحى العلوم والآدب الذين كانوا دائمى البحث والمناقشة والتحليل، فقد كانت البحوث تأتى فى الدرجة الأولى من الأهمية فى المجالات المختلفة، ثم تليها المحاضرات والندوات التى كان يشارك فى بعضها حاكم البلاد، مما يدل على أهمية وقيمة تلك المحاضرات والندوات وأهمية ما يتناوله علماء المتحف أيضًا.

ثم بعد ذلك يأتى دور إلقاء الحكم والقصائد الشعرية، وباقى ألوان الفنون للتنافس على نيل الجوائز المالية والأدبية، وصدر عن المتحف السكندرى بعض الموسوعات فى فروع العلوم المختلفة مثل الفلسفة والجغرافيا والطب والفلك وعلوم النبات والحيوان والطيور، كما تبين أوراق البردى ما توصل إليه علماء ذلك المتحف من اختراعات لعدة أدوات وآلات فى مجال الطب والجراحة ورصد النجوم والكواكب.

وكان يتكون المتحف السكندرى من قاعات لحفظ المخطوطات وقاعات للمنافشة والمحاضرات وقاعة الطعام عامة، وكانت كل تلك القاعات المؤثثة بأفخم الأثاث، بالإضافة إلى حديقة نباتية حيوانية ومعهد للتشريح.

وقد أُصيب متحف الإسكندرية بالانهيار نتيجة لفترة الاضطراب السياسى التى مرت بالبلاد، فتفوقت عليه متاحف برجاموم وأثينا ورودس وأنطاكيا وبيروت وروما، وأُصيب المتحف السكندرى بكارثة فى عهد الطاغية كارا كالا، وهدم فى الغالب بمعرفة زنوبيا ملكة تدمر، وفى عام ٢٧٠م استأنف نشاطه مرة أخرى، ثم ما لبث أن أُصيب بنكسة قوية عندما تفوقت عليه مكتبة القسطنطينية بسبب لجوء الكثير من علمائه إلى تلك المكتبة تجنبًا للمعارك الدينية التى صاحبت بدايات المسيحية فى مصر.

التطور التاريخى للمتاحف فى مصر

ولم يكن الإنسان فى العصور الفرعونية القديمة وفى العصور الرومانية بحاجة ماسة إلى أن يقوم بتجميع التماثيل والرسومات والمخطوطات والصور والنقوش من كل مكان، لكى يعرضها فى مكان خاص، حتى يتمكن الناس من رؤيتها ويتمتعوا بتذوق الجماليات الفنية والأثرية والتاريخية والدينية التى بها.

فقد كان كل الفنون من رسم ونحت ونقش معروضًا فى الميادين والمعابد والمدارس والأسواق والقصور والبيوت والحدائق وغيرها، وبالتالى لم تكن هناك ضرورة لبناء متحف بالمعنى المفهوم الآن، وكانت المعابد على وجه الخصوص تقوم بدور المتحف، حيث كانت تضم بين جدرانها التماثيل الخاصة بالآلهة والملوك وعظماء القوم والشخصيات المهمة، إلى جانب الرسوم والنقوش التى تصور أعمال الملوك الدينية واليومية وتسجيل المعارك الحربية والأحداث المهمة، والدليل على ذلك معابد الكرنك.

وفى العصر الرومانى، احتفظ الأباطرة وكبار رجال الدولة من السياسيين والعسكريين والأثرياء بالعديد من التحف والأعمال الفنية، منهم الإمبراطور «سلا» الذى قام بجمع الكثير من الروائع الفنية لمدينة أثينا واحتفظ بها لنفسه داخل قصره.

وإجمالًا يمكن القول إن المتاحف هى عبارة عن كنائس أو أديرة أو معابد أو قصور أو بيوت توقف عندها الزمن، حيث تم تخصيص مبنى مستقل خطط خصيصًا لحفظ وعرض التحف والكتب الإنسانية والدينية والأعمال الفنية ونماذج لتطور التاريخ الطبيعى للإنسانية، ولم يظهر مثل هذا المبنى فى الواقع حتى نهاية القرن السابع عشر، حيث يمكن تمييزه فى تطوير نمطين من المبانى الثانوية هما: الخزينة والقاعة، فقد كان تطور العلوم التاريخية فى العصر الحديث محققًا لفكرة المتحف بمفهومها المستقل.

ومنذ القرن الثامن عشر كانت كلمة «متحف» تطلق على مجموعات خاصة عديدة من المقتنيات، وإلى جانب هذه الكلمة كانت هناك كلمات أخرى تم استعمالها مثل كلمة جاليرى التى كانت تعنى باللغة اليونانية القاعة التى بها التماثيل والصور، واستعملت أيضًا خلال القرن الثامن عشر للتعبير عن القاعة التى تحتوى على صور فقط.

وكان وجود المتحف فى مراحله الأولى استجابة لحماس وعشق محبى الفنون والآثار والتاريخ وجهودهم فى جميع المقتنيات الخاصة بهذه المتاحف، والمتاحف ليست مبانى جامدة ساكنة تُعرض بداخلها تماثيل وصور ورسومات صماء، بل هى مثل الكائن الحى تتبض بالحياة وتتطور وتنمو تبعًا لتغيير وازدياد الحاجة إليها.

ولقد بدأت المتاحف بعرض عينات من الطبيعة، وجاءت مقتنيات المتاحف من المعابد والقصور والميادين والبيوت والطبيعة كنماذج تعبر عن حياة ماضية، وهناك متاحف كثيرة كانت التعبير العملى للرغبة فى جمع قطع جميلة تنعش المشاهد لها وتثرى حياته وتشجعه على أن يحيط نفسه بأشياء ثمينة تدخل عليه البهجة والسرور.

وهناك متاحف أخرى تحتوى على مجموعات من كل أركان الأرض تمثل الطبيعة بحالتها الأصلية وتوضح بالدراسة علوم الجيولوجيا والنبات والحيوان، مثل المتحف المصرى الذى يحتوى على بعض نماذج لتطور حياة الإنسان والطيور والحيوان.

كما أن هناك متاحف تجعل هدفها إقليمًا محددًا تعرض تاريخه الطبيعى وقصة استيطان الإنسان له بالتفصيل، وتظهر كيف كان أجدادنا يكسبون عيشهم من الأرض، فأطعموا وكسوا أنفسهم وترابطوا مع بعضهم طلبًا للحماية ومحاولة التعاون والتقدم.

وهناك متاحف تخصصية أيضًا تجمع بين جدرانها مقتنيات خاصة لمنطقة محددة أو مشروع محدد مثل قناة السويس، الذى يؤرخ لمشروع قناة السويس، ومتاحف أخرى كثيرة مثل متحف السكة الحديد، ومتحف البريد، كما توجد متاحف خاصة بفترة زمنية محددة مثل متاحف العصر البرونزى والرومانى والمسيحى والعصر الإسلامى والحديث والمعاصر.

الاقتصاد الرقمى للمتاحف

وخلال الربع الأخير من القرن العشرين تزايدت أهمية المتاحف فى العديد من المجالات الثقافية والتربوية والتعليمية وغيرها، وتظهر أيضًا أهمية المتاحف اقتصاديًا، فظهر الاتجاه التسويقى للمتاحف من أجل الحصول على مزيد من الأموال، وذلك لمواجهة التخفيض المستمر للأموال الحكومية المخصصة للصرف على المتاحف، فجاء هذا الاتجاه التسويقى للمتاحف لمواجهة عجز الميزانية وسد أوجه القصور فى مصروفات المتاحف، شيئًا فشيئًا، وأصبح مديرو المتاحف علماء، وأيضًا جامعى أموال، وأصبحت رسالة المتحف ثقافية بالدرجة الأولى، وأيضًا تسويقية من أجل جمع المال.

وكما نشاهد فى عالم اليوم، فإن الاقتصاد أصبح هو المتحكم فى مصير الأمم، وربما تأتى كل المجالات الأخرى، السياسية والثقافية والاجتماعية وغيرها، لتسير فى ركابه، فالأمور الاقتصادية مهمة لخلق نشاط جديد، أو تطوير وإصلاح ما هو قائم، أو إضافة شىء فرعى لمسار عام.

ومقتنيات المتاحف هى فى حد ذاتها قيمة اقتصادية كبيرة، ومن أهم المجالات التى يمكن تحقيق موارد مالية منها فى مجال المتاحف ما يلى: العروض المتحفية التى تقام باسم المتحف فى أماكن أخرى خارج أسواره، والمعارض التى تُقام فى دول أجنبية التى تقام باسم المتحف أو لأهم الشخصيات التاريخية التى لها أعمال أثرية أو فنية، حصيلة بيع النماذج المقلدة لأهم مقتنيات المتحف، حصيلة بيع تذاكر الدخول للمتحف.

كما يمكن إتيان الموارد من المتاحف بحصيلة تصاريح دخول كاميرات التصوير الفوتوغرافى أو الفيديو للتصوير داخل المتحف، وبيع الكتب العلمية أو الكتب الخاصة بالمتاحف من خلال منفذ لبيع تلك الكتب، وبيع التذكارات والكروت السياحية المتعلقة بمقتنيات المتحف، وإيجار الكافتيريا والمطعم وقاعة المحاضرات والمسرح والجراج وخلافه من ملحقات المتحف.

كما يمكن حصيلة تصاريح دخول مكتبة المتحف، وقيمة التصوير من كتب المكتبة، وحصيلة ما يتم تحصيله من السماح لفنانى السينما أو البرامج التليفزيونية للتصوير داخل المتحف، وغيرها من المجالات التى يمكن أن تدر دخلًا إضافيًا للمتحف، ومع ذلك يجب أن يتم السماح بزيارات مجانية للمتاحف، فى أيام محددة مثل المناسبات القومية وذكرى أحداث مهمة، أو أيام الأعياد أو غير ذلك.

ويجب أن يتم السماح بالدخول المجانى لطوائف معينة من الناس أو الجماعات، مثل الأعضاء المنتمين إلى المتاحف والباحثين العلميين والدارسين والطلبة، والهيئات غير التجارية للتعليم الشعبى، والمؤسسات التعليمية المدرسية، وتستدعى كل هذه التسهيلات تفهمًا من إدارات المتاحف، ومن الهيئة العليا التابع لها تلك المتاحف.

وظهر التناقض بين رسالة المتحف التثقيفية والتعليمية والتربوية وبين اعتبار المتحف موردًا ماليًا بعد أن أصبحت رسالة المتحف أكثر سهولة وإتاحة للجميع عبر التكنولوجيا الحديثة والإنترنت، واعتبر أغلب علماء المتاحف أنه لا يوجد تناقض بين رسالة المتحف التثقيفية والتعليمية والتربوية، وبين كون المتحف موردًا ماليًا، لأن الجمهور يكون أكثر جدية واهتمامًا أثناء زيارته للمتحف إذا أنفق مالًا فى تلك الزيارة، وإذا وجد أن زيارة المتحف لها تقاليد وأسلوب فى الحركة وخط سير ومواعيد محددة ونظام فى العرض والتقديم وشرح المعلومات عن المقتنيات، بذلك تكون زيارة المتحف أكثر جدوى للزائرين، لأن المتحف ليس حديقة عامة ولا استراحة يمكن أن يرتادها الشخص ويتركها دون اكتراث أو اهتمام.

ودخول المتاحف عالم التكنولوجيا الحديثة والإنترنت يمكن أن يكون موردًا ماليًا أيضًا من أولئك المشاهدين والزائرين لموقع المتحف من جميع أرجاء العالم، وذلك بأن يكون الدخول إلى موقع المتحف عن طريق كلمة مرور، ودفع مبلغ بسيط بواسطة الفيزا كارت، وفى هذا المجال تحاول جميع المكتبات والمتاحف فى كل أنحاء العالم الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات الحديثة فى الاقتصاد الثقافى الرقمى الناشئ من أجل زيادة الموارد المالية للمتاحف عوضًا عن خفض ميزانية المتاحف من جانب الحكومات

المتاحف وبرامج التحول الرقمى

واستمرارًا لأداء مهام المتاحف يأتى دور التكنولوجيا الحديثة وعصر المعلومات، ففى عصر المعلومات تأتى التكنولوجيا بآفاق جديدة تثرى الحياة وتساعد فى الترابط والتواصل بين البشر، وتجعل رسالة المتحف أسهل وأيسر وأكثر حيوية وبهاء للمشاهدين، وأصبح الإنترنت بإمكاناته المتعددة ذا أهمية بالغة بالنسبة للمتاحف.

وفى مجال التحول الرقمى للمتاحف، نجد أن المتاحف بصفتها مؤسسات ثقافية لخدمة الجمهور لا تهدف للربح بقدر ما تهدف إلى رفع الوعى الثقافى بين الناس، وأن تلك الأنظمة الجديدة عبر شبكة الإنترنت أتاحت لأى فرد فى العالم أن يكون على اتصال مباشر بالمتاحف الكبرى والعروض المختلفة التى تقام بها.

وكانت لشبكة الإنترنت أهمية كبرى فى تواجد المتاحف فى العالم الرقمى، حيث أصبحت مرئية أكثر، ويمكن الاستفادة أكثر من خلال تواجد موقع إلكترونى على جوجل يعرض مقتنيات المتحف، وذلك من خلال فيلم تسجيلى عن المتحف ومكانه ومقتنياته، وكذلك فيديوهات مصغرة عن القطع، وعرض تسلسلى للقطع، وهذا سيزيد من عدد الزائرين للمتاحف، وكانت مصر من الدول الرائدة فى نقل مقتنيات المتاحف إلى العالم الافتراضى.