رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحولات حتمية تحتاج إلى اجتهاد

كيف يواجه المثقفون عصر الذكاء الاصطناعى ومرحلة «ما بعد الإنسان»؟ «3-2»

 

أدت ثورة الوسائط الاجتماعية الاتصالية إلى تغير فى بعض العناصر المكونة للإدراك الجمعى حول المرأة، وأدوارها والثقافة المجتمعية حول المرأة، على عديد المستويات يمكن الإشارة إلى بعضها فيما يلى:

١- ازدياد دور المرأة فى سوق العمل، واستقلالها الاقتصادى النسبى، فى نظام الأسرة، أو خارجه، على نحو أدى إلى بعض من التغير فى نظرة المرأة لذاتها، لا سيما لدى بعضهن فى الحضر وبعض الأرياف لاسيما فى بعض الفئات الوسطى الصغيرة والوسطى الوسطى رغم عسر الحياة والتضخم، هذا الإدراك المستقل نسبيًا للذات النسائية ساهم فى بعض التغيرات النسبية حول ثقافة المرأة فى المجتمع المصرى، والأخطر استمرارية العنف الأسرى تجاهها!

٢- أدت ظاهرة تأنيث الأسرة المصرية، والمرأة المعيلة إلى تسريع إدراك الاستقلال النسبى للمرأة فى إطار نظام الأسرة، وخارجه، وفى الوعى بحقوقها لا سيما بعض النساء المتعلمات أو غيرهن من الأميات العاملات بمن فيهن من خدم المنازل مع بطالة بعض الذكور من الأزواج، أو إدمان بعضهم المواد المخدرة.

٣- ساهم الظهور النسبى لأصوات المرأة، ودعم الجماعات الحقوقية الدولية للمرأة فى المجتمعات المسلمة فى ظل الحركة الإسلامية، إلى ارتباط الصورة الدولية للدول والنظم والنخب السياسية الحاكمة بإجراء إصلاحات قانونية، وسياسية لأوضاع المرأة على نحو ما حدث فى مصر.

فى قوانين مباشرة الحقوق السياسية، وعمل المرأة قاضية فى المحاكم العادية، ومجلس الدولة، وأيضًَا فى تحديد نسب فى ترشيحات وتعيينات مجلسى النواب والشورى فى مصر والتنبيه إلى قضايا التنمر، والتحرش الجنسى ببعض الفتيات أو النساء أيًا كان عمق هذه التغيرات السياسية والقانونية، والتمثيلية وطابع بعضها الشكلى إلا أنها تشير إلى التغير النسبى فى الثقافة المصرية إزاء المرأة وأدوارها الوظيفية خارج نظام الأسرة.

٤- أدت موجات حقوق المرأة والنوع الاجتماعى إلى المساهمة المحدودة فى الاهتمام بأوضاع المرأة المصرية على الرغم من أن هذه الموجات الحقوقية حول النوع الاجتماعى- gender- أدت نسبيًا إلى تغيير محدود فى ثقافة بعض النساء المتعلمات، ومن الفئات الوسطى- الوسطى، والعليا، إلا أن خطاب النوع الاجتماعى الدولى لا يزال مفارقًا للأوضاع الفعلية لقطاعات واسعة للمرأة المصرية، لا تزال تحت سطوة الثقافة الذكورية ومعها الثقافة الذكورية الدينية، حول أدوار المرأة، وهو ما يشير إلى انفصال هذا الخطاب وجماعات عن الواقع الموضوعى، وتحول بعضه مع بعض القيود السياسية على الحريات العامة، إلى خطاب رقمى، وشعارى، ومع ذلك أسهم فى حدود بالغة الجزئية بالنسبة لوعى بعضهم من القلة، لأن أساس التغير النسبى تمثل فى عمل المرأة.

٥- ساهمت الثورة الرقمية، وخطابات المنشورات والتغريدات والفيديوهات الوجيزة جدًا- الفيديو الطلقة- فى فتح المجال واسعًا فى عصر العاديين الرقمى فى المساهمة النسبية فى عمليات إنتاج المرأة/ الفرد، بل وإلى المساهمة فى إحداث شروخ فى ثقافة الجموع/ الإجماع، وفى تحريك التحول إلى الفردية والفردنة، وهو ما سوف يؤدى إلى انعكاسات سياسية ستشكل قاعدة سيسيو- ثقافية نحو التحول إلى الحريات الفردية والعامة، كقاعدة للتحول الديمقراطى المستقبلى.

من ناحية أخرى: أدت خطابات عصر العاديين الرقمى إلى الاهتمام بحضور الذات الرقمية على الواقع الافتراضى، من خلال المنشورات والتغريدات والفيديوهات، والصور. هذا الولع بإثبات الذات الفردية- للذكور والإناث- تكريس للفردنة. وفى ذات الوقت إبداء الآراء أيًا كانت ساخرة، أو تافهة هى تمرينات للفردية، وإبداء الرأى دون وجل أو خوف من السلطة، وامتد ذلك إلى خطاب النقد والسخرية من السلطة ورموزها، وهو ما سوف يؤدى إلى تغييرات فى الواقع الفعلى، أيًا كانت الإجراءات الأمنية، وأساليب قمع الرأى، واحتجاز الحريات الفردية والعامة مما سيؤدى إلى تحول فى الثقافة السياسية السائدة فى الدول والمجتمعات العربية.

من ناحية ثالثة:

أدت ثورة الرقمنة ووسائطها الاجتماعية إلى سقوط عصر النجوم اللامعة- وفق تعبير محمد حسنين هيكل فى «خريف الغضب»- والأحرى سقوط عصر الأيقونات فى السياسة، والجمال الأنثوى وملكات الجمال وتحديد من هو الجميل فى العيون وملامح الوجه، والشعر، والعنق والصدور الناهدة والتناسق الجسدى، والأذرع، والأيدى، وكل تفاصيل هندسة الجسد الجميل، فى عصر الحداثة وما بعدها، وما بعد بعدها، حيث تحول الوجه والجسد الإنسانى إلى موضوع لإعادة التشكيل لجراحات التجميل المستمرة للنساء، والرجال القادرين على إجراء هذه الجراحات التجميلية المتغيرة، حيث تحول الجمال إلى سلعة متغيرة، وإلى موضة جمالية متغيرة من حيث نحت الوجوه والأجساد وفق التغير فى الموضة الجمالية، هذا التوجه لم يعد قصرًا على الثريات، والأثرياء وإنما امتد إلى بعض نساء وذكور الفئات الوسطى- الوسطى، فى تغيير الشكل والحجم الجسدى المولود، والطبيعى إلى اللاطبيعى المنحوت الذى أصبح هو الطبيعى والأحرى تحول اللاطبيعى المتغير إلى الطبيعى، إدراكًا ووعيًا وشكلًا وحضورًا فى الاستعراض الاجتماعى، وهى ظاهرة تتكاثر فى العالم العربى، ومجتمعاته الميسورة، أى لدى عرب اليسر النفطى، بل وبعضهن/ هم فى عرب العسر.

معايير الجمال متغيرة تاريخيًا، ومن مجتمع لآخر، ومع الرأسمالية الغربية وبتطوراتها تحول الجسد إلى سلعة ومعاييره الجمالية متغيرة، وفق تغيرات نظام الموضة الجسدية والجمالية.

عالم الموضة الجمالية والجسدية المسلعة اعتراه تحول كبير فى محاولة بعضهن/ هم لمواجهة تغيرات الزمن الجسدية من خلال جراحات التجميل لنجوم السينما والمسرح والتلفزات إلى السيدات بالغات الثراء، والثريات، والميسورات فى محاولة للتوافق مع معايير الجمال الرأسمالية.

هذا التسليع الجمالى، والجراحى المتغير ظل أسيرًا لمفاهيم الجمال وموضاته، وفى ذات الوقت للولع باستعادة الشباب ومرحلته العمرية.

لا شك أن هذا المتغير السريع والمفرط فى معنى الجمال وملامحه وخطوطه وهندسة الجسد الأنثوى والذكورى لدى بعضهن/ هم أثر على ثقافة الجمال، والوعى بها، وإلى الاستهلاك السريع والمفرط لمعانى الجمال المتغيرة، لا تزال هذه الظاهرة الفعلية مستمرة فى الوعى الاجتماعى لدى بعضهن/ هم فى مصر، ولدى بعض عرب اليسر، وعرب العسر إلا أن الجديد الذى جاءت به الثورة الرقمية/الافتراضية، يجتاح عالمنا الآن، وأدى ولا يزال إلى نهاية عالم أيقونات الجمال فى عصر الإنسان الرقمى العادى، فى ظل عصر العاديين الرقمى تبدو ظاهرة واسعة النطاق تتمثل فى إعادة النظر فى مفاهيم الجمال والجماليات الجسدية، من المنظورات العرقية والدينية والثقافية الفعلية السائدة، وهو ما يمكن لنا أن نبدى عليه ملاحظاتنا فيما يلى:

١- التحول من الجمال الأيقونى الجسدى ومعاييره إلى العادى الجميل، أو إلى كل ما هو عادى جميل. من هنا تبدو استعرضات الجسد: الوجوه، والعيون والنقاب والحجاب والانثناءات والانحناءات والتقوسات Curves أو curvy body مصطلحًا يطلق على أجساد النساء والفتيات اللاتى يتمتعن بجسد ذى منحنيات متناسقة، يعرف أيضًا باسم الساعة الرملية Hanglass Figure.

الجسم الكيرفى المرغوب فيه هو شكل الجسم الذى من المحتمل أن تشاهده على لوحات الإعلانات والمجلات والمشاهير على السجادة الحمراء ٠٤/١١/٢٠٢١

«https:// tajmeeli.com»

ويطرح بعضهم سؤالًا ما هو الجسم الكيرفى، وما هى مواصفاته؟

تصف صفحة أستاذ جراحات التجميل أحمد السبكى هذا الجسد فيما يلى:

كيرفى curvy مشتق من الكلمة Curve بمعنى منحنى، أى أنها تطلق على النساء اللاتى يتمتعن بجسم ذى منحنيات، بمعنى أن تكون منطقة الخصر أصغر من منطقة الأرداف، كما أنها تتمتع بزيادة بسيطة فى الوزن يمكن ملاحظتها فى المناطق الأنثوية لديها.

ويشبه جسم الكيرفى إلى حد كبير الساعة الرملية، حيث نلاحظ زيادة حجم الجسم من أعلى وأسفل بمقدار بسيط مع صغر حجم الخصر.

ويتصف الجسم الكيرفى بصغر دوران الخصر وزيادة دوران الهانش/ العجزة والكتف بنسب متساوية.

«drahmedelsobky.net»

ويضيف ردًا على سؤال هل الجسد الكيرفى موضة؟

تحول الجسم الكيرفى إلى هوس الكثير من النساء، وخاصة ملاحظة انجذاب الكثير من الرجال إلى المرأة التى تتمتع بجسد كيرفى. لذلك فهو يعد موضة العصر التى تبحث عنها الفتيات «مركز الدكتور أحمد السبكى»

«drahmedelsobky.net»

بقطع النظر عن الإجابة الترويجية/ التعريفية للجسد الكيرفى أو جماليات جسد المنحنيات الأنثوى، فى الصدور، والامتلاءات والعجيزات، من قبل بعض المجلات ودفاعات الحركة النسوية، والنوع gender عن الجسد النسائى كما هو، وأيًا كان شكله، وحجمه إلا أن تسليع هذه الظاهرة من خلال نحت جراحات التجميل، إلا أنها تعبير عن التغير من النظرة الجمالية للجسد الفرنسى، إلى أشكال جسدية أخرى من منظور ذكورى، وإثارى. هذا التغير نحو إثارية الجسد الكيرفى ونحته التجميلى وجراحاته، هو استمرارية للتسليع الجسدى، والجمالى المتغير.

٢- خطاب الجسد العادى أيقونة جمال الذات الرقمية فى عصر العاديين

الخطاب المرئى لصورة الجسد العادى على مواقع التواصل الاجتماعى- الإنستجرام، والتيك توك- من خلال الصور، والفيديوهات الطلقة، يمثل حضور الجسد العادى، الذى كان حجبه عبر نظام الموضة System de mode ومحاولة إخفاء بعض ترهلاته، أو تضخمه، أو نحافته، أو تشوهه، بات مع ثورة الرقمنة، وتعبيراتها وأساليبها المرئية والجسدية يشكل تحولًا كبيرًا فى سوسيولوجية الجسد، مكسيًا أو عاريًا. لم يعد التعرى الجسدى للتجميل جزءًا من عوالم البورنوجرافيا، أو المواقع الإباحية التى يكثر دخول بعض أبناء البلدان العربية إليها، لمشاهدتها، وعلى رأسها السعودية ومصر.. إلخ. لم تعد لذة جسد المرأة العارى أو المستتر المترع بالإثارة الجسدية، رهنًا بالجسد العارى الغاوى، والمثير للدوافع والرغبات الجنسية لدى الذكور والإناث، ومعها الأوضاع الجسدية للتفاعل الجنسى بين الذكور والإناث، على اختلافها، فى تحفيز الخيال الجنسى بالمألوف، والمتخيل والاستثنائى، وغير العادى.

تحول الجسد العارى، وترهلاته وما كان يوصف مثلًا بالقبيح، والفخم، والسمين، والغليظ- وفق وصف ريفى كان يسود منذ أكثر من خمسين عامًا خلت فى بعض المناطق الريفية- إلى أحد تمثيلات الجسد الغاوية، والمثيرة للخيال الجنسى، حضر الجسد العارى فى عصر العاديين الرقمى دونما وجل أو رهاب التعرى، أو ضرورات التحشم. لا شك أن هذا التحول هو تعبير عن أثر الرقمنة على الكتل الجماهيرية للعاديين، والذات الرقمية الحرة لدى بعضهم، والمتحررة من الضوابط الدينية والقيمية والعرفية، التى كانت تضبط الجسد أيًا كان جميلًا، أو قبيحًا، متناسقًا ومتكاملًا، أو مشوهًا فى تكوينه، إن نظرة سريعة على الصور والفيديوهات فى عصر المشاهدة المرئية، والقراءة الرقمية المكثفة والعابرة- أيًا كانت سطحيتها أو تركيزها، أو عمقها أو تفاهتها- تشير إلى الملاحظات التالية:

إن صور وفيديوهات الجسد السريعة الوجيزة جدًا كطلقة، تشير إلى رغبات جامحة فى محاولة العاديين تأكيد حضور الذات الرقمية فى العالم الافتراضى، الذى بات فعليًا فى زمن أو لحظة الحضور. هذا التحول يشكل تعبيرًا عن محاولة التحرر من قيود الضبط الدينى والاجتماعى، بل والضبط السياسى.

حضور الجسد الافتراضى، من استعراضية الواقعى أثناء تصوير اللقطة أو اللقطات المصورة، والفيديوهية، هو لحظة تحرر سواء أكان الجسد حاضرًا بعريه، أو بعض مساحات العرى، أو الإثارة لبعض أجزائه، وسواء أكان الجسد محجبًا، أو مقنعًا أو مستورًا بإسدال.

بعض الحضور للذات الفعلية على الواقع الافتراضى يأخذ عديد الأشكال التى يمكن رصد بعضها فيما يلى:

١- الحضور المستور لبعض الجسد مع تعرية بعض مناطقه.

٢- الحضور القولى بالإيماءة أو الإشارات الجنسية.

٣- الدعوة الضمنية للتفاعل الجنسى العقلى أو التعرى على الخاص، وغالبه الأعم بحثًا عن المال، أو للحصول على like- اللايكات- للحصول على المال من الشركات الرقمية الكونية.

٤- رقص الجسد الكيرفى curvy body مع إظهار اهتزازات مناطق الصدر، والبطن والعجيزة. الهدف هنا المال من الشركات الرقمية الكونية.

٥- إظهار بعض السيدات العاريات من البسطاء لبعض عجيزتها الظاهرة والمستورة بالجلباب أثناء إعداد وجبات الطعام- أيًا كانت- وترتيب المنزل، سعيًا وراء اللايكات والحصول على المال.

٦- إبراز بعض أعضاء الجسد الأنثوى على نحو إثارى و«جمالى» محمولة على رمزية نظام الزى الوطنى، مثل شعر الرأس، والأثداء الممتلئة، والعجيزة والأذرع البضة والبطن مع السارى الهندى أو الإسدال السعودى، والخليجى مع تغطية بعض مناطق الوجه وإظهار العيون وتعبيراتها الحسية مع الشفاه لعدم كشف شخصية الجسد وصاحبته! هنا نظام الزى يحمل معه انتماء الجسد إلى ثقافته، بل وبعضًا من غموضه لدى بعض المتلقين لمثل هذه الصور والفيديوهات الوجيزة جدًا للحظة خاطفة. غالب هذه الصور والمشاهدات لها، تعتمد على التلقى الإثارى المستمد من الغرابة، أو من الثقافات الجسدية، والقيمية المغايرة. من هنا تلعب المفارقة دورها الإثارى مع عملية التلقى النفسى الجنسى. 

من ناحية أخرى، لا يقتصر العرض الجسدى للجمهور الرقمى على محاولة الحصول على المشاهدات الكثيرة، والمال من الشركات الرقمية، ولا تسليع هذه الأجساد والوجوه، ولكنها تعبير عن الحاجة السوسيو-نفسية للإعجاب والقبول، وتأكيد رغبات الآخرين لهذه الذوات الجسدية، التى ربما تحمل بعضًا من مشاكلها فى الواقع الموضوعى، الفعلى، إنها سعى وراء الحصول على الإعجاب بها، وإنها مرغوبة، وجميلة، أو مثيرة.. إلخ. إنها جزء من انكشاف الذات على الآخرين واستعراضاتها. 

٧ - الجسد فى حالة الرقص الإثارى، لم يعد قصرًا على الرقص الشرقى للراقصات المحترفات، وأداء بعضهن الإثارى لبعض مناطق الجسد كالأثداء، والعجيزة، وبدل الرقص المثيرة، وإنما تعدى ذلك إلى رقص بعضهن الذى يقصد من ورائه العرض الرقمى السريع كالطلقة، وهدفه إثارى محض رغبة فى الحصول على المشاهدات التى تؤدى للحصول على بعض المال. من ناحية أخرى بروز هذا الميل إلى الرقص لدى عديد من النساء فى ظل القيود المعروضة على الجسد فى المجال العام، وأيضًا الخاص فى الأسرة والحى والحارة والشارع، والقرية نظرًا للقيود والضغوط الأسرية، ومن الأقارب، والجيران على حرية الجسد النسائى، فى ظل تمدد وهيمنة أنماط التدين الشعبى والسلفى الوضعى، وما تفرضه من تعاليم وتأويلات وصفية تؤثم الرقص دينيًا وأخلاقيًا ومجتمعيًا وتحاول حجب الجسد الأنثوى فيما وراء هذه التعاليم وسندها التأويلى المتشدد، والمحافظ، وهو ما يستند إلى إدراك دينى متشدد، يعتبر أن الجسد الأنثوى- ومعه الرقص وإيقاعاته- مصدر للشرور.

من هنا يشكل الرقص الرقمى محاولة لكسر هذه الصورة مع بعض الإثارة من النساء العاريات، محاولة لانتهاك التحريمات والقيود على نحو يتيح ارتفاع المشاهدات والحصول على المال من الشركات الرقمية.

٨- الأجساد الإفريقية والأمريكية ومن أوروبا الشرقية ذات الكتل الجسدية الضخمة، واستعراضاتها السريعة الومضة، وترقيص العجيزة.. إلخ! بعضها هدفه تغيير مفهوم الجمال الجسدى، وفق المعايير الجمالية الأوروبية والأمريكية، حول جمال الجسد والوجه، التى سادت فى مسابقات ملكات الجمال الكونية، والوطنية والقارية. ومن ثم تحت تأثير ثقافة النوع، وثورة الأفكار النسوية إبراز أن المعايير السائدة حول الجمال ذكورية، وتسليعية بامتياز من خلال نجمات السينما، وملكات الجمال، والمجلات والجرائد والإعلانات، وبعض المجلات مثل play boy ونظائرها، لكن هذا النمط من السيدات قلة، والكثرة الكاثرة منهن تسعى وراء فرض الغرابة، وتحويلها إلى ما هو عادى مثله فى ذلك مثل النمط الشائع عن الجسد الأنثوى الجميل، وأن هذه الأنماط الجسدية هى العادية، والطبيعية- بعضهن- وربما غالبهن يسعين وراء المال من ارتفاع أرقام المشاهدات لهن.

٩- من حالة انكشاف الجسد واستعراضاته التى تبدو ظاهرة فى المواقع المختلفة، تبدو محاولة إثبات حضوره سعيًا وراء الحضور الذاتى فى العالم، من خلاله، والأهم ربط المعنى فى الحياة، بالحضور الجسدى، خاصة أن غالب هذه الشخصيات النسائية ليست لديهن من المعرفة العميقة، خارج القيم الاجتماعية حتى السائدة فى مجتمعاتهن، بإشكاليات الوجود الإنسانى ومعناه إلا فى ظل ما هو سائد لدى مجتمعاتهن وجماعاتهن عن غائيات الوجود الإنسانى فى الحياة، وحول الموت، ومن ثم يبدو حضور الجسد حاملًا لمعنى الوجود والحياة والاستمرارية عبر النزعة الحواسية، سواء كانت غاوية أو استعراضية، أو النزعتين معًا فى ارتباطهن.

١٠- استعراض الوجوه والأجساد ونظام الزى- الموضات- من قبل الممثلات الشابات، وكبارهن ممن غربت عنهن الشهرة والذيوع الإعلامى. غالبهن لجأ إلى مواقع التواصل الاجتماعى، سعيًا وراء تأكيد نجوميتهن وحضورهن فى الحياة الفنية ومعهن نجوم السينما من الرجال. هذه الظاهرة الطاغية على مواقع التواصل الاجتماعى، مرجعها عديد الأسباب يمكن إيرادها فيما يلى:

أ- محاولة تكثيف الحضور على الواقع الرقمى، سعيًا وراء المشاهدات الكثيفة من خلال الزى والحركة داخل المنزل، أو فى أماكن السياحة فى أوروبا، وأمريكا والمهرجانات السينمائية، وإبراز بعض مفاتنهن المحمولة على خطوط التجميل maquillage «الماكياج»، وفق نظام الموضة والزى وخطوطه التى تبرز بعضًا من جماليات أجسادهن، وتحاول بعضهن إبراز مناطق الإثارة لديهن سعيًا وراء الكاميرات فى المهرجانات السينمائية، أو فى سيرهن فى حدائق منازلهن فى التجمعات الجديدة المغلقة حول القاهرة مع الأثرياء ومفرطى الثراء.

ب- بعض الممثلات حولن حياتهن الخاصة من خطبة إلى زواج إلى طلاق، والخلافات مع بعض رفقائهن، وأزواجهن إلى موضوع إثارى، من خلال نقل بعض خصوصيات العلاقات الشخصية إلى الواقع الافتراضى، ووسائل التواصل، بهدف استمرارية حضورهن فى المجال العام الرقمى، من خلال النميمة التى انتقلت من الواقع الفعلى للافتراضى، وهو ما بات يشكل ظاهرة رقمية عامة، نظرًا لأن ثقافة النميمة هى جزء من الثقافة العامة الشعبية المخترقة لكل الفئات الاجتماعية، ومن ثم يضمن لها الزواج، وتكون جزءًا من أحاديث الجموع الرقمية والفعلية الغفيرة. بعضهن- نظرًا لضحالة تكوين غالب الممثلات والمطربات- لا يُجِدن الحديث، وتسيطر عليهن عفوية المشاعر فى التعبير عن آرائهن، أو مواقفهن من أزواجهن، أو زميلاتهن، وزملائهن على نحو يفجر الجدل حول هذه الآراء العفوية السطحية والساذجة فى عديد الأحيان. 

تشارك مواقع غالب الصحف فى هذه الظاهرة بنقل هذه الآراء الصاخبة، والتافهة إلى جمهور قرائها الرقميين بحثًا عن حضورها الرقمى. بعض هذه الإثارات هدفها التغييب للوعى الاجتماعى والسياسى للجموع الرقمية والفعلية الغفيرة فى ظل تفاقم المشكلات الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية وخاصة فى سياقات موت السياسة فى عديد البلدان العربية. من هنا توظف بعض أجهزة الدولة الشمولية، والتسلطية العربية، هذه المنشورات وما هو رائج، أو الترند Trend على مواقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك- تويتر- إنستجرام- يوتيوب». 

وبعضها يعمد إلى صناعة الـTrend- بمعنى الاتجاه والتوجه، أو التيار أو المسار، أو المساق، أو الميل- الرائج بهدف وظيفى يتمثل فى كسر الاستقطابات الاجتماعية، أو السياسية والاحتقانات الاجتماعية الناتجة عن الضغوط الاقتصادية والقيود السياسية بهدف تشتيت اهتمامات الكتل الجماهيرية عن التركيز فى هذه المشاكل المعقدة، فى ظل التغيرات فى السياسات العالمية المضطربة- الحروب والفيروسات المتحورة مثل فيروس كورونا والاضطرابات الداخلية وفشل بعض أولويات السياسة الاقتصادية والاجتماعية.. إلخ- وأثرها على اقتصاديات الدولة المعسورة عربيًا.

عادة مثل هذا التوجه فى صناعة التوجهات الإثارية حول الفضائح الجنسية، أو الشخصية، وغيرها بات يشكل ما يمكن أن نطلق عليه سياسة الاتجاه Politics of Trends، وهى مجموعة الأهداف والمعايير الرامية لشغل الجماهير الرقمية والفعلية بمجموعات متلاحقة من النصوص، والصور والتعليقات لشخصيات مشهورة تنطوى على الإثارة والتعليقات الصادمة أو لبعض الفضائح الشخصية أو التعبيرات الخارجة عن المألوف تنطوى على آراء صادمة، أو ساخرة لهم/ هن فى شخصيات أو وقائع حدثت فى الواقع الرقمى أو الفعلى بهدف شغل هذه الجماهير الرقمية عن مشاكل الواقع الفعلى السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة، ومحاولة تفريغ فوائض الغضب الاجتماعى. تزايدت سياسة صناعة الترندات لا سيما حول الفنانين من الممثلين والممثلات والمطربين والمطربات حول أمور ومتعلقات شخصية وزواج وطلاق وإدمان المواد المخدرة أو حيازتها أو آرائهن/ هم فى آبائهم وإخوتهن/ هم، وأسرهن.. إلخ!

وسياسة الاتجاه/ الترند، تعتمد على الإثارة والآراء التافهة الصاخبة، وعلى توالى هذه الترندات والتحريض على رواجها المصنوع. هذه السياسة- الترندات- نجحت فى بعض الأحيان، لكنها لن تستطيع أداء هذه الوظائف التى نيطت بها على المدى البعيد، فى ضوء انفجار المشاكل الاقتصادية والاجتماعية فى عديد البلدان العربية.

من الملاحظ أيضًا فى الحياة الكونية المتغيرة، والمتحولة- فى ظل الثورة الرقمية والذكاء الصناعى- أن التأثيرات المتبادلة بين البلدان والثقافات المتعددة باتت مؤثرة نسبيًا بين الشمال والجنوب. من ثم تتزايد عمليات التهجين الثقافى فى صور وأشكال عديدة، من نظم المأكل، والمشرب، والزى من خلال نظام الموضة وإنتاج الملابس وفى بعض التعرف على الأديان، أو الطقوس والرموز وأشكال الحياة اليومية وأساطيرها، وأيضًا من خلال كونية كرة القدم والتنس والكرة الطائرة وغيرها من الألعاب للمهتمين بمشاهدة هذه الألعاب! وأيضًا التعرف على الاكتشافات الجديدة فى التقنية والعلوم الطبيعية ومعرفة الكوارث الطبيعية وأيضًا فى مجال السياسة الدولية، وسياسات الدول الكبرى فائقة التطور والمتوسطة والدول الفقيرة والأكثر فقرًا!

انكسرت الأسوار والحدود رقميًا، وبات العالم كله مفتوحًا من خلال مواقع التواصل الاجتماعى، ومحركات البحث.

ثمة تحول فى كسر عدم معرفة اللغات الأجنبية، وتعليمها وباتت دروس تعليم اللغات على الواقع الافتراضى، وأيضًا برامج الترجمة من اللغات الكبرى إلى اللغات الأخرى، ومنها العربية.

على مستوى الثقافة العالمة وتطوراتها باتت معروفة من خلال الكتب الجديدة- فى الفلسفة وعلوم الاجتماع والقانون والأدب ومدارسه النقدية والفنون الجميلة- وموسيقات العالم، ومسرحه، والسينما ومنصاتها الرقمية وإمكانية شراء الكتب، وتنزيل الأبحاث من على المواقع البحثية.. إلخ! وأيضًا ظاهرة نشر الكتب فور صدورها دون إذن من الناشر أو المؤلف.. إلخ. كلها ظواهر تحول كبرى من خلال المواقع الرقمية، وأيضًا وسائل التواصل الاجتماعى.