رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قيم الجمال.. والمناعة الإبداعية

نتابع من آن إلى آخر عبر صفحات وصور وسائط التواصل الاجتماعي، وأيضًا من خلال عشرات المقالات التي يحدثنا أصحابها بمرارة عن انتشار مظاهر القبح في الكثير من شوارعنا ومؤسساتنا بكل نوعياتها حتى المعنية بأمور التنشئة والتعليم والثقافة والرياضة والأغرب: النظافة والتجميل ..ويبقى الأهم من قبح المظاهر والمرئيات قبح السلوكيات (سلوكياتنا نحن) وتراجع الاحتفاء بمظاهر الجمال في حياتنا، بل والإقدام على تشويه بعضها بكل غباوة وجهل وكراهية مقيتة!!
وللأسف فإن بعض من يحدثوننا من أهل الكتابة والإعلام بتباكٍ وحسرة عن انزواء قيم الجمال المُحققة للبهجة والسعادة لعموم البشر، نجدهم وقد تعاملوا مع الفنون والأعمال الإبداعية ورموزها عبر تناول نقدي انطباعي سطحي، والغريب أن تتاح لهم مساحات هائلة يعرضون فيها سير ورحلات عطاء من رحلوا ومن ما زالوا بيننا من أهل الإبداع، و بدلًا من استثمار تلك المساحات للنقد المحترف والموضوعي وجعلها مساحات للتنوير والتعريف بتاريخ الفنون ومدارسها وبذل الجهد في قراءة جوانب الجمال وإضاءات الإبداع المميزة، والإضافات المتحققة لتحقيق طفرات في دنيا الفنون لتشكيل ما يمكن أن نطلق عليها (مناعة إبداعية) لدى المتلقي، فإذا بنا أمام صفحات وبرامج أدرك من يشغلونها بغرابة أن كل مهامهم الاكتفاء بالحديث التقليدي تحت عنوان (الفنان فلان الذي لا تعرفونه) .. وتنساب الحوارات والمقالات بالاكتفاء بتفاصيل السير الذاتية الاجتماعية (على طريقة أين ترعرع سيدي؟ وكلمنا عن أكلتك المفضلة وقالوا عنك بخيل وطلقت المدام كام مرة ليه هه .. إحكيلنا وسلينا !!!) فتضاف في النهاية مساحات النقد التافهة  والمتابعة الصحفية الرذيلة إلى مساحات القبح في الوسط الفني والأدبي بدلًا من القراءات الواعية والمحترفة لواقع البلاد والعباد!!
"أزالوا عنه غبرته الجميلة وكدرته التاريخية الجليلة" .. هكذا وصفت مجلة "المصور" العتيدة في عددها السابع منذ أكثر من نصف قرن، ما حدث من أعمال ترميم خاطئة وغير علمية لتمثال إبراهيم باشا ابن محمد علي الكبير، وأثارت المجلة حينها ضجة ضخمة أكدت فيها أن ما حدث للتمثال لا يتناسب مع قيمة وقامة صاحبه، فكان نشر قصيدة عصماء في صفحتها الثانية للشاعر خليل جبران للتعبير عن مدى استياء محبي الفنون من تلك الجريمة الشنعاء بعنوان "غضبة للتمثال" تنتقد الخطأ الذي تعرض له صباع تمثال إبراهيم باشا المطل على ميدان  "الأوبرا" وهو "العتبة " حاليًا، واتخذت المجلة موقفًا معارضًا لعملية ترميم وصبغ التمثال وإصبعه الشهير، والتي وصفته بالجملة الصغيرة التي اتخذتها عنوانًا لمقالي .. وجاء في بعض أبيات القصيدة .

(قل للذين طلوه)
قل للذين طلوه فزيفوه طلاءَ
تلك الجلالة كانت صدقًا فصارت رياءَ
يا حائنين صباحًا فبائدين مساءَ
وواردين المنايا في الأعجلين فناءَ
بأي شيء إليكم ذاك الخلود أساءَ
أدمية في يديكم بالصبغ تعطي رواءَ
يا حسرة الفن ممن يسطو عليه أدعاءَ
ولا يرى الحسن إلا نظافة رعناءَ
وجدة تتشظى تلمعًا وازدهاءَ
تفدي التلاوين أبقى ما كان منها حياءَ
وما عصى في سبيل الحصافة الأهواءَ
وما أتى وفق أسمى معنى أريد أداءَ
وما على متمنى سلامة الذوق جاءَ
يا كدرة حقروها إذ حولوها صفاءَ
وغبرة يكره الفن أن تكون نقاءَ
وصدأة يأنف الحسن أن تعود جلاءَ
ليس العتيق إذا جاد الجديد سواءَ
خمسون عامًا تقضين ضحوة وعشاءَ
في صنع وشي دقيق لقين فيه العناءَ
واهي النسيل دقيق النسيح ما اللطف شاءَ
لكن متين على كونهِ يخال هباءَ
يزيده الدهر قدرًا بقدر ما يتناءى
وقد كنا نتمنى كمواطنين من أهل الحل والربط في المحليات وهيئات وزارة الثقافة الإسراع في اتخاذ قرارات قابلة للتنفيذ  لإزالة عدد من تماثيل الميادين التي باتت لا تليق في عصر جديد تعمل فيه الدولة بكل جدية في إعداد وتنفيذ خطة رائعة لإعادة الوجه الجميل لمدننا في إطار حلم رئاسي ووطني يتحقق بكل نجاح على أرض الواقع لإعادة المشهد البهي لمياديننا وشوارعنا. 
وبالمناسبة، كنا نتمنى وبعد تقديم نموذج رائع للنجاح في تقديم رؤية جديدة لميدان التحرير، وإعداد وإخراج المشهد الحضاري البديع لموكب المومياوات في طريقها للمتحف القومي للحضارة، أن ننظر للميدان المكمل لميدان التحرير (ميدان عبدالمنعم رياض)، حيث لا يليق أن يستمر بقاء تمثال صاحب الميدان الشهيد البطل العظيم عبدالمنعم رياض .. التمثال الذي ينال من شموخ ورفعة رمز عسكري بطل .. من حيث استقامة البدن والجسد المتقزم في فضاء ميدان هو الأكبر في العاصمة.
فهل نطالب شعراء المحروسة لإغاثتنا بقصائد تعبرعن شجوننا وأحزاننا لبقاء ذلك التمثال على قاعدته غير الملائمة هي الأخرى؟!
ونتفق مع تأكيد  "أفلاطون" على أثر الفن على السلوك الاجتماعى. وهو يرى أن يستبعد الفن الذى يؤدى إلى سلوك مرفوض فى المجتمع، وأهمية أن يستخدم الفن الداعم لفعل سلوكيات محمودة فى خدمة المجتمعات.
ولعل أهم ما يميز الفنون عبر التاريخ من وجهة نظر أهل علوم الاجتماع هو الدور الاجتماعى الذى أثرت من خلاله على شكل وأنماط حياة الأفراد والجماعات.
وهنا يبرز دور النقد الفنى فى التعريف وتحليل وقراءة الأعمال الفنية لترقية الذوق العام لدى المتلقى، ومن هنا تبرز أهمية وجود حركة نقدية موضوعية واعية لتنمية الحس الجمالى لدى عموم الجماهير، ولترقى تلك الفنون وتزدهر الحركة التشكيلية.
في مقولة رائعة للرئيس السيسي، أكد "ربنا بيحب الحُسن.. والسلام حُسن.. والخير حُسن.. والتعاطف حُسن.. وأي حاجة قبح مالهاش مكان، أي قبيح مالهوش مكان بيننا. الجمال فقط هو اللي ليه مكان، وإحنا هنا في بلدنا هنقدّم ده، هنقدّم الجمال والحُسن للعالم كله".