رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كسر هيبةِ الأرجنتين والبرازيل

في كل مونديال، وقبل إطلاق صافرة البداية، يقال للناس: ستفوز الأرجنتين أو البرازيل بالكأس العالمية، وهو ما يجعل الاستمتاع بالمباريات مجروحًا إلى حد كبير؛ فالنهاية هكذا محتومة لأحد الفريقين!
في هذا المونديال الذي اصطبغ بصبغة عربية لأنه أقيم على أرض عربية لأول مرة؛ ارتبكت القاعدة الثابتة، وصحيح أن تقليديين كثيرين لا يزالون يرددون، بشكل آلي، نفس المقولة التاريخية المحفوظة، إلا أن هزيمة الأرجنتين من السعودية والبرازيل من الكاميرون؛ وضعت الهزيمتان الجميع في حيرة حقيقية (يمكن، في هذا الإطار، إضافة هزائم ألمانيا وفرنسا وإسبانيا من اليابان وتونس والمغرب على الترتيب) فلا أحد عاد واثقًا، كما كان في الماضي، من جنسية حامل الكأس في آخر المشوار، بعد أن نجحت الفرق الصغيرة في إقصاء الكبيرة، وتفوق العرب والأفارقة والآسيويون على الأمريكيين الجنوبيين والأوروبيين. 
أنا أعتبر ما حدث إيجابيًا بكل معنى الكلمة؛ فالديناميكية الرياضية يناسبها كسر النمط الواحد، والتتويج بالكأس العالمية لا يصح أن يصيب فرقًا بعينها فتندثر الأشواق إلى فن الكرة الممتع مع السنين، إنما المفاجأة تبقي الأشواق كاملة، وأفضل شيء جرى، في الدورة الحالية، مفاجآت شتى، كخروج البرازيل من البطولة بأقدام الكروات في لقائهما المثير بربع النهائي، ووصول المغرب إلى المربع الذهبي على حساب البرتغال!
البرازيليون يستحقون كأس العالم على الدوام فهم سحرة الكرة، والأرجنتينيون يستحقونه، والأوربيون أيضا، نعم هؤلاء يستحقون بالفعل، لكنهم صاروا يواجهون كرة احترفت وتطورت عند الجميع، وليس عندهم بالذات كما سبق، ومن الجميل أن يعترفوا بهذه الحقيقة ويؤمنوا بأن من حق الآخرين أن يحلموا مثلهم بل يحصلوا على الكأس التي اعتادوا هم الحصول عليها وحدهم بصورة مستمرة مستفزة!
لقد مضت العهود التي كان النصر فيها محصورا في عدد محدود من الموهوبين، أو هذه هي الأمنية، وجاء عهد جديد يعطي كل الموهوبين أنصبتهم مهما تكن أسماؤهم ودولهم، وقد تكون أدنى من التوقع لكنها خليقة بالمجد ورفع الراية.
أوشك المونديال أن تمر أيامه الرائعة الغالية، أيامه التي تجمعنا كما تجمعنا الأيام الطيبة بالضبط، وقد علمنا دروسًا بليغة هذه المرة، من بينها أنه قتل توقعاتنا المجانية، وجعلنا لا نعلن البطل قبل أن تعلنه صفارة الحكم النهائية.  
تعني القيمة التي أردت تأكيدها أن كسر هيبة الفرق الكبرى ليس أمرًا مهينًا، حتى لو قصده قاصدون بذاته، بل هو مطلوب لأن فكرة التغيير مهمة، والعالم، كما أشرت آنفا، سوف يصاب بالملل الفادح لو طال العزف الأحادي في ساحات تضج بعشرات العازفين. 
إن الكرة في حاجة ماسة إلى الخلاص من الغرور والتكرار، غرور الكبار المدللين وتكرار انفرادهم بكل كسب وفرحة، فالمغمورون صاروا مشاهير، وملأوا الدنيا إعجابًا بهم، وأتى الوقت الذي يعلنون فيه علوا كالسيل الكاسح!