رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأمل المغربى

عادة يتحدث الإعلام قبل كل مونديال عن الفرق المرشحة لحمل الكأس، معتمدين فى المقام الأول على تاريخ البلد المرشح وتصنيفه من قبل الفيفا، ولكن هذه المرة اختلفت الأمور، فى نصف النهائى هذه المرة لا توجد البرازيل ولا إسبانيا ولا البرتغال ولا بلجيكا ولا إنجلترا «التى خسرت أمام فرنسا المحظوظة وكانت هى الأفضل»، وتأهل من المجموعة الخامسة فريقان لم يُذكر اسماهما فى أى ترشيحات هما المغرب وكرواتيا، المغرب الذى يلعب باسم إفريقيا والعرب اعتبره كثيرون مفاجأة البطولة، ولكن الفريق الذى يصل إلى هذه المرحلة المتقدمة يجب أن يُنظر إليه على أنه من الكبار، ولِمَ لا؟، فريق أطاح ببلجيكا وإسبانيا والبرتغال ويمتلك فريقًا من الموهوبين المنسجمين المنظمين الذين يستمتعون باللعب ويحبون بلدهم ويحلمون له، ويعرفون أن إسعاد أهلهم هدف نبيل. 

وأعتقد أن مباراة الليلة أمام فرنسا هى مباراة متكافئة، وربما كانت حظوظ أشقائنا المغاربة أفضل، لأن دافعهم أكبر، والفريق الذى يلعبون أمامه فريق متغطرس مثل الفرق التى أطاحوا بها، وربما أكثر منهم غطرسة.. سعادة العرب والأفارقة بإنجاز المغرب لا حدود له، لأن الفريق طمأن لاعبى الكرة فى بلادنا على المستقبل، وأن فكرة القوى العظمى المحتكرة للبطولات من الممكن أن تتغير بأقدام لاعبين لا يهابون أحدًا.. تشعر بأن المغرب يلعب باسمك كعربى وإفريقى، ولم أتوقف كما فعل المتهورون أمام تصريح المدرب الموهوب وليد الركراكى الذى قال فيه إنه لم يلعب باسم أحد غير المغرب، لأن الإنجاز الذى حققه فريقه أكبر منه، ونحتاجه تمامًا كما يحتاجه شعبه الطيب الودود، والمتابع لكرة القدم المغربية سيعرف أن هذا النجاح ليس وليد الصدفة، ففى عام ٢٠٠٩، افتتح الاتحاد المغربى لكرة القدم أكاديمية محمد السادس لكرة القدم الخاصة به، التى ساعدت فى تطوير لاعبين دوليين حاليين مثل نايف أكرد ويوسف النصيرى، بالإضافة إلى محاولة اكتشاف المواهب فى الشتات المغربى من خلال توظيف الكشافة من جميع أنحاء أوروبا للعلم بأى لاعب شاب مؤهل فى أوروبا.. بدأ الاتحاد أيضًا الاستثمار فى كرة القدم للسيدات، وتطوير كرة القدم فى المدارس والأندية، بالإضافة إلى إنشاء هيكل دورى وطنى بدعم من اتحاد الكرة، ويعد المغرب حاليًا البلد الوحيد فى العالم الذى لديه مستويان من كرة القدم للسيدات، كلاهما احترافى بالكامل، وحققت الأندية والمنتخبات المغربية للرجال والسيدات عددًا من الإنجازات على المستوى القارى، وفى مونديال قطر وحده حقق أرقامًا قياسية سيتذكرها عشاق اللعبة طوال التارخ، نذكر منها أن المغرب هو أول منتخب عربى وإفريقى يتأهل إلى نصف نهائى كأس العالم، وهو أول فريق إفريقى يتأهل إلى ربع نهائى كأس العالم منذ عام ٢٠١٠، كما أنه رابع منتخب إفريقى يصل إلى ربع نهائى كأس العالم بعد الكاميرون ١٩٩٠ والسنغال ٢٠٠٢ وغانا ٢٠١٠، وحسب إحصائيات الفيفا يمتلك المغاربة أقوى دفاع فى البطولة الحالية، لم تستقبل شباكه غير هدف واحد، وهو أول منتخب عربى يتصدر مجموعته فى كأس العالم مرتين، وحقق لأول مرة فوزين فى دور المجموعات فى كأس العالم، وأول بلد عربى يحصل على ٧ نقاط فى دور المجموعات، كما أنه يعد أكثر المنتخبات العربية تسجيلًا للأهداف فى تاريخ كأس العالم، حيث سجل ١٩ هدفًا قبل مباراة الليلة. 

نجاح المغرب هو نجاح للأحلام البسيطة، واحتفالات الناس على المقاهى والبيوت بعثت الحيوية فى النفوس، وجعلتهم يتجاوزون هزائمهم الصغيرة فى كل العواصم الإفريقية والعربية، الجزائريون فرحانون كأن المغرب يمثلهم، والفلسطينيون يجوبون الشوارع كأنهم هم الذين انتصروا، وفى مصر قلب العروبة وعاشقة اللعبة يوجد فرح حقيقى، بالطبع كنا نستحق التواجد فى هذا المونديال نحن والجزائر، ولكن المغرب عوضنا، ووسط هذا الفرح والغبطة يخرج علينا بعض المتحذلقين الذين يستهينون بهذا الإنجاز، بحجة إبعادنا عن قضايانا المصيرية، يا أخى هذه القضايا ستظل فى مكانها، ودعنا نستمتع ونفرح فى شهر يأتى كل أربع سنوات، السعودية هزم الأرجنتين وتونس هزم فرنسا، والمغرب هزم الذين احتلوه، وبقى الاحتلال الفرنسى الذى نتمنى الإطاحة به الليلة.