رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قانون موحد للنساء لأجل وطن منصف للجميع

اختتمنا هذا الأسبوع حملات مناهضة العنف ضد المرأة، ووجب علينا أولاً أن نتذكر سويا أن تمكين المرأة والحفاظ على حقوقها والاهتمام بقضاياها لوقت طويل حلم بعيد يحتاج لمجهود كبير ليتحقق، وبسعي وإيمان من الرائدات الأوائل بدأت رحلة طويلة تنتقل من جيل لآخر بنقلات، وأحلام تتناسب مع كل عصر، وظل السعي ينتقل من  جيل إلى جيل، مع تكاتف وتسليم من المجتمع المدني أسره على مدار سنوات لتتمكن تلك الرحلة الضخمة من إحراز نجاحات حثيثة، مع كل جيل.

ولا ينكر واع أبدا أن تلك المسيرة الضخمة، والرحلة الشاقة قد أخذت مسارا واستحقاقات مختلفة، مع رؤية القيادة المصرية الحالية، وإيمانها بأن المرأة وقضاياها، يحتاج لدعم وتضامن الدولة، من خلال إطلاق الكثير من المبادرات والاستراتيجيات والالتزامات والشراكات مع المجتمع المدني منذ عام 2014 حتي يومنا هذا.

وهذا الإيمان والدعم الكبير الذي منح من القيادة الحالية، جعل كل التحركات لها شرعية وقوة غير مسبوقة، مما جعلنا قادرين على قول إن كثيراً من الأحلام الأولى، قد أصبحت حقيقة ملموسة على أرض الواقع، وأن موسم الحصاد هذا قد كان خيره فياضا وأن السنين العجاف نستطيع أن ننساها بعد أن عايشنا السنوات السمان.

فقد غُمرنا بثمار طيبة على مدار السنوات السابقة في عدد من المحاور والقضايا كالتمكين الاقتصادي، والتمكين السياسي والقيادي للمرأة، وأخرى في التمكين الاجتماعي، وفي مجال الحماية، ومنها ما سعى في منظور المساواة بين الجنسين، وآخر في دعم المرأة خلال فترات الأزمات والدعم في الجائحة، وما تطرق للتثقيف والوعي، وجهود عظيمة في إطار التشريعات والقوانين تتبناها الدولة بشكل غير مسبوق على الإطلاق، وبإيمان ورغبة حقيقية.

وقد عظمنا الإطار التشريعي والقانوني نظراً لأنه تشعب وتوسع لكل المحاور التي مكنت فيها المرأة، حيث توغل في كل قضية وفي كل محور تمكيني أو آخر للحماية، فلم نجد ملفاً بذل فيه جهد، إلا وقد عدل أو أصدر فيه قانونًا، أو تشريعاً جديداً من أجل مساع حقيقية، ممهدة وشرعية لدعم وتمكين النساء.

فلو نظرنا لمحور التمكين الاجتماعي مثلا فسنجد تغيرات كبيرة في الإطار التشريعي، منه ما حدث في قانون الضرائب من اعتراف بالمرأة المعيلة ووجودها، وحماية للمرأة المسجونة، والتغيرات الكبيرة فى قوانين الحماية الاجتماعية وغيرها.

وما صدر مثلا في إطار الحماية من تعديلات قوية، وواضحة فيما يتعلق بقانون العقوبات فيما يخص التحرش الجنسي، والختان، والابتزاز الإلكتروني والتنمر، وفيما يخص قرارات بوجود وحدات حماية للمرأة أو فيما يخص هيئات النقل العام إلخ، والنقلات الكبيرة التي حدثت في تشريعات، ولوائح التمكين الاقتصادي للنساء، كمثال ما يتعلق بقانون 81 وإجازات الأمهات العاملات، أو ما تعلق بقوانين المشروعات الصغيرة، والمتناهية الصغر والمتوسطة، وغيرها في قانون الاستثمار، وتعديلات في قواعد البنك المركزي وقوانين الميراث، وقد نتبع ذلك ما أحدثته تلك التشريعات في تغير لحماية المرأة، وتمكينها حتى القيادي والسياسي وعلى ذكر التمكين السياسي لا يمكن أن نغفل ما حدث من تعديلات فى نسب تمثيل المرأة في المجالس المحلية، والتعديلات الدستورية فيما يختص بعدد مقاعد المرأة في النواب والشيوخ

ولتستمر السنون السمان والإنجازات السابقة وغيرها بلا انقطاع، فهذا يعني أن سقف الحلم يجب أن يمتد ويعلو، فنحن بحاجة أن نستمر في بذل الجهد، بمزيد من النداءات، التي تهدف لإرادة حقيقية، وخطوات واقعية من أجل إبادة العنف تجاه النساء بلا رجعة، وردع حقيقي، بمفاهيم واضحة لا تحمل أي شك أو تأويل.

وخصوصاً ما يتعلق بالتشريع والقانون فرغم كل الإنجازات والوعود التي حققت بهذا الصدد، إلا أننا كنساء نحتاج لمزيد من الإنصاف والحلول القاطعة فيما يتعلق ببعض المواد التي لازالت تمارس تميزياً ضمنياً بالقانون، كما هو الحال في المادة 274 من  قانون العقوبات والمتعلقة بعقوبة قضية الزنى للأزواج والقتل المربوط بالشرف، واختلاف الحكم في حالة الزوج عن الزوجة.

وأخرى تتعلق بنص المادة 60 من قانون العقوبات، والتي ترتبط بما يدعي حق التأديب للزوجة والابنة وإباحتها له، أو بعض الثغرات فيما يخص المادة 306 بقانون العقوبات والتي تربط بين التحرش وتحقيق المنفعة الجنسية من عدمها، ولا زلنا نأمل بمزيد من التغليظ والتشديد القانوني فيما يتعلق بقضية الختان الأمر الذي بات ضرورياً وملحاً وأيضا قد نجد اختفاء لمواد تطلق الرصاص بلا رحمة ما يدعي العنف الأسرى بكل أشكاله العنيفة كانت أو الفكرية، والتي قد تتسبب فى الحرمان والإقصاء والمنع من منفعة للنساء واجبة وضرورية وقفا لاختياراتهن، ولا نحتاج للخوض فيما يتعلق بكافة نصوص وعقوبات الإجهاض.

إضافة  لعدد من المواد التي تختص بالأحوال الشخصية وتمثل عبئا كبيرا على المرأة، فيما يتعلق بالولاية التعليمية، وحق الرؤية والاستضافة والنفقات، والزواج الثاني، والتطليق القضائي وغيرها الكثير.

وبناء على ما تم ذكره وغيره الكثير قد وُجد المجتمع المدني بجانب إرادة الدولة الداعمة، والقيادة المستنيرة التي تدفع دوما لإيجاد حل للمشكلة بدلا من الثرثرة بلا مخرج ، وهنا بدأ الجميع الخروج من التلميح، للاقتراح للحوار، من ثم للاتفاق بل والصياغة والتعديل لما يدعى بقانون موحد لمناهضة العنف ضد المرأة المصرية، اعتماداً وانطلاقاً من الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة عام 2015.

وهذا القانون الموحد قد انتقل من مسودة لأخرى حتى أصبح أمامنا اليوم في شكله الذي يتضمن سبعة أبواب، ما بين التعريف الاصطلاحي الواضح والمحدد لمصطلحات العنف ضد النساء وإطارها وشكلها السلوكي ومن ثم إجراءات التقاضي بشكل واضح وبمراعاة تامة للثغرات التي كانت تهدم الكثير من القضايا فوق رءوس النسوة، ومن ثم تستكمل باقي أبواب كل الجرائم المتعلقة بالعنف ضد النساء من جرائم جنسية أو إجهاض أو خطف واستغلال، ويرتكز الباب السادس على الجزء الأكثر عمقاً وحداثة فيما يتعلق بالعنف الأسري بأشكاله المختلفة، والتي في اعتقادي ما زالت تحتاج الإضافة نسبياً، ولم يغفل هذا القانون أيضا مراعاة الجانب الوقائي في التنفيذ الإجرائي في بابه السابع والأخير مع التلميح في الخاتمة لكل المواد التي قد تتعارض مع القضاء على المساواة بين الجنسين، أو تمثل تمييزاً واضحاً حتى الآن.

وبناء عليه قد نجد أن حملات الـ 16 يوماً لمناهضة العنف ضد النساء، قد اهتمت- باستماتة- بدعم وجود قانون موحد للعنف ضد المرأة، وسعيها لأن يدخل القانون إلى حيز التشريع والتنفيذ في العاجل، وعلى النقيض قد نجد البعض يراهن على أن هذا الأمر لن يسمن ولن يغني من جوع في إنهاء حالة العنف ضد النساء دون تغيير الأفكار والمعتقدات.

ورغم إيماني الكامل بأن الأمرين متكاملان تماماً وأن السعي لتغيير الأفكار أمر واجب وعقيدة تنموية هامة، لكن القانون هو المعيار وهو المرجع لكل المواطنين على مختلف ضمائرهم، هو الميزان الحساس والمنظم لمواطنتنا مهما اختلفت مواقعنا وأفكارنا، ومن ثم فإن وجود مرجع شرعي متوازن شامل بلا تمييز هو أساس لدحض أي أفكار غير سوية قد تبنى أو تستغل مرجعنا لنفاذ سلوكها وأفكارها الإجرامية تجاه النساء.