رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدولار وانفجار الأسعار

لا شك أن العالم الآن يمر بمشكلة اقتصادية عميقة ومتفاقمة لأسباب كثيرة خاصة بكل دولة وعامة على مستوى دول العالم كله.. مع العلم أن آثار كورونا والحرب الروسية- الأوكرانية ليستا من الأسباب الحقيقية لتلك الأزمة وحدهما. فبالنسبة لمصر مثلا فالمشكلة الاقتصادية أسبابها ذات جذور ممتدة بدأت بتصاعد عجز الموازنة «إيرادات أقل من المصروفات»، «عام ١٩٨٧ كان العجز خمسة مليارات جنيه»، عامًا بعد آخر، وكان ذلك فى ظل زيادة الديون الداخلية «حوالى خمسة تريلونات جنيه» والديون الخارجية «حوالى ١٥٠ مليار دولار» وزيادة عجز الميزان التجارى الذى أعجزه زيادة الاستيراد «خاصة الاستيراد الاستهلاكي والترفيهي، مثل استيراد أكل القطط والكلاب من الخارج». 

وبالطبع فقد كان من ضمن الأسباب الحقيقية لذلك استبدال مصادر الدخل الإنتاجية من الصناعة والزراعة إلى مصادر ريعية «قناة السويس والسياحة وعائد العاملين بالخارج».. نعم فى أواخر العقد الأول من القرن الحالى زاد معدل النمو رقميا ولكن دون عدالة فى التوزيع نتيجة لتزاوج المال بالسلطة الممتزج بالفساد. وكان الثمن الذى دفعه الاقتصاد وفاقم المشكلة بعد التخريب المتعمد من بعض القوى السياسية المتاجرة بالدين فى ٢٥ يناير. فزاد العجز وانفجر الاستيراد وتفاقمت الديون بأنواعها وتزلزل الاحتياطى بالعملة الصعبة من ما يقرب من أربعين مليارا إلى خمسة عشر مليارا!! فكيف كان الوضع؟ للأسف فبدلا من الاتجاه إلى الزيادة الإنتاجية صناعيا وزراعيا حتى نخفض الاستيراد ونزيد التصدير لكى نحصل على العملة الصعبة لمواجهة الاحتياجات، ذهبنا إلى صندوق النقد الذى وضع على كاهلنا شروطا لا تتوافق مع ظروفنا الاقتصادية والاجتماعية فى هذه المرحلة، فزادت الديون وزاد الاحتياج للدولار، وتفاقم العبء على المواطن الفقير وغير الفقير دفعا لثمن سياسة ذلك الصندوق!!! الشىء الذى أوصلنا أن نخصص أكثر من ثلاثة أرباع الموازنة لسداد أقساط الديون الخارجية وفوائدها!! إضافة إلى سحب الأموال الساخنة «عشرين مليار دولار» من الاحتياطى النقدى بعد كورونا والحرب الأوكرانية، مما جعل الاحتياج للدولار شيئا حتميا ومصيريا. فكان تعويم الجنيه عام ٢٠١٦ ثم لحقه التعويم فى هذا العام والذى فاقم مشكلة الاحتياج للدولار. فوجدنا زيادة الدولار زيادة غير مبررة استتبعتها زيادة انفجارية للأسعار المرتبطة بالدولار وغير المرتبطة على الإطلاق.. نعم هناك علاقة بين الدولار وأسعار السلع المستوردة «قمح، زيت.. إلخ» ولكن ما علاقة ذلك بسلع لا يدخل فيها أى مكون أجنبى؟ وهل الزيادات تتوافق نسبيا مع زيادة سعر الدولار؟ أما المصيبة الحقيقية فهى تلك السوق السوداء للدولار، فنجد سعر البنك مثلا ٢٣ جنيها للدولار أما فى السوق السوداء فنجده بـ٣٥ جنيها!!!! مع العلم أن هذا الأمر لا يمثل الوضع الاقتصادى الحقيقى. 

ولكن من المعروف أن هناك مافيا تدير عمليات لهدم الاقتصاد الوطنى وقد تكرر هذا قبل ذلك!! فعائد العاملين فى الدول العربية خاصة الخليج يأتى إلى داخل مصر لوجود عائلات المغتربين ومشاريعهم، وهذا غير المهاجرين فى أمريكا والغرب. لذا نجد هذه المافيا تقوم بجمع الدولارات من المصريين فى دول الخليج وتعطيهم نقودا مصرية فى مصر، وبذلك تحصل على الدولار وتمنع وصوله إلى مصر، فى الوقت الذى لا مانع أن تضحى تلك التنظيمات بمئات المليارات لهدم الاقتصاد والوطن.. هنا نقول: أين إدارة الأموال العامة فى وزارة الداخلية من هذه السوق السوداء، فالبيع والشراء يتم على رءوس الأشهاد وعلنا؟، وأين التواصل مع الأجهزة الأمنية فى تلك الدول؟ فالمصائب ستحل على الجميع. فهل الحكومة لا تعى ولا تدرك الحل الذى أصبح تقليديا ولا يحتاج إلى علماء اقتصاد، وهو ضبط الاستيراد لأى سلعة استهلاكية تماما. هو زيادة الإنتاج لزيادة التصدير؟.. نتحدث عن الاستثمار ولا نجد على أرض الواقع أى صدى فعلى لهذا الحديث.. ما دور الحكومة والبرلمان فى زيادة الإيرادات الفعلية وهى كثيرة «بعيدا عن الضرائب فقط» وتقليص المصروفات؟. «بعد النكسة كنا نحلى الشاى بالحلاوة» لأن الجميع كان يدفع الثمن وهذا غير ما نراه الآن. أين البرلمان والأحزاب الصورية؟ وأين المؤسسات الحكومية فى النزول إلى الشارع وإدارة حوار حقيقى مع الجماهير بالمصارحة والشفافية حول الموقف وخطورته حتى يشارك الجميع فى الخروج من هذه الأزمة التى سيدفع الجميع ثمنها؟.. حفظ الله مصر وشعبها العظيم الذى دائما ما يدفع الثمن من أجل الوطن العزيز والغالى.