رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خيرى شلبى: نجيب محفوظ أعاد صياغة التاريخ المصرى فى كل رواياته

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

في الصورة القلمية التي كتبها الروائي خيري شلبي عن أديب نوبل العالمي نجيب محفوظ، والمولود في مثل هذا اليوم من العام 1911، يذهب «شلبي» إلى أن نجيب محفوظ كان يعيد صياغة التاريخ المصري في كل رواية جديدة يكتبها. 

ويلاحق الأحداث السياسية والاجتماعية الكبيرة، إلى أن جاءت رائعته العظيمة «أولاد حارتنا»، التي سجل فيها قصة الضمير، وكيف بزغ فجره على أرض مصر ليشمل العالم كله، قصة احتياج الإنسان للقيم الروحية في مواجهة عصر العلم المادي، وحينما أسيئ فهم هذه الرواية العظيمة وتصدت له قوى الظلام لم يشعر هو بالإحباط أو الخذلان، إنما بدأ يعيد صياغة الموضوع من جديد في رائعته الفذة «الحرافيش»، مسجلًا فيها نفس القصة، قصة الضمير الإنساني، قصة الشعوب المغلوبة على أمرها، المغبونة، الرازحة تحت نير الفتوات والبلطجية، لتنتهي الرواية بهذه الرؤية النفاذة: التوت والنبوي، لتثير عقل مثل هذه الأمة بأنها لن تحصل على حريتها المرجوة إلا بقوة العلم والاستنارة.

ويشدد «شلبي» على أن نجيب محفوظ ظل طوال ما يزيد على نصف قرن في الزمان يواصل العطاء بغزارة دون كلل أو ملل، لا غرو فإنه ذلك البناء الشامخ الساحق، إنه في حد ذاته معمار هندسي فذ، كما قال في خطابه أمام لجنة جائزة نوبل: «نتاج ثقافتين عظيمتين: الفرعونية والإسلامية». 

روح نجيب محفوظ الوطنية

وعن بداية كتابات نجيب محفوظ ولماذ اتجه إلى كتابة الرواية التاريخية، تحديدًا عن التاريخ المصري القديم، يوضح خيري شلبي، في مقاله المعنون بـ «الحارث»، والمنشور في مجلة نصف الدنيا: «كانت فترة العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، هي فترة انبعاث التاريخ المصري الفرعوني في أزهي مراحله، حيث نشط علماء المصريات في الاكتشافات».

وثمة حافز آخر كان وراء اهتمام نجيب محفوظ بالبحث في التاريخ المصري الفرعوني عن موضوعات تصلح لكتابة الرواية، بدأ نجيب محفوظ بكتابة رواياته عن التاريخ الفرعوني مدفوعًا بروح وطنية تقاوم فكرة الاحتلال وفكرة محو التاريخ المصري، والطريف أنه كتب أول ما كتب بهدف الاشتراك في مسابقات كانت تقام حينذاك للقصة والرواية، فكان هناك جائزة المجمع اللغوي، وجائزة وزارة المعارف العمومية.

ويلفت «شلبي» إلى أنه بصرف النظر عن الأسباب والدوافع فإن الروايات الثلاث الأولى: «كفاح طيبة، ورادوبيس، وعبث الأقدار»، كتنت تعتبر أول محاولة فنية حقيقية في بناء رواية عربية تستوفي جميع شروط وعناصر التقنية الفنية التي كانت قد ترسخت آنذاك، وأصبح العالم كله مشاركًا في ترسيخها وتطويرها.

الصدق الفني في روايات نجيب محفوظ

ويوضح خيري شلبي عن نجيب محفوظ: «من دلائل الصدق الفني المبكر الذي ضرب المثل عليه نجيب محفوظ في بواكيره، أن الكاتب اتجه إلى الكتابة عن ناس يعرفهم حق المعرفة، عن الحارة المصرية التي تربي في أحضانها وأصبح خبيرًا بنماذجها الإنسانية المتفردة وأنماط حياتها المثيرة للخيال».

وعلى التحديد اختار الحارة التي ولد ونشأ فيها، منطقة بيت القاضي في حي الجمالية بملحقاته من الحواري والمنعطفات والأزقة، المشهد الحسيني، زقاق المدق، بين القصرين، قصر الشوق، السكرية، خان الخليلي، كل هذه أسماء أمكان حميمة شهدت طفولة نجيب محفوظ وصباه، مثلما شهدت أنواعًا من الحياة الحافلة لا مثيل لها في أي بقعة من العالم، حياة الفتوات، العربجية، التجار، الحرفيين، الشحاذين، المتسولين، الدراويش، الباعة الجائلين، المشايخ، صناع العاهات، وغيرهم.