رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المغرب ومصر «2- 1» تاريخ مشترك

«ألف مبروك للمغرب» هذه هى العبارة التى يرددها أكثر من مائة مليون مصرى منذ نجاح المغرب فى الصعود إلى دور الثمانية فى كأس العالم المقام على أرضٍ عربية هى قطر. لم أسمع كلمة حسد أو غِل من أى مصرى على نجاح المغرب فى كأس العالم، مقابل عدم تأهل مصر، بل حب ودعاء، وكأن مصر هى التى صعدت. هنا أهمية ما صنعته كرة القدم، وفشلت فى تحقيقه السياسة، أقصد التاريخ المشترك، والمصير الواحد.

لم يكن أول لقاء لى مع الإخوة المغاربة على أرض المغرب الحبيب، بل فى باريس، فى البيت المغربى فى المدينة الجامعية الدولية. لا أستطيع أن أصف لكم مقدار الود الذى استُقبِلت به عندما عرف الزملاء المغاربة بوجود مصرى فى «دار المغرب» كما يطلقون عليه. بدأنا فى تبادل مشاعر الود، حيث أعرب الزملاء المغاربة عن عشقهم لمصر، وكانت عبارتى التقليدية طبعًا «علشان مصر أم الدنيا»، وهنا جلجلت ضحكات الأصدقاء المغاربة؛ أكمِل المثل: «مصر أم الدنيا... والمغرب أبوها». بالقطع كان المقصود التاريخ المشترك والارتباط المصيرى بين البلدين.

تذكرت هذا اللقاء، ودائمًا للقاء الأول بالمحبوب ولعٌ خاص، ووجدتنى أعود إلى دراسة مهمة عن تاريخ العلاقات المصرية المغربية فى العصر الحديث. والمثير فى هذا الكتاب ليس فقط حجم المعلومات والتوثيق، لكن أيضًا فكرة إعداد هذا الكتاب؛ إذ قام على تأليفه اثنان من أهم أساتذة التاريخ الحديث فى البلدين: الدكتور يونان لبيب رزق، والدكتور محمد مزين. ومن الجدير بالذكر أن فكرة إعداد هذه الدراسة وُلِدَت على أرض المغرب، أثناء إعارة دكتور يونان لبيب رزق إلى جامعة فاس، وهذه صفحة مسكوت عنها: دور الأساتذة المصريين فى تعريب جامعات بلاد المغرب العربى. والشىء بالشىء يُذكر، ففى الوقت نفسه، وربما فى الجامعة نفسها، كان يقوم بتدريس الفلسفة الدكتور حسن حنفى، ويقوم بتدريس التاريخ الإسلامى الدكتور محمود إسماعيل. ولا تزال ذكرى هؤلاء الأساتذة فى قلوب وعقول تلاميذهم من أساتذة المغرب الحبيب.

نعود من جديد إلى الدراسة المهمة عن تاريخ العلاقات المغربية المصرية فى العصر الحديث؛ حيث توضح الدراسة منذ البداية القسمات المشتركة بين البلدين، هذه القسمات التى انعكس أثرها على رسم طبيعة العلاقات بينهما، بل لا أبالغ إذا قلت على رسم المصير التاريخى لكلا البلدين.

تبدأ الدراسة بالعامل الجغرافى وأثره على رسم المشترك بين البلدين: «يتحكم المغرب فى الباب الغربى للبحر المتوسط وتتحكم مصر فى بابه الشرقى». فى إشارةٍ إلى موقع المغرب على مضيق جبل طارق من ناحية والمحيط الأطلسى والبحر المتوسط من ناحية أخرى، وتحكم مصر فى الشرق وعن طريق قناة السويس فى العلاقات بين البحر المتوسط والبحر الأحمر والشرق الأقصى. وترصد الدراسة كيف ساعد الموقع الجغرافى المهم والفريد فى إطلالة المغرب ومصر على أوروبا، وبدايات عملية التحديث لا سيما فى القرن التاسع عشر.

كما يرصد الكتاب ظاهرة «الدولة المركزية» فى كل من مصر والمغرب، والمعبر عنها عند علماء التاريخ والعلوم السياسية بنظام «الميرى» فى مصر و«المخزن» فى المغرب، أى دور الحكومة المركزية وسلطة القصر، وهذا ما أتاح لكل من المغرب ومصر منذ عصر محمد على فرصة وجود الدولة بعيدًا عن سيطرة الدولة العثمانية. كما ترصد الدراسة ظاهرة المؤسسة الدينية ودورها فى تاريخ البلدين، فكما عرفت مصر «الجامع الأزهر»، عرف المغرب أيضًا «جامع القرويين»: «أدى وجود أزهر القاهرة وقرويين فاس إلى علاقة خاصة بين مصر والمغرب تمثلت فى ذلك التيار من العلماء والأفكار، مما استمرت تتبادله المؤسستان الإسلاميتان العتيدتان على مر العصور».

الحديث لا ينقطع عن المشترك بين المغرب ومصر، وللحديث بقية.