رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المشير فؤاد ذكرى.. نجم فى سماء البحرية المصرية

في لقائه الإعلامي شريف عامر سرد الدكتور مصطفى الفقي حكاية حدثت بين الأستاذ محمد حسنين هيكل وصديقه القديم الكابتن صالح سليم، حيث أنهما لما دخلا مطعمًا لتناول الطعام تهافت الناس حول صالح سليم للسلام عليه والحديث معه، وتركوا الأستاذ هيكل تمامًا ولم يعبأ به أحد، مما أوقع سليم في حرج بالغ حكى على أثره هذا الموقف لزوجته وهو في حزن شديد.

نروى هذا الموقف لندرك به أن نجومية الإنسان وشهرته لا علاقة لها إطلاقًا بما يحويه من علم ومعرفة وقيمة وعطاء، فليس أكثر من الأستاذ هيكل قيمة ثقافية ومعرفية وقتها وإنما تخضع قوانين الشهرة لمقاسيس ومعايير مختلفة تتباين بين مجتمع وآخر وبين بيئة وأخرى.

إنني وفي معرض حديثى عن قامات هذا البلد العريق وبينما نتناول قضية النجومية يحضرني تكريم المشير فؤاد ذكرى منذ أيام على يد الرئيس السيسي في الإسكندرية... حسنًا فعل الرئيس أن يلقي الضوء على رجل من القامات الذين لا يعرفهم كثير من أبناء الجيل الجديد، 
فكثير هم القادة الذين قدموا لهذا البلد عطاء وفيرًا ولم ينالوا بعد حظهم من الشكر والتقدير.

والمشير فؤاد ذكرى هو نجم البحرية المصرية ولا شك، فقد التحق بها منتصف الأربعينيات من القرن الماضي وحتى نهاية السبعينيات وكان المسئول عن البحرية المصرية في أعظم حروب العصر الحديث وهى حرب أكتوبر عام 1973.
وقد تولى مسئولية إعادة بناء القوات البحرية بعد حرب يونيو 67 وخطط لأروع إنجازاتها في حرب الاستنزاف، فخلال توليه المسئولية تمكنت القوات البحرية من إغراق المدمرة إيلات قبالة ساحل بورسعيد في أكتوبر 67، أى بعد ثلاثة شهور فقط من حرب يونيو 67، وكانت من أهم عمليات ذلك البطل... كان ذلك أمرًا بالغ الصعوبة فقد كان منشغلًا بإعادة تنظيم القوات البحرية بعد الحرب خاصة تلك القوات التي كانت مستهلكة في إغلاق مضيق باب المندب والذى كان سببًا في قيام الحرب، ومع ذلك مضى يخطط لعمليات هجوم شاملة يواجه بها العدو قبل أن يتوج مسيرته بالنجاح في حرب أكتوبر.

ولأن الحياة لا تدوم على حال فقد عُزل اللواء- وقتها- فؤاد ذكرى من منصبه على إثر حادث الإنزال البرمائي الإسرائيلي في منطقة الزعفرانة جنوب العين السخنة... اعتبر الرئيس عبدالناصر ذلك تقصيرًا من قائد البحرية ومن ثمَّ أقاله من منصبه... أُقيل كذلك على إثر هذا الحادث رئيس أركان القوات المسلحة وقتها اللواء أحمد إسماعيل على.

ويتولى الرئيس السادات مقاليد الحكم وبعد عام من توليه منصبه يحدث تغييرًا شاملًا في قيادات الجيش المصري استعدادًا للمعركة واستعادة الأرض المصرية، ويتم تعيين اللواء أحمد إسماعيل على رئيسًا لجهاز المخابرات العامة ويعود اللواء بحرى فؤاد ذكرى في أكتوبر 1972 قائدا للقوات البحرية مرة أخرى... إنه الزمان حين يدور دورته ولا يعلم أحد بما تأتي به الأيام.

وينطلق اللواء فؤاد ذكرى فى الاستعداد وتنظيم القوات البحرية مرة أخرى، ويبرز دور البحرية المصرية في حرب أكتوبر من خلال إغلاق مضيق باب المندب في وجه الملاحة الإسرائيلية وزرع الألغام البحرية على الرغم من أنها لم تشن أى هجوم على القطع البحرية الإسرائيلية وقتها. لكن قطعة بحرية لم تجرؤ على عبور مضيق باب المندب طوال الحصار.

بعد انتهاء الحرب صدر قرار من مجلس الشعب بأن يظل قادة حرب أكتوبر في مناصبهم مدى الحياة.. كان من بينهم اللواء فؤاد ذكرى إلا أنه اعتذر عن ذلك المنصب وهذا القرار وأصر على ترك موقعه رسميًا أكثر من مرة حتى استُجيب لطلبه.

وقد غادر هذا البطل الحياة بعد صراع مع المرض في شتاء عام 1983 عن عمر يناهز التاسعة والخمسين عامًا... 
رحم الله البطل المشير فؤاد ذكرى وسائر أبطالنا ورزقنا أدب التعلم من حياتهم وسيرتهم العطرة.