رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صفحة يكتبها عظماء الصحافة المصرية

عباس الطرابيلي يكتب: المصريون بنوا مدينة تنافس باريس منذ قرن ونصف «2-2»

عباس الطرابيلي
عباس الطرابيلي

إحدى مشاكل التاريخ فى مصر أننا نكتبه بوجهة نظر عاطفية أحيانًا وسياسية أحيانًا أخرى، وأننا نختزل بعض المراحل فى مشهد واحد رغم أنها تحتوى على آلاف المشاهد، وأننا نذكر السلبيات دائمًا وننسى الإيجابيات أحيانًا، رغم أنه لا توجد مرحلة بلا إيجابيات ولا سلبيات.. أما المشكلة الأكبر فهى أننا نعتبر أن من يعمل مساوٍ فى تاريخنا لمن لا يعمل، وأننا إذا كرهنا الحاكم لأى سبب أهدرنا إنجازاته وأنكرنا ما أعطاه للبلد من جهد وعرق وتغيير ملموس نعيش فى نتائجه حتى الآن.. ولعل أكبر نموذج على ذلك هو خديو مصر إسماعيل بن إبراهيم بن محمد على وهو حاكم من أهم الحكام فى تاريخ مصر لكننا اختصرنا صورته فى أنه الرجل الذى يطارد المطربة «ألمظ» فى فيلم «ألمظ وعبده الحامولى» أو أنه الرجل الذى تعمد أن تمر العربة التى يركبها مع الإمبراطورة «أوجينى» على مطبات كثيرة حتى يستطيع أن يميل عليها بجسده.. وهو خيال شعبى تافه ومراهق.. وصورة سلبية رسمت لأسباب سياسية بعد ثورة يوليو ولم يعد لها أى داعٍ الآن.. فقد انتهى حكم أسرة محمد على إلى الأبد لأنها فقدت شرعية الإنجاز فى عهد آخر حكامها فاروق.. لكن يبقى أن علينا أن نعرف تاريخنا وأن ندرك أن هذه المدينة التى نعيش فيها ونفخر بها رغم كل شىء بنيت نتيجة عرق وجهد وتخطيط.. وتمويل.. وأن هذا الجهد استدعى أمورًا مشابهة لما يعترض عليه البعض الآن دون فهم أو وعى.. ومن المعلومات المهمة جدًا فى المقال الذى ستقرأه بعد قليل أن منطقة العتبة كانت منطقة مقابر، وأن على باشا مبارك جمع العظام التى كانت موجودة فى المقابر ودفنها كلها فى مسجد عُرف باسم جامع العظام فى عابدين.. ولولا هذه الخطوة لما كان لدينا ميدان العتبة الذى يؤمه ملايين المصريين يوميًا.. ويكسبون أرزاقهم بطرق مختلفة من أنواع التجارة المستقرة فيه.. إن أسوأ ما يحدث لبلد أن يعتبر أن الحاكم الذى يعمل مثل الحاكم الذى لا يعمل.. وأن الذى يبنى مثل الذى يهدم وأن الذى يؤسس مثل الذى يبيع.. فى الكتاب التالى يروى الأستاذ عباس الطرابيلى قصة أحياء القاهرة المختلفة وكيف ظهرت تاريخيًا وكيف تطورت.. وهو فى هذا الفصل يتحدث عن نشأة القاهرة الخديوية وكيف اتخذ الخديو إسماعيل قرار إنشائها وكيف أشرف على الإنشاء على باشا مبارك زميله فى دراسة الهندسة فى باريس وكيف خطط لأحياء القاهرة الجديدة المهندس الفرنسى «هوسمان» بعد أن انتهى من وضع خطة تطوير باريس؟.. فى السطور التالية جزء من تاريخ مصر يجعلنا نشعر بالفخر حين نقرأه لأننا سبقنا من حولنا بسنوات طويلة جدًا.. ويجعلنا أيضًا نشعر بالحماس لأن نستعيد ما كنا عليه وأن نحافظ على ما لدينا ونطوره ونضيف إليه، ويجعلنا أيضًا نشعر بالأسى من أجل الذين لا يقرأون التاريخ ويعترضون على التطوير والبناء لأسباب متعددة.. قد يكون من بينها الجهل أو سوء النية أو أى سبب آخر.. قراءة ممتعة لقصة تأسيس القاهرة الخديوية فى السطور التالية بإذن الله.

وائل لطفي                       

ولأن إسماعيل كان يحلم بمدينة عصرية، تنافس العواصم الأوروبية التى رآها أو عاش فيها مثل فيينا وباريس وروما التى زارها، كان لا بد لها من «قيادة» تتولى إدارة المدينة والإشراف على نظافتها وتعميرها.. فكان لا بد من .. البلدية!!

وجاء القرار بإنشاء بلدية القاهرة يوم ١٤ المحرم ١٢٨٦هـ- ٢٧ أبريل ١٨٦٩م، فقد صدرت إرادة سنية لرئيس القومسيون الخصوصى من الخديو إسماعيل بإنشاء وتشكيل وترتيب جمعية خصوصية بشكل «مونسبليه»، أى مجالس بلدية للقاهرة.. حيث إن الأنظمة والأعمال النافعة الجارى عملها فى مدينة القاهرة، والمقرر إجراؤها فى المستقبل، كلما تقتضى الضرورة، وأن إدارة البلدة واستحصال لوازمها تقتضى ذلك، كما هو جارٍ فى سائر البلاد، لتتولى تنظيم وعمران المدينة، ويكون كل ذلك بمعرفة هذه «الجمعية الخصوصية»، وحيث إنه من الضرورى منح الجمعية المذكورة صلاحية تقدير زيادة بعض المصروفات الخاصة لاحتياجات البلدة كلما تمس الحاجة، مع طرح رسوم وعوائد بمعرفة الجمعية خلال الرسوم والعوائد المقررة لغاية الآن، لحصول التوازن فى الإيرادات والمصروفات!! وتقرر فصل إيراد ومصروفات القاهرة عن نظارة المالية وإسناد ذلك إلى البلدية.

وحتى تستكمل القاهرة أجهزتها وخدماتها، كان لا بد من إنشاء قسم للمطافئ، وكان لا بد من الاستعانة بالخبرة الأجنبية، وطلب الخديو إسماعيل من مستر ستانتون قنصل عام إنجلترا أن يرسل إلى حكومته لكى ترسل خبيرًا كبيرًا ليدرس الموضوع على الطبيعة، فيرسل القنصل العام الإنجليزى فى مصر رسالة إلى وزارة الخارجية الإنجليزية يوم ٨ فبراير ١٨٧٥، يقول فيها «يود الخديو استشارة اليوزباشى شو رئيس فرقة المطافئ فى لندن، فى الإجراءات التى تتخذ ضد الحريق، وتنظيم فرقة المطافئ بالقاهرة. وقد كلفنى الخديو بأن أطلب من سعادتكم أن تتفضلوا فترخصوا لليوزباشى شو فى المجىء إلى مصر للإقامة فيها بضعة أيام، للإدلاء برأيه فى هذا الشأن».

وكان لا بد من تنظيم المرور فى العاصمة، بعد أن اتسعت، ولهذا أصدر الخديو إسماعيل نطقًا كريمًا إلى مأمور ضبطية مصر يوم ٩ المحرم عام ١٢٨٠هـ- ١٨٦٣م، يقول نصه «من المعية إلى مأمور ضبطية مصر: صدر النطق الكريم بإجراء ترتيب المقدار الكافى من (القواصة) السوارى على الطرق الطويلة، مثل شبرا ومصر عتيقة وبولاق والشوارع الأخرى، لمراقبة سير العربات، حيث وصل إلى مسامع الحضرة الخديوية أنها جارية بسرعة. وبهذا السبب جارىاصطدام بعض الأهالى بسبب سيرها بسرعة، مع إلقاء التنبيهات الشديدة على القواصة المذكورين بعدم تعرضهم إلا لمن كان سائرًا بسرعة، وإنه إذا لوحظ مثل ذلك بأن يتعقبوه ويضبطوه لأجل معاقبته، ليكون عبرة لغيره، ووقاية لعابرى الطريق من عباد الله».

ولكن كيف كان الأجانب يرون ما يجرى فى القاهرة فى عصر الخديو إسماعيل؟. تعالوا نقرأ شهادة مجموعة من المسئولين الأجانب:

يقول مستر بيردسلى، قنصل الولايات المتحدة، فى رسالة إلى وزارة الخارجية الأمريكية، بعث بها من القاهرة يوم ٩ نوفمبر ١٨٧٢: »رأى إسماعيل ما يترتب من الفوائد على إنشاء مركز دائم لحكومته، تلتف حوله شتى الوزارات، فقرر ألا يجعل القاهرة عاصمة ملكه فحسب، بل أن يجعلها عاصمة تليق بمصر، لذلك أنفق أموالًا كثيرة وبدأ الجهود فى همة قلما يتحلى بها أمير شرقى، فعكف على العمل فى السنوات الخمس الأخيرة، لتجميل هذه المدينة، التى يمكن تفضيلها اليوم على عدة عواصم أوروبية!!».

ويقول فى رسالة أخرى وأيضًا إلى وزارة الخارجية الأمريكية، بعث بها يوم ١٥ سبتمبر ١٨٧٣ من القاهرة:

«بلغ التجميل والتبديل فى القاهرة من بضع سنوات، مدى يصعب على الأجنبى تقدير طبيعته ومداه حق التقدير. وسكان القاهرة نصف مليون نسمة، وهى قائمة بالقرب من المقطم، وعلى مسيرة ميل ونصف من النيل (لاحظوا) ومنذ ست سنوات لم يكن حيز الواقع بين القاهرة والنيل وبولاق إلا أرضًا واسعة منخفضة، تغمرها مياه الفيضان، ولا يزرع منها غير بقع عند انحسار هذه المياه. وهذا الحيز اليوم هو الحى الجديد الجميل، ويسمى بحى الإسماعيلية، تكريمًا لسمو الخديو. وقد ردم على ارتفاع يتراوح بين ست أقدام وثمانٍ بالأتربة التى جلبت من أنحاء المدينة. وقد خططت فيه طرق واسعة لسير العربات، تحف بها الأشجار، ومنحت الأرض بالمجان (لاحظوا) لمن يتعهد بأن يقيم عليها بناء معين الرسم. وهكذا أنشئت مدينة جديد تمامًا تتألف من أبنية رائعة، تمتد من المدينة القديمة إلى ضفاف النيل، فكأنها نشأت بفعل من السحر».

ويمضى قنصل عام أمريكا، يقول فى تقريره لوزارة خارجيته، وهو يصف القاهرة وأعمال الخديو إسماعيل:

«كانت البقعة الشاسعة المعروفة باسم الأزبكية، تقوم على جوانبها مجموعات من الدور الأوروبية، يتألف منها الحى الأفرنجى، ولم تكن هذه البقعة أيام الفيضان إلا بحيرة واسعة، فإذا انحسرت المياه أصبحت مأوى للكلاب، ومسرحًا للجنايات. ومجتمعًا للسوقة.. وقد استحالت اليوم إلى حديقة عمومية رائعة الجمال ذات ممرات رملية وطرق ظليلة ومروج خضراء. ومما يأخذ فيها بالألباب بحيرة صناعية هى آية فى الجمال، وتحف بهذه الحديقة أبنية أخاذة المنظر منسقة على طراز واحد».

«وفى داخل المدينة، خطت طرق جديدة واسعة، توفر سبل المواصلات، وتجلب الهواء والنور إلى أحياء تزدحم بالسكان، وتوفر الآلات الماء العذب لأحياء المدينة بأسرها، مقابل مساهمة فى النفقات اللازمة، وهناك مصنع للغاز يورد ٦٠٠٠ متر مكعب فى اليوم ينير الطرق والميادين العامة».

«والطرق الجديدة كلها مرصوفة رصفًا متقنًا، ومحفوفة بالأفاريز (الأرصفة) وبها مجارٍ!! وأنشئ فى شمال المدينة حى جديد اسمه «الفجالة»، وفى الشمال الشرقى خط حى جديد آخر، وتجرى الأعمال لردم الحفر ولتعبيد الأرض. وقد تراكمت عليها أكوام من الأتربة نقلت إليها من أطراف المدينة على مر الأحقاب.. ويخترق هذين الحيين طريق واسع، يوصل إلى موقع هليوبوليس القديم وإلى العباسية، على طرف الصحراء، حيث تقوم المدارس الحربية».

ويختتم قنصل عام أمريكا فى مصر مستر بيردسلى تقريره إلى وزارة الخارجية الأمريكية فيقول: 

«وكذلك أنشئ طريق جميل جدًا للعربات ينتهى إلى الأهرام، ويجتاز الجسرين الجديدين فى الجزيرة (يقصد كوبرى قصر النيل القديم وكوبرى الجلاء) ويجرى العمل على تحويل هذه الجزيرة (يقصد جزيرة الزمالك) تحويلًا سريعًا إلى حديقة عمومية غناء. وسيقام فيها أيضًا المتحف المنوى إنشاؤه عن قريب.. وكذلك يشرع فى إنشاء حديقة شاسعة شرقى الجزيرة. وشيد الخديو مسرحًا كبيرًا جدًا للأوبرا الإيطالية، وآخر أصغر منه للكوميديا الفرنسية وبنيت حنفيات عمومية كبيرة ومساجد وقصور عديدة وفى كل النواحى نشاهد آيات النشاط والتحسين، تذكر نشاط الغرب، أكثر مما تذكر عادات الشرق..».

أما رينى بك فيذكر، فى كتاب صدر عام ١٨٧٣، أن طول الطرق العامة زاد من ١٨ ألف متر إلى ٤١ ألفًا و٨٠٠ متر. وزادت مساحة الطرق من ١٤٧ ألف متر مربع إلى ٥٤٧ ألف متر مربع!! كما بنى فى القاهرة فى عصر إسماعيل ٢٠ مسجدًا جديدًا منها مسجد الرفاعى، المبنى على طراز فخم بالقرب من القلعة، وقد قامت بنفقاته سمو الأميرة والدة الخديو، ولهذا المسجد ملحقاته: ملجأ للأيتام وتكية للنسوة العاجزات.

وعلينا أن نعترف بأن القاهرة التى بدأت بمساحة كلية هى ٣٤٠ فدانًا عام ٩٦٩م قد اتسعت وزادت مساحتها فى عصر أسرة محمد على باشا ١٠٠٠ فدان، معظمها تم فى عصر الخديو إسماعيل. ولكن ماذا عن التقسيم الإدارى، بعد أن اتسعت المحروسة وأصبحت بهذا الاتساع الكبير؟

يقول على باشا مبارك فى الخطط التوفيقية التى كتبها وطبعت بأمر الخديو توفيق فى مطبعة بولاق الأهلية بين عامى ١٨٨٨ و١٨٨٩م، وصدرت الطبعة الثانية منها عام ١٩٦٩م: كانت أقسام وأحياء القاهرة أيام الخديو إسماعيل وابنه الخديو توفيق مكونة من ١٠ أحياء أو أثمان، هى أثمان: الموسكى.. الأزبكية.. باب الشعرية.. الجمالية.. الدرب الأحمر.. الخليفة.. عابدين .. السيدة زينب.. مصر العتيقة.. بولاق.

وكان فى الأثمان المذكورة ٤٨ قره قول، أى أقسام للشرطة، موزعة داخل البلد وبخارجها لإقامة العسكر بها، والآن- يضيف على مبارك- بطل أكثرها ولم يعد باقيًا منها إلا القليل.

وكان كل ثمن فيه: بيت للصحة يقيم به حكيم وحكيمة وكاتب وتمورجى للكشف على من يموت، وتطعيم الجدرى ومعالجة بعض المرضى وإعطائهم بعض الأدوية، وقيد من يولد ومن يموت فى دفاتر مخصوصة، ترسل إلى ديوان الصحة «وزارة» وإخبار بيت المال عمن يموت وهو تابع لمجلس الصحة العمومية، يتلقى منه المخاطبات ويخبره عن جميع الحوادث الصحية.

وفى كل ثمن معاون وكاتب وبضعة عساكر، وهم تابعون لديوان المحافظة. ووظيفته النظر فى المنازعات والخصومات. فما يمكن صرفه.. صرفه «!!» وإلا أرسله إلى جهة الاختصاص.

وبدلًا مما يقال الآن: فلان راح النقطة أو القسم.. كان يقال: «فلان راح التمن» أو بدلًا مما يقال الآن: «والله أروح فيك القسم..» كان يقال: «والله أروح فيك.. التمن»!!

وكان كل ثمن ينقسم إلى شياخات، تكثر أو تقل بالنسبة لكبر الثمن وصغره، ولكل ثمن شيخ يعرف باسم شيخ الثمن، وله مرتب يصرف من المحافظة قدره ١٠٠ قرش صاغ شهريًا. وبكل شياخة شيخ يعرف بشيخ الحارة، ولكن ليس له راتب من المحافظة، وإنما يتكسب من النقود التى يأخذها باسم «الحلوان» من سكان الأملاك التى فى زمام شياخته، لأن العادة أن من أراد أن يؤجر بيتًا فى حارة من الحارات يكون ذلك بمعرفة شيخ الحارة، وبعد تأجيره للبيت يدفع له أجرة شهر برسم الحلوان!!.

وكانت الحكومة تستعين بهؤلاء فى توزيع «الفردة» والطلبات، ويظهر مما كتبه عبدالرحمن الجبرتى أن هذا الترتيب لم يحصل إلا فى زمن الفرنساوية، أى أيام الحملة الفرنسية على مصر، التى جاءت عام ١٧٩٨م، فهم الذين ابتدعوه ووضعوه، وبقى مستعملًا من بعدهم إلى الآن «أيام على باشا مبارك»، ويضيف: ولم أر ذلك فى خطط المقريزى، فإنه لم يتكلم عن تقسيم القاهرة ولا الفسطاط إلى أثمان.

ويقول على باشا مبارك: كان عدد الحارات والعطف والدروب والشوارع فى القاهرة حوالى ١٢٩٠، منها ١٣٣ شارعًا كبيرًا. وعدد الحارات ١٦ حارة.. والعطف ٧١٩ عطفة و٢٠٨ دروب و٢٤ سكة، وفروع السكة ١٦ والطرق ١٩، وكان طول كل ذلك ٥٤٥٥٩ مترًا.

ولكن فى عصر إسماعيل وبعد إنشاء حى الإسماعيلية وحى الفجالة وغيرهما من جسر شبرا وجسر أبى العلا، وطريق مصر العتيقة بلغ طول الشوارع والحارات ٢٠٠٢.٣ أمتار ومساحتها ٣٣٢ فدانًا، أى أن مساحة ما استجد من الشوارع والحارات يبلغ ١٠٠ فدان، وهو ما يقرب من نصف عدد الحارات القديمة.

وصارت شوارع القاهرة وحاراتها كالآتى:

٣٤٩ شارعًا طولها ٨٢١٧٦ مترًا.

و٣٥٧ حارة طولها ٤٣٦١٩ مترًا .

و٨٧٢ عطفة طولها ٤٤٢١١ مترًا.

و٢١٩ دربًا طولها ٢٨٣٣٦ مترًا.

و١٦ ميدانًا طولها ١٨٩١ مترًا ومساحتها ٣٤ فدانًا.

وكانت مساحة حى الإسماعيلية الجديدة ٣٥٩ فدانًا، أى أكثر من مساحة القاهرة الفاطمية، عندما أنشأها جوهر الصقلى بحوالى ١٩ فدانًا!! وبذلك أصبحت مساحة المدينة الساحرة ٢٩٠٠ فدان، أى زادت فى عصر أسرة محمد على نحو ١٠٠٠ فدان فى عصر إسماعيل.

وكان عدد الجوامع ٢٦٤ جامعًا، منها المدارس التى كانت مدارس للتعليم وأماكن العبادة، وكان عدد المدارس ٧٠ مدرسة، بينما كان عددها أيام المقريزى ٨٨ جامعًا و٧٠ مدرسة، وبذلك يكون ما استجد فى القاهرة بعد المقريزى إلى عهد خطط على باشا مبارك ١٠٦ جوامع.

وإلى عام ٥٦٠ هـ كانت صلاة الجمعة تقام فى القاهرة ومصر العتيقة فى ٨ جوامع فقط هى: جامع عمرو بن العاص.. جامع العسكر.. جامع ابن طولون بالقطائع.. والجامع الأزهر بالقاهرة.. والجامع الحاكمى، أى جامع الحاكم بأمر الله فى القاهرة الفاطمية.. وجامع المقس.. وجامع القرافة.. وجامع راشدة.

وفى أيام المماليك الجراكسة كثرت عملية بناء الجوامع حتى بلغت فى آخر عصرهم ١٣٠ جامعًا تقام فيها صلاة الجمعة، وكان منها بمصر العتيقة ١٠ جوامع، وبالقرافة ١١ جامعًا وبجزيرة الروضة ٥ جوامع وبالحسينية ١٢ جامعًا. وعلى النيل خارج القاهرة «!!» ٤٠ جامعًا، وبين القاهرة ومصر العتيقة ٣٢ جامعًا، وبالقلعة ٤ جوامع، وخارج القاهرة بالترب ٧ جوامع، وداخل القاهرة ١٧ جامعًا.

وكان الجامع المدرسة على غرار مدرسة ومسجد السلطان حسن، ومسجد قلاوون ومسجد برقوق والأزهر نفسه. وقد اندثرت هذه المدارس، وأصبحت جوامع ولم يبق منها مخصصًا للتدريس. وللمدرسين فيه رواتب، إلا الجامع الأزهر فقط.. ويقول المقريزى إن هذه المدارس لم تكن معروفة زمن الصحابة ولا التابعين، وإنما حدثت بعد عام٤٠٠ هـ. وأول مدرسة بنيت فى بغداد عام ٤٥٧هـ، وكانت مصر فى ذلك الوقت فاطمية. وأول من أقام درسًا كان فى خلافة الخليفة العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله فى الجامع الأزهر، وكان الوزير يعقوب بن كلس يقرأ درسًا فى بيته، وكتاب فقه على مذهبهم الشيعى. وعمل مجلسًا بجامع عمرو بن العاص.

أما أول مدرسة أقيمت على المذهب السنى.. فكانت فى عهد صلاح الدين الأيوبى، بعد أن قضى على الدولة الفاطمية وألغى المذهب الشيعى، وأقامها بجوار الجامع العتيق عام ٥٦٦هـ، وعرفت بالمدرسة الناصرية وكانت للشافعية. وبنى فى العام نفسه المدرسة القمحية بقرب الناصرية للمالكيين، ومدرسة السيوفية للشافعية.

وبانتهاء الدولة الأيوبية كانت فى القاهرة ٢٥ مدرسة، منها: ٧ للمذهب الشافعى، و٦ مدارس للمذهب المالكى، و٤ مدارس للمذهب الحنفى، ومدرسة واحدة للمذهب الحنبلى.

وتارة كان يدرس بالمدرسة مذهبان، فكان للشافعية والمالكية معًا ٤ مدارس، ومثلها للشافعية والحنفية.. وكان عدد المدارس فى آخر حياة المقريزى، كما قال فى خططه، ٤٥ مدرسة فى نحو ٢٨٠ سنة، وصار فى القاهرة ٧٠ مدرسة.

من كتاب «أحياء القاهرة المحروسة»