رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كفاية كفاية كفاية

"كل ما تسهلها، تصعب" دا ملخص تاريخ الجنس البشري مع الحياة، خلينا نفكر مثلا في وسائل الانتقال: الإنسان كان بيعتمد بشكل أساسي على رجليه، يمشي، ربما ركب إحدى الدواب: الحمار بشكل أساسي، أو لو ميسور الحال يبقى عنده حصان، وفي أفضل أفضل الحالات عربية يجرها الدواب، إنما عموم الناس أغلب الوقت بتمشي.
ثم اخترعنا آلة (العربية/ السيارة)، آلة تستخدم الطاقة في توليد الحركة، الآلة سريعة بطبيعة الحال، وجيل بعد جيل السرعة دي بتزيد، المفروض إن السيارة دي تسهيل للحياة، مكنتك من قطع مسافات كبيرة في أوقات قليلة، مسافات ما كنتش تحلم إنك تقطعها: مين كان يقول إنك ممكن تروح السويس وترجع في نفس اليوم؟ مثلا مثلا يعني.
لكن هذا التسهيل أدى لإيه؟ أدى إلى إنك تصمم يومك وحياتك بناء على هذا، مش بس بناء على قرارك الذاتي كفرد، لأ، حتى دواعي العمل والمصالح وضرورات الحياة، بقت بتعتمد على كدا.
لو إنت مثلا ساكن في إمبابة، عادي جدا تكون بتشتغل في أكتوبر، أو في نفس اليوم عندك كذا مشوار: اللي في المعادي، واللي في المهندسين، واللي في مصر الجديدة. 
ما قبل السيارة، كان ممكن جدا جدا يعيش شخص ويموت، من غير ما يسيب قريته، أو لو عمل مشوار كل شهر لقرية مجاورة، أو البندر، يبقى رحالة ويألف كتاب عن سفرياته. بطبيعة الحال كانت الناس بتعيش جنب أشغالها، البيت جنب الغيط، أو ساكن فوق ورشة النجارة، أو الدكانة مفتوحة على حوش البيت.
تأمل معايا كدا، قد إيه من الوقت بنقضيه النهارده في المواصلات، سواء عامة أو حتى عربية خاصة، قد إيه من ميزانيتك رايح للتنقلات؟ فضلا عن صعوبة المواصلة نفسها، لو سايق عربيتك، لو راكب تاكسي/ ميكروباص/ مترو، ومش بس صعوبات بدنية وإرهاق، لكن الاحتكاك بكل هذا القدر من الناس، اللي جنبك في المواصلة العامة، أو اللي بيسوقوا العربيات التانية، أو درجة الخطر المتوقعة اللي بتشكل هاجس، حتى لو ما كنتش واعي بيه طول الوقت، فهو موجود، خصوصا لو تعرضت لحادث قبلها.
قيس المواصلات على حاجات كتير، ويمكن كل حاجة، لما اخترعنا المصباح الكهربي، كان وسيلة عظيمة لتسهيل كثير من الأمور، مش هتحسها إلا لو كنت جربت الحياة في قرية بلا كهرباء، أنا عشت دا، كان المغرب يؤذن، اليوم ينتهي، لأنه خلاص.
لما كنت أمشي بالليل، ودا نادرا ما كان بيحصل، كنت أحس بالرعب، رعب بجد مش هزار، ظلام داااااامس، طيب، المصباح الكهربي عمل إيه؟ حرمك من راحة الليل، خلى اليوم 24 ساعة، وفي ظل المتطلبات والمنافسة التي لا تنتهي لكسب المال، بقيت تشتغل 12 ساعة أو أكتر، ولو تطول تشتغل عشرين ساعة هتعمل كدا.
عرفت الكمبيوتر وبقيت تكتب ع الكيبورد؟ بقى عادي، ممكن ترتبط بشغل، لازم تنجز فيه 100 صفحة أو أكتر في يوم واحد. 
يعني، أنا مش عارف ليه باهري في هذا الأمر، بس كل ما البشرية تخترع حاجة تسهل الحياة، الحياة تردها لك: وتقضي بمسئوليات ومهام، لم تكن لتوجد لولا اختراعك، فبليز يعني، كفاية اختراعات، كفاية كفاية كفاية، عشان ورمنا.