رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صلاح الدين الأيوبى فى الدراما المصرية

يعتبر صلاح الدين الأيوبى من أشهر الشخصيات فى التاريخ الإسلامى، وبالقطع يرجع ذلك إلى الأدوار العديدة التى لعبها، وغيّرت مجرى التاريخ فى عصره. ولا ينحصر هذا الدور فى مواجهته الحملات الصليبية، كما هو شائع، وإنما يجب ألا ننسى دوره فى سقوط وزوال الدولة الفاطمية، وأيضًا أنه كان المؤسس لدولة جديدة من بعده فى مصر وبلاد الشام هى الدولة الأيوبية.

وزاد التناول الدرامى لشخصية صلاح الدين الأيوبى من مساحة الجدل حوله، ولن نتحدث هنا عن صورة صلاح الدين فى الدراما العالمية، إنما سيقتصر حديثنا حول الصورة الجدلية لصلاح الدين فى الدراما المصرية، وكيف انعكس ذلك على مناقشات الرأى العام، بل ووسائل التواصل الاجتماعى حول هذه الشخصية المثيرة، ليس فى تاريخنا الإسلامى فحسب، بل فى التاريخ العالمى بشكل كبير.

منذ عدة سنوات أشعل تصريح لأحد كبار الكتّاب المصريين حول صلاح الدين الأيوبى وسائل التواصل الاجتماعى، ما بين مؤيد ومعارض، وإن كانت الغلبة لمؤيدى صلاح الدين الأيوبى، وهم الرافضون لتصريح هذا الكاتب. والحق أن هذا الكاتب اتبع وسائل ما يُعرف مؤخرًا بـ«التريند»، والتصريح من أجل إثارة الضجة؛ إذ خرج هذا الكاتب الكبير عن معايير الموضوعية، وحتى الموضوعية النسبية فى تناول الشخصيات التاريخية، حيث صرح بأن صلاح الدين الأيوبى «أحقر» شخصية فى التاريخ! ومن الطبيعى أن يوجِّه المؤرخ نقدًا موضوعيًا للشخصية التاريخية، فليست هناك قداسة فى التاريخ لأى شخصية، لكن المؤرخ يلتزم بالنقد الموضوعى إلى حد كبير، والبُعد عن الأحكام القيَمِيَّة، فليس هناك فى التاريخ «أبيض» و«أسود»، أو «أفضل» و«أحقر»، لأن هذه التوصيفات لا يجوز أن تخرج عن العلماء، وهى ليست تقديرات علمية، وإنما أحكام عاطفية لا علاقة لها بعلم التاريخ.

الأكثر من ذلك أن هذا الكاتب الكبير صرح بأن صلاح الدين الأيوبى كان شخصية عادية فى التاريخ، وأن فيلم «الناصر صلاح الدين» الذى أخرجه يوسف شاهين هو الذى أدى إلى شهرة هذه الشخصية التاريخية، وأن أجهزة الدولة الناصرية هى التى صنعت أسطورة صلاح الدين من أجل الربط بين صلاح الدين الأيوبى وجمال عبدالناصر.

ولن نناقش هذه الفرضية التى توصل إليها هذا الكاتب، ولكن ما نريد الإشارة إليه هو أن شخصية صلاح الدين الأيوبى فى الدراما لم تُصنَع فى عصر عبدالناصر كما ذهب هذا الكاتب، والصحيح أن صلاح الدين الأيوبى كان شخصية مُلهِمة للدراما المصرية منذ مطلع القرن العشرين.

بدأ المسرح المصرى استلهام شخصية صلاح الدين فى وقت مبكر نسبيًا؛ إذ قدمت فرقة جورج أبيض ميلودراما تاريخية فى عام ١٩١٤ تحت اسم «صلاح الدين الأيوبى». ومن الجدير بالذكر، والمثير أيضًا، أن نجيب الريحانى شارك فى هذه المسرحية. وللأسف لم أستطع الوصول إلى النص الأصلى لهذه المسرحية، وبالقطع لم يتم تصويرها فى هذا الوقت المبكر.

ومع دخول السينما إلى مصر، والانتشار السريع لها، سنشهد استلهام تاريخ صلاح الدين الأيوبى فى الدراما السينمائية، وفى وقت مبكر نسبيًا لعهد السينما الناطقة. وربما لا يعرف الكثير من الناس أن فيلم «الناصر صلاح الدين» لم يكن هو الفيلم الأول فى هذا الشأن؛ إذ أخرجت السينما المصرية فى عام ١٩٤١ فيلم «صلاح الدين الأيوبى»، وللأسف لم نعثر على نسخة لهذا الفيلم، لكن تتوافر لدينا معلومات لا بأس بها عنه؛ إذ أخرجه واحد من المخرجين المهمين فى السينما المصرية آنذاك وهو إبراهيم لاما، كما شارك فى بطولة الفيلم أخوه بدر لاما، ويلاحظ أنهما من أصول فلسطينية. وشارك كل من محمود المليجى وأنور وجدى فى بطولة الفيلم، كما كتب السيناريو الكاتب والسيناريست الشهير آنذاك السيد زيادة، وقام بإعداد ألحان الفيلم حليم الرومى، والد المطربة الشهيرة بعد ذلك ماجدة الرومى.

ويلاحظ أن الأعمال الثلاثة المشار إليها والتى استلهمت تاريخ صلاح الدين الأيوبى، قد تم خروجها إلى النور فى لحظات صعبة ومفصلية فى تاريخ مصر والعالم العربى؛ المسرحية فى عام ١٩١٤، عام الحرب العالمية الأولى، هذه الحرب التى ستقرر تاريخ العالم والمنطقة العربية كلها، والفيلم الأول فى عام ١٩٤١ أثناء الحرب العالمية الثانية، وهى أيضًا من العلامات الفارقة فى تاريخ المنطقة، أما الفيلم الثانى «الناصر صلاح الدين» فقد خرج فى عام ١٩٦٣، فى ذروة الصراع العربى الإسرائيلى، وقبيل حرب ١٩٦٧.

هكذا استدعت الدراما المصرية شخصية صلاح الدين الأيوبى فى اللحظات الحرجة من تاريخ مصر والعالم العربى.