رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«قد التحدى».. شهادات ملهمة لسيدات وفتيات معنفات: تمكنا من تجاوز المأساة وحولناها إلى نجاح كبير

جريدة الدستور

العنف ضد المرأة أحد أكثر الانتهاكات التى تتعرض لها حواء على مستوى العالم، وأشدها قسوة فى الوقت ذاته، فالسيدات اللاتى يتعرضن للعنف لا يدفعن ثمن الإيذاء الجسدى فقط، بل يتعرضن لانتكاسات نفسية مضاعفة تترك أثرًا كبيرًا لا ينتهى، منها الاكتئاب الذى قد يصل إلى الانتحار فى الكثير من الحالات.

ومن هذا المنطلق جاء اهتمام وزارة التضامن الاجتماعى بهذه القضية، فى ظل وجود عدد كبير من السيدات يدفعن ثمن هذه الظاهرة المقيتة، التى يجب التصدى لها بكل قوة، وذلك عبر العديد من التدخلات، يأتى فى مقدمتها حملة «الـ١٦ يومًا» لمناهضة العنف ضد النساء.

«الدستور» تحاور فى السطور التالية عددًا من الفتيات والسيدات اللاتى تعرضن للعنف،  للحديث عن الإيذاء الذى تعرضن له، وكيف تمت مواجهته.

نجلاء فتحى:تحديت عبارة «أنتِ تربية دار أيتام».. وأحضر حاليًا رسالة «ماجستير إعلام»

تخرجت نجلاء فتحى فى قسم الصحافة بأكاديمية «أخبار اليوم»، وتدرس حاليًا فى السنة التمهيدية للماجستير، بالتزامن مع عملها فى «الجمعية الوطنية لرعاية وتطوير دور الأيتام»، خاصة أنها تربت فى واحدة من هذه الدور.

وقالت البالغة من العمر ٢٦ عامًا: «تربيت فى دار أيتام، وتجربتى مختلفة ومررت خلالها بظروف صعبة، مثل فتيات وأطفال كثيرين، لم يختاروا أن يعيشوا هذه الظروف، والكثير منهم لا يستطيع تقبلها، لأن المجتمع لا يتقبلها من الأساس، رغم كونها أمرًا واقعًا».

وأضافت: «وأنا طالبة فى المدرسة كنت أتعرض للتنمر من أقرب أصدقائى، وهو يقول لى: (أنتِ تربية دار أيتام).. تخيل ماذا يمكن أن تفعله فيك هذه الجملة.. تخيل لما مقدمى الرعاية فى دار الأيتام يطلبون منك فى عمر ٣ سنين أن ترتب دولابك، ويكونوا مقتنعين أن التربية بالضرب، لأن المشرفة فى الدار تقول لك: (أكثر حد بحبه هو أكثر واحد بضربه)».

وواصلت: «كل من فى الدار يضربون، وكل الأطفال يُضربون، لأن هناك قناعة فى المجتمع بأن اليتيم مش وراه حد، لكن وراه ربنا.. كنت أنا وأخواتى فى الدار نعتقد أن الضرب معناه الحب والاهتمام، فنسعى له، الآن تغير تفكيرى، وعرفت أنى لم أخطئ إلا لكى أعرف الصحيح، وأنى لم أقع إلا لكى أقف مرة أخرى».

وأكملت: «أنا وأخواتى وكل الأيتام عايزين بس الفرصة اللى نستحقها، مش أكثر، نفسى أشتغل فى الوظيفة اللى أستحقها، وأتجوز من شخص لأنى أستحقه، مش أترفض من أسرته عشان يتيمة، زى ما حصل مع كثير من أخواتى».

وتابعت: «كنت بفكر لما يبقى عندى ٢٤ سنة ومسئولى الدار يقولون لى لازم تخرجى حسب القوانين هعيش إزاى، والناس هتبص إزاى لبنت عايشة لوحدها، الحمد لله ربنا بيوهب لنا ناس تساعدنا، زى جمعية وطنية، ووزارة التضامن الاجتماعى، وفرصة إنكم تسمعونى».

وبحماس تتحدث «نجلاء» عما أنجزت، قائلة: «وزارة التضامن الاجتماعى تدفعنا للاندماج فى المجتمع، أنا عضوة فى كورال أطفال مصر، مع المايسترو سليم سحاب، ومن خلال الكورال تعرفت على أيتام آخرين من دور أخرى، أهتم بهم وبما يحتاجونه، وأكتشف نفسى، والجمعية ساعدتنى على أن أتعرف على كل المواهب التى أمتلكها، فأنا أكتب الشعر وأغنى، كما أنى عضوة فى ملتقى الشباب بجمعية وطنية، وهذا علمنى أن يكون لدىّ رأى، وعلمنى أن أنجح من أجل نفسى، وليس فقط لكى يتقبلنى الناس، فلو لم يتقبلونى، سأكون قد أرضيت نفسى».

تصمت «نجلاء» ثم تعترف: «تأتينى لحظات ضعف، خاصة فى الليل، لكنى فى صباح اليوم التالى أجد نفسى على ما يرام، وأفكر فى الميزة التى منحنى الله إياها، ولا يتمتع بها كثيرون، وهى أن بإمكانى أن أختار أسرتى، وأختار أخواتى، وبإمكانى أن أعطى لنفسى الدفعة التى تعطيها الأسر لأبنائها، وأنى أستطيع أن أحافظ على نفسى وكيانى وشخصيتى».

وتتذكر أنها كانت تتعرض للتنمر بسبب بشرتها السمراء، لكنها بعد أن قرأت مذكرات نيلسون مانديلا، قالت لنفسها: «أنت متميزة وقد التحدى»، قبل أن تشدد على أن الهم الأكبر الذى أزاحته من على كتفيها وغيّر حياتها وحياة الكثير من أخواتها، كان يوم أن أعلنت عن هويتها بصراحة ودون خوف، وقالت: «أنا يتيمة»، أمام جمع كبير من أناس لا تعرفهم، وقد حضر أخواتها اللقاء، وتعجبن من صراحتها وعدم خوفها، ومن وقتها تشجّع بعضهن واستطعن أن يزلن هذا الهم من قلوبهن أيضًا مثلها.

وتتمنى «نجلاء» أن تتضمن رسالتها للحصول على الماجستير، قصص الأيتام، وتوضح فيها أنهم بالفعل «قادرون باختلاف»: «نفسى كل إخواتى يعلنوا هويتهم من غير ما يخافوا، ويكون ليهم أصحاب من غير ما يخافوا، وإن المجتمع يكون واعى بإن المرأة ممكن تعيش عشان نفسها، أنا عايشة عشان نفسى، وبحافظ على نفسى وصورتى وأخلاقى ومبادئى ودينى، وبقول لنفسى ربنا عايزنى أكون كده».

صفاء: تعرضت للختان وأنا طفلة وتبنيت توعية أهالى القرى بـ«الجريمة»

حكت الرائدة «صفاء.إ»، ٤٣ عامًا، من مركز أخميم بمحافظة سوهاج، قصتها الشخصية مع الزواج المبكر، قائلة إنها تزوجت فى سن السادسة عشرة من ابن عمتها الذى يكبرها بعشرين عامًا، وانتقلت للحياة مع زوجها فى بيت عمتها.

وقالت: «كنت فى الصف الأول الثانوى، عندما انتقلت للحياة فى بيت عمتى، زوجة لابنها، ولم تتغير حياتى كثيرًا عما كانت عليه فى بيت أهلى»، مضيفة: «كنت أذهب للمدرسة ومن بعدها للجامعة، وأساعد عمتى وبناتها فى أعمال المنزل وكأنهن أمى وأخواتى البنات، بل عشت معهن أكثر مما عشت مع أمى وإخوتى، ونسيت أنى زوجة، فقد عاد الزوج لعمله فى السعودية بعد ٣ شهور من الزواج، ولم يعد إلا بعد ٤ سنوات».

وروت أن عادات وتقاليد الزواج فى بلدها كانت أقوى من قدرتها على رفض الارتباط بابن عمتها، قائلة: «لم أستطع أن أقول لا، لوالدى الموظف المتعلم ذى الشخصية القوية، حين أخبرنى بأنه قرر تزويجى من ابن عمتى، خاصة أنه كان يلبى بهذا القرار رغبة العمة، فلم يكن يرفض لعمتى طلبًا، إضافة إلى أن العريس غنى». وأكملت أن أحوالها لم تستقر مع زوجها إلا بعد الزواج بـ٦ سنوات، عندما عاد نهائيًا من العمل بالسعودية، وعين موظفًا بالحكومة ببكالوريوس الخدمة الاجتماعية، وكان عليها أن تنتظر سنوات، لترزق بابنها الوحيد محمود، صاحب الـ١٤ عامًا الآن، مضيفة: «يجب أن أذكر أننى تعرضت لعملية ختان وأنا طفلة أثرت كثيرًا على صحتى بعد زواجى».

وقالت «صفاء» إنها تبنت فكرة التوعية بخطورة الزواج المبكر وختان الإناث، وبدأت العمل رائدة اجتماعية منذ ٢٠٠٧، وتلقت العديد من الدورات التدريبية التى تنظمها وزارة التضامن للرائدات الاجتماعيات باستمرار.

وأشارت إلى أنها تعمل بالوحدة الاجتماعية بقرية الصوامع شرق، والتى يتبعها ١٤ نجعًا، وتقع كلها شرق النيل وبعضها فى المنطقة الجبلية، فتضطر لتنظيم بعض لقاءاتها فى البيوت.

وكشفت عن أن ظاهرة ختان البنات لا تزال تُمارس على أيدى الدايات أو الممرضات فى الخفاء، مضيفة: «الأطباء يخافون من تبعات ممارسة هذه الجريمة، ورغم معرفة الأسر بأن ختان البنات عادة خاطئة، لكن سيطرة الجدات تدفعها لارتكابه، والأسر لا تستطيع أن تتحدث أمامى عن نيتها لختان بناتها»، مردفة: «الأمل كله فى الأجيال الجديدة لتصحيح هذه الأوضاع»، مضيفة: «ما يحدث فى يومياتى مع الأسر والأطفال فى نجوع الصوامع يعكس أن الأجيال الجديدة من الفتيات أكثر وعيًا بحقوقهن».

هبة خليف: واجهت فقد البصر وأعمل فى تنمية مهارات الأطفال متعددى الإعاقة والتوحد 

«طول عمرى بحلم إن الناس تشوفنى بعينى أنا.. مش بعينهم، تشوف هبة زى ما هى.. مش زى ما هما متخيلنها»، بهذا بدأت هبة خليف، ٤٣ عامًا، حديثها لـ«الدستور» عن تجربتها الخاصة فى تحدى إعاقتها البصرية.

وأوضحت «هبة» أنها أم لفتاة تبلغ من العمر ١٦ عامًا، وتعمل حاليًا فى مشروع تكافؤ الفرص الاجتماعية وتنمية الشباب، التابع للوكالة الألمانية للتعاون الدولى، وعانت من إعاقة بصرية منذ مولدها، لكنها التحقت بمدرسة النور للمكفوفين بالإسكندرية، وتخرجت فيها ثم التحقت بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، ثم حصلت على منحة من الحكومة البريطانية لنيل درجة الماجستير من جامعة برمنجهام.

وعن تجربتها الخاصة، قالت: «أكثر التحديات التى كان لها تأثير سلبى على نفسى هو أن المجتمع يضع العوائق ويقع أسيرًا لأفكار مسبقة عن الفتاة ذات الإعاقة البصرية، ويرى أنها لا تمكن أن تعمل بشكل مستقل، أو تكون مسئولة عن بيت وأسرة، وهى قوالب من الصعب الخروج منها، لذا أحاول دائمًا أن أساعد كل من حولى، خاصة من ذوى الإعاقة البصرية، وأدفعهم لتحدى الظروف التى تحيط بهم، حتى يكون لديهم حلم وطموح وهدف يسعون للوصول إليه».

وأشارت «هبة» إلى أنها تعمل حاليًا متطوعة فى تنمية مهارات الأطفال ذوى الإعاقة ومتعددى الإعاقة والتوحد بمركز «دنيتنا»، التابع لجمعية تحمل نفس الاسم بمدينة الإسكندرية، موضحة أنها استطاعت أن تساعد كثيرين منهم على الالتحاق بمدرسة النور للمكفوفين، لتجاوز مشكلات إعاقتهم.

ولفتت إلى أنها نجحت، بمساعدة ابنتها المتطوعة معها فى نفس الجمعية، فى دعم الأطفال ذوى الإعاقة البصرية للتحدث والتفاعل مع العالم من حولهم، واستفادت فى ذلك من دراستها الماجستير، الذى كان عن «تأثير النوع الاجتماعى والإعاقة على تعليم الفتيات ذوى الإعاقة البصرية».

ونوهت إلى أنها تقدم أيضًا إرشادًا لأسر الأطفال والشباب ذوى الإعاقة حتى يستطيع الآباء التواصل مع أبنائهم، ودعمهم للاندماج الكامل بمحيطهم وللنجاح والوصول لأعلى المستويات فى التعليم والعمل.

ووجهت رسالة لكل فتاة من ذوى الإعاقة البصرية، قائلة: «دوّرى على نقاط القوة داخلك، وحاولى تستثمريها للأحسن، وزى ما بتستقبلى المساعدات من اللى حواليكى حاولى تقومى بدور إيجابى وتقدمى المساعدة للمجتمع، عشان تكونى عنصر فاعل وقوة حقيقية فيه».

ضحى: زوجى طردنى بعد إنجاب ٦ أطفال

حكت «ضحى. ع»، مأساتها التى تتلخص فى رفض الزوج تطليقها بشكل رسمى، من أجل أن تتمكن من الحصول على معاش «تكافل وكرامة» الذى يقدم لمن هم فى مثل ظروفها.

وروت أنها تزوجت وهى فى سن ١٣ سنة، وكانت تعيش فى عزبة الشيمى التابعة للبدرشين والتى تتزوج جميع فتياتها مبكرًا، قائلة: «ما دخلتش مدارس، كنت الخامسة ما بين إخوتى الثمانية، والزوج كان عنده ٣٧ سنة، جاب لى ذهب كتير، وغرفة نوم، وكان كويس معايا، مكانش يسمح لأحد من أهله يقول لى حاجة، خصوصًا إنى قعدت ٤ سنين فى الأول مابخلفش، وبعدين جبت العيال الستة وراء بعض».

وأكملت «أنجبت ٦ أطفال، وكانت الأمور تسير بشكل عادى، لكن تعرضت لصدمة، وهى أن زوجى تزوج أخرى، وصار يضربنى وطردنى من الشقة وأرسلنى لإخوتى، وقالهم مش عايزها».

وقالت إنها انتقلت من بيت أخ لبيت آخر، واستقرت الحال بها وأبنائها الستة فى بيت عمها، مضيفة: «عمى حنّ علىّ، وجاب لى مكان، زى عشة أعيش فيها، زوجى لم يطلقنى، ولا يزال يذهب من حين لآخر إلينا فى بيتنا الصغير ويضربنا ويمشى».

وذكرت أن ابنتها الكبيرة تركت المدرسة وهى فى الصف الأول الإعدادى، حتى تعمل وتصرف على الأسرة، والباقون لم يعودوا يذهبون إلى المدرسة، والزوج لم يعد ينفق عليهم، قائلة: «تعمد أن يذهب إلى المصنع الذى تعمل فيه ابنته الكبيرة والذى تبلغ من العمر ١٦ عامًا، ليضربها أمام العمال حتى لا تذهب إلى المصنع مرة أخرى»، مشيرة إلى أنها تحصل على قوت يومها هى وأولادها من العمل فى تنظيف البيوت.