رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أمينة السعيد عن «الألفية الثانية»: لا أريد أن أعيش إلى سنة 2000

أمينة السعيد
أمينة السعيد

"لا أريد أن أعيش إلى سنة 2000"، كان عنوان المقال الذي كتبته أمينة السعيد، ضمن الملف الذي أعدته مجلة "الهلال"، لاستطلاع رأي المثقفين والمبدعين حول رؤيتهم وتصوراتهم الذهنية عن الألفية الثانية.

تستهل "السعيد" مقالها المنشور بمجلة الهلال، في عددها الصادر مطلع يناير سنة 1950: "لا أريد أن أعيش إلى سنة 2000، ولست أقرر هذه الرغبة هازلة أو متدللة، فلدي الأسباب القوية ما يبغض إليّ العيش إلى مثل هذا العمر المديد، فالحياة لا تكون جديرة بأن نحياها إلا إذا رضينا عنها، وترقبنا مراحلها القادمة، ولنا من أملنا ما يصبغ المستقبل بلون بهيج، قد يكون سرابًا خادعًا، ولكننا نندفع إليه مؤمنين بغير حقيقته، متقبلين مرارته من أجل حلاوته، راغبين في أن نمر بمتاعبه لنهنأ بعدها بدعته وراحته، ولا بد لرضانا بالحياة من أن نكون على قسط موفور من الفطرية في الطبع والخلق، نقيس الأمور بميزان العاطفة الغريرة، لا الواقع الملموس - وهو أقسى الميزانين وأقلهما مجلبة للسعادة - فلذة انقيادنا إلى عاطفتنا، أن نعيش في جو خيالي ممتع تتقمص فيه الأحلام والأماني صور الوقائع، والإمكانيات، فنتقبلها مستبشرين حتى تصدمنا الحقيقة بعد فوات الأوان".

وتضيف أمينة السعيد: "وليس أقسى على نفوسنا من صدمات لا نتوقعها، تأتينا من حيث لا ندري، لتفسد خططًا قديمة وضعناها في شبابنا، صرفنا الأمل عن أن نتبين نقط الضعف فيها، فانقدنا لها مخدوعين عامًا بعد عام، واثقين بدوامها، متفائلين بنتائجها، فإذا بها تخذلنا على غير انتظار، لتتلاشى من حياتنا وقد خلفت في نفوسنا مرارة وحسرة".

وتوضح "السعيد": "ولو كنت على شيء من الفطرية في طباعي وأخلاقي، تقودني الآمال الكاذبة أكثر مما يقودني العقل والمنطق، لرغبت في أن أعيش إلى ما بعد خمسين سنة قادمة، متوهمة أن الحياة سوف تكون إذ ذاك لذيذة مسلية، أجرع من كئوسها المترعة ما أجرعه اليوم وزميلاتي راضيات، وأمضي بأيامها مثلما نمضي اليوم واثقات، شابات يافعات، قويات قادرات، طموحات عاملات، مجاهدات ناجحات.. لا تثني عزمنا رجعية تطاردنا، ولا يضعف جهدنا نقد يلاحقنا، ولا ينتقص من قدرنا اختلاف في الرأي والعقيدة".

ــ نحن اليوم قادة النساء في بلادنا

وتمضي أمينة السعيد في مقالها: "لا أريد أن أعيش إلى سنة 2000: هكذا اليوم نحن .. طليعة مجدودة، آثرها الحظ الحسن بفرصة السبق إلى ميدان العلم - ولا فضل لكثرتنا إلا فضل الزمن والتطور - فتقدمنا غيرنا إلى الجامعات، وبكرنا عن بنات جنسنا في التزين بالشهادات، ثم أسرعنا الخطى في طريق هادئ فسيح، لا صراع فيه من أجل الغلبة، ولا تحارب بالكفاءات لاكتساب النصر .. طريق إن لم يكن محفوفًا بالأزاهير والرياحين، إلا أنه احتضننا مهللًا، ومنحنا الفرص راضيًا، وسخا علينا سريعًا بالمكانة والشهرة والمجد".

وتابعت: "وكما تألم الطليعة وتشقى في كل زمان ومكان، فقد لقينا من المتاعب في بادئ الأمر ما يزيد عن طاقتنا، فتألمنا كثيرًا، وشقينا طويلًا، ولكنها بالرغم من ذلك كانت غمامة كبيرة عابرة، مضت بنا مظلمة معتمة، لتنقشع عن رءوسنا، وقد خلف الألم ذكريات حلوة تداعبنا في نصرنا، فنشعر معها بما يشعر به المحاربون الظافرون بعد انتهاء المعركة.

ونحن اليوم - سواء أكنا عن جدارة أم غير جدارة - قادة النساء في بلادنا يدين لنا بالولاء صغيراتهن وكبيراتهن .. مجد نحس به فيطربنا، ومكانة نستأثر بها فتسعدنا، وجهاد يصاحبنا فيردد سيرتنا في آذاننا أنغامًا حلوة فريدة.

هذه حياتنا الحاضرة، وفيها معانٍ كثيرة طيبة أقل ما يقال فيها أننا نعيش في عالم يقدرنا ويحتاج إلينا، وسعادة الفرد في إحساسه بأن غيره يقدره ويحتاج إليه .. فذلك الإحساس وحده فلسفة الدنيا بأكملها، فمنه نستمد رغبتنا في البقاء".