رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صاحبة بيت الزجاج تقذف مصر بالحجارة!

(لم أفكر مطلقًا في أنني سأعيش هكذا في أوروبا ـ في الشارع تقريبًا ـ تعيش بلادنا في حالة حرب على مدى خمسة وأربعين عامًا، واعتقدت أنه يمكنني تحقيق حياة أفضل هنا).

قالها بشار ملا محمدي، الذي قدم من أفغانستان، هرباً من أتون الصراع السياسي في بلاده، فوجد نفسه، مع سبعة أفغان آخرين، يعيشون تحت (بير سلم) خرساني، وينام على كرتون الصناديق، بالقرب من القصر الملكي في بلجيكا، وسط حالة من التمييز العنصري، تعيشها أوروبا، تعكس الانفصام النفسي الذي يعيشه قادة ومنظمات دول هذه القارة العجوز، والتي كشفت عنها بقوة، الأزمة الروسية ـ الأوكرانية، ودفعت الملايين من الأوكران وغيرهم من الجنسيات الأخرى إلى الهرب من نيران الحرب، إلى واحة الغرب المزعومة، ليفاجئوا هناك بالحقيقة المرة، التي كشفتها صحيفة (نيويورك تايمز)، بأن عدم المساواة في الحقوق بين اللاجئين من أوكرانيا ومن دول أخرى، يثير السخط والنزاع في أوروبا، (لأن أوروبا منحت الأوكرانيين تصاريح الإقامة والتأشيرات تلقائيًا وبشكل فوري، فإنهم في الطليعة في الحصول على السكن والخدمات المقدمة للاجئين، وفي ذات الوقت تبقى الظروف المعيشية للقادمين من الدول الأخرى، سيئة في بعض الأماكن، ويتكدس طالبو اللجوء في مراكز استقبال مكتظة).. أليس الإنسان هو الإنسان، من أي مكان جاء، وإلى أي مكان ذهب؟.
التجربة أثيت أن الدولة المصرية هي من يعتنق هذه القيم الإنسانية، التي حضت عليها كل الأديان السماوية، وأقرتها جميع الأعراف والمواثيق الدولية.. تستضيف مصر لاجئين وطالبي لجوء من أكثر من ستين دولة؛ حيث  تفتح أبوابها أمام نحو أكثر من ستة ملايين لاجئ، وهناك  نحو أكثر من 209.393 ألف طلب لجوء لمصر، ويتأثر هذا العدد بتردي الأوضاع في بلدان اللاجئين، كتصاعد الحروب  والصراعات السياسية وموجات الاضطهاد العرقي والكوارث الطبيعية والأزمات الاقتصادية.. وعادة ما يأتي العدد الأكبر منهم من الشمال الشرقي، وهم عراقيون وفلسطينيون وسوريون، أو يَردُون من الجنوب ويكونون حاملين لجنسيات سودانية  وصومالية وإثيوبية وإريترية.. نصيب الأسد من عدد اللاجئين يعود للسوريين الذين بلغت نسبتهم 58%، تلاهم الإثيوبيون بنسبة 7%، تلاهم الإريتريون بنسبة 5%، تلاهم مواطنو جنوب السودان بنسبة 4%، تلاهم الصوماليون بنسبة 3%، تساوى معهم العراقيون بنسبة 3%، وتساوى معهما مجموع حصص باقي الجنسيات بنسبة 3%.. وعلى الرغم من ذلك، فإن الدولة المصرية تبذل جهدًا كبيرًا، كي ينعم اللاجئون فيها بما يتمتع به المواطن المصري، بما في ذلك توفير التعليم المجاني والوصول إلى خدمات الرعاية الصحية، عبر جميع البرامج الوطنية للعلاج، على قدم المساواة مع المصريين.
ولكن يبدو أن أعضاء البرلمان الأوروبي قد عميت أعينهم عن الحقيقة، التي تقول بأن الدولة المصرية التي تضع حقوق اللاجئين الإنسانية فوق رأسها وفي قلب اهتماماتها، فكيف لها ألا تعبأ بحقوق مواطنيها؟!.. أي منطق يحكم هؤلاء الذين ارتدوا (البيجامات)، بعد أن أصبحوا عطلى عن العمل، وقد فشلوا قي حماية مواطنيهم من تداعيات حرب على الجانب الشرقي من قارتهم، فرضت الفقر والعوز والحاجة، والأهم افتقاد المواطنين في دول هذه القارة لنعمة الأمن، والإحساس بالدفء.. كيف لهم لم يفرقوا بين الحق في الحياة لكل الناس، دون تفرقة، وبين متطلبات الأمن القومي، التي تفرض ضرورة حماية الدولة، أي دولة، لجموع مواطنيها من بطش بعض الخارجين على القانون، الذين لا يرعون في الناس إلا ولا ذمة، ويدعون للقتل كدعوتهم لحفل عيد ميلاد.
(عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي لبريطانيا لا تسألوني عن حقوق الإنسان)، تصريح شهير لرئيس وزراء بريطانيا الأسبق، ديفيد كاميرون، لا أعتقد أنه يحتاج إلى مزيد من التوضيح، فالأمن القومي لأي دولة هو أولوية قصوى لا تضاهيها أولوية، وسعي الدول إلى الحفاظ على أمنها يتيح لها اتخاذ ما تشاء من تدابير، بغض النظر عن اتفاق العالم معها أو ضدها بشأن هذه التدابير!.. السؤال المنطقي هو أيهما أهم: حقوق المواطنين وأسرهم في العيش الهانئ واستمرار الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، أم حقوق قلة قليلة من الخارجين على القانون؟.. لم يحدد كاميرون، في تصريحه، ما هو الأمن القومي الذي يقصده، وإشارته إليه بشكل عام، دليل واضح على أن لكل دولة الحق في تحديد أولوياتها الأمنية، وكل دولة هي المعنية بوضع ما تشاء تحت مسمى (الأمن القومي)، فأولويات الدول ليست متشابهة، وظروفها ومكوناتها أيضًا ليست كذلك، لكن الشبه يكمن في اتفاق الجميع على ضرورة الحفاظ على الأمن القومي، والتشدّد أيضًا في كيفية وطريقة الحفاظ عليه.
بريطانيا ليست استثناءً، وهناك الولايات المتحدة الأمريكية، فهي تعطل كثيراً من القوانين التي تندرج تحت مسمى (حقوق الإنسان) عندما يتعلق الأمر بالأمن، فالرئيس الأمريكي من حقه إصدار قانون يجيز لقوات الأمن اعتقال المشتبه فيهم لمدد غير محدودة، مادام الأمر يتعلق بالأمن القومي أو الإرهاب، وهناك قوانين أخرى كثيرة في أغلبية دول العالم، ولا فرق هنا بين دولة عظمى وصغرى، أو دولة ديمقراطية أو شمولية، ولا دولة متقدمة أو نامية، فالحفاظ على الأمن القومي هدف واحد، لا يمكن تفصيله وفقًا لأهواء أو مزاجية أو انتقاء، الأمر ليس مزحة على الإطلاق.. وهذا الأمر تتعمد إغفاله منظمات حقوق الإنسان ـ لأنها مغرضة ـ في تقاريرها كافة عن مصر، حيث تتجاهل بشكل عجيب أولوية الدولة في الحفاظ على أمنها القومي، وسعيها الحثيث إلى إشاعة الطمأنينة، وضمان استقرار ورفاه مواطنيها كافة، تتجاهل الهدف الأسمى في الحفاظ على مكتسبات ومقدرات الدولة والشعب، وتتحدث عن تجاوزات (غير مؤكدة) في طريقة القبض، أو محاكمة المتهمين، في زعزعة أمن البلد ورخائه، ومع أن تقارير هذه المنظمات كافة تفيد بأن معلوماتها غير مؤكدة، إلا أنها تراها أهم من أمن وأمان يعيش فيه ملايين البشر في الدولة المصرية.
وتمخض جبل أصحاب (البيجامات) الأوروبيين، عندما اطلقوا حملة جديدة على مصر، بعد نجاحها اللافت في تنظيمها مؤتمر المناخ COP 27 في شرم الشيخ، وجاء بيانهم مليئ بالكذب والزور والبهتان.. (قرار مخيب للآمال ولا يعكس وجهة نظر موضوعية لحالة حقوق الإنسان في مصر)، كما جاء في رد مجلس النواب المصري على الأكاذيب الأوروبية، لأن القرار يظهر ـ مرة أخرى ـ أن البرلمان الأوروبي يُصر على تبني نهج متعجرف تجاه مصر، ويمنح نفسه الحق في استخدام مجموعة من الأكاذيب المطلقة لإصدار حكم بشأن بعض التطورات الأخيرة داخل مصر.. هذا تدخل خطير في الشئون الداخلية لدولة ذات سيادة وانتهاك لاتفاقيات الأمم المتحدة، وبالتالي لا يمكننا تجاهله لأنه يفتقر إلى المصداقية والنوايا الحسنة.. ومن المؤسف للغاية أيضًا أن قرار البرلمان الأوروبي تم تبنيه وإعلانه دون التشاور المسبق مع مجلس النواب المصري.
وذهب بيان مجلس النواب إلى بيت القصيد، رداً على الموقف المصري الصُلب في مواجهة مطالبات البعض في أوروبا وأمريكا بإطلاق سراح متهم جنائي، بالمخالفة لأحكام القضاء، (أما بالنسبة للسجين علاء عبد الفتاح، الذي يسميه البرلمان الأوروبي ناشطًا، فلنلاحظ أن عبد الفتاح لم يحتجز تعسفيًا.. عبد الفتاح ليس معتقلاً، بل هو سجين أُدين بتهم جنائية، ونتيجة لذلك، وبعد أن واجه محاكمة عادلة أُرسل إلى السجن خمس سنوات.. وقد مُنح جميع الحقوق والضمانات للدفاع عن نفسه في محاكمة عادلة، ناهيك عن السماح لأفراد أسرته بزيارته في السجن بشكل منتظم).. دعونا ننصح البرلمان الأوروبي، بأنه بدلاً من استخدام معلومات غير موثقة ومضللة حول حالة حقوق الإنسان في مصر، من الأفضل لأعضائه التركيز على التحديات التي تواجه حقوق الإنسان في دول الاتحاد الأوروبي.. ألا يرى برلمان أوروبا أن هناك انتهاكًا منهجيًا لحقوق الإنسان بين دول الاتحاد الأوروبي، مثل العنصرية ضد المهاجرين واللاجئين والأقليات.. ألم يلاحظ النمو المرضي للظواهر السيئة، المتمثلة في الإسلاموفوبيا وخطاب الكراهية والعنف ضد المرأة وعنف الشوارع والجرائم ضد الأطفال؟.. كيف لصاحب بيت الزجاج أن بُلقي على الناس بالحجارة؟.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.