رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ألف ليلة وليلة.. صراع الحب والكراهية بتصميم وليد عونى

«ألف ليلة وليلة» كتاب الحكايات الشعبية الذى ألهم العالم على مدار عقود، مسرحًا وسينما وموسيقى- ما زالت حتى اليوم تتردد على مسامعنا معزوفة ألف ليلة وليلة لكورساكوف- عالج العديد من الفنانين التيمات والحكايات التى جاءت فى ألف ليلة وليلة، سواء بالإمعان فى محاكاة أجواء السحر الشرقى والحب والحياة والخيانات والقتل والسحر، ومنهم من اشتغل على تحديثها، ومنهم من اشتغل على معارضاتها.

ولا أنسى أبدًا تجربة المرأة الجديدة حين بادر عدد من الكاتبات وأساتذة الأدب فى الجامعات المصرية، منهن: «هدى الصدا- منى إبراهيم- سحر الموجى- شيرين أبوالنجا- هالة كمال- داليا بسيونى- سهام عبدالسلام»، بإعادة كتابة حكايات ألف ليلة وليلة من منظور نسوى، فمعظم الحكايات، بما فيها الحكاية الأصلية التى تضم كل الحكايات «حكاية شهرزاد وشهريار» تكرس لصور سلبية عن المرأة، ونتج عن ذلك حينها كتاب «قالت الراوية»، أحد أهم المراجع النسوية فى الكتابة العربية. واستلهمت ألف ليلة وليلة أيضًا فى العديد من المسرحيات: «الطيب والشرير والجميلة» لألفريد فرج، و«شهرزاد» لتوفيق الحكيم. 

ومؤخرًا، أعاد وليد عونى- الكاريوجرافر والمصمم اللبنانى الذى أعطى المسرح والرقص الحديث الكثير من خبراته وأثراه بجمالياته الخاصة وعنايته بتفاصيل الصورة والإضاءة- تقديم ألف ليلة وليلة من منظوره، فماذا قدم لنا؟

على موسيقى كورساكوف قدمت فرقة الرقص المسرحى الحديث بدار الأوبرا من تصميم وإخراج وليد عونى معالجة جديدة لـ«ألف ليلة وليلة»، حيث لم يقتصر على القصة الإطار «قصة شهرزاد وشهريار»، بل عالج عددًا من شخصيات ألف ليلة بشكل ضمنى ومتقاطع مع القصة الرئيسية: علاء الدين والمصباح- الأمير والقرصان- الأميرات الثلاث، واختزل عالم ألف ليلة وليلة فى الصراع الثنائى بين الخير والشر، الحب والكراهية، الجمال والقبح، حيث ينتصر الحب دومًا ويرفع رايته على السفينة ويطيح براية القراصنة.

قدم وليد عونى شخصية مسرور كرمز للشر وقسمها على شخصين، فتى وفتاة، كما قسم الحب والخير والجمال على شخصيات: شهرزاد وشهريار، علاء الدين وياسمينة.. إلخ، هذا التقسيم الثنائى أراد به أن يعلن أن الخير والشر غير مرتبطين بجندر معين، وهى محاولة منه لتحرير ألف ليلة من الصورة النمطية السلبية التى تكرسها للمرأة وقد حقق ذلك عبر العرض ومفرداته المختلفة.

كما هى العادة استطاع وليد عونى، عبر جماليات الإضاءة الساحرة والملابس المتقنة والديكور الخلاب الذى وظف لصالح العوالم الأسطورية، أن ينقلنا إلى عالم الحكاية الأسطورى الخلاب، وجاءت حركة الراقصين التى جعلت الخير والجمال وحب الحياة فى حركة متجهة دومًا للسماء والطيران والتحرر من ثقل الأرض فى مواجهة حركة الشر والكراهية والقبح التى تبدو أكثر ثقلًا واتصالًا بالأرض. 

استمتعت كثيرًا بعرض ألف ليلة وليلة وبالأداء المتقن لراقصى فرقة الرقص الحديث لدار الأوبرا المصرية وتمنيت لو أن هذا العرض امتد أكثر من ثلاثة أيام، فلا يمكن أن يقتصر تقديم إنتاج بهذا الحجم على ٣ أيام ولا يتاح للفرجة والحوار بما يتناسب مع فنيات العرض المسرحى وما صرف عليه من إنتاج.