رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

روسيا وتجنيد «الكوماندوز» الأفغانية للقتال فى أوكرانيا.. دراسة جديدة بالمرصد المصرى

الباحثة مني قشطة
الباحثة مني قشطة

في خضم ما تشهده الحرب الأوكرانية من ظاهرة تجنيد المرتزقة والمقاتلين الأجانب للقتال في صفوف الأطراف المتحاربة، أشارت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية في أكتوبر الماضي إلى أن روسيا تسعى من خلال شركة فاجنر إلى تجنيد مقاتلين من القوات الأفغانية الخاصة (الكوماندوز) الذين دربتهم في السابق الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان، لتوظيفهم من أجل القتال في الساحة الأوكرانية.

في هذا السياق، أجرت مني قشطة، الباحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، دراسة جديدة عبر المرصد المصري، حول تجنيد روسيا لقوات الكوماندوز، حيث أكدت أنه رغم عدم وجود رد فعل رسمي حول هذه المزاعم من الجانب الروسي، إلا أنه ثمة مؤشرات تعزز من احتمالية مصداقية هذه الأنباء، لعل في مقدمتها وجود مصادر أفغانية تتحدث عن انتقال عدد من الكوماندوز بالفعل للقتال في أوكرانيا، ناهيك عن النهج الروسي القائم منذ بدء الحرب في أوكرانيا في 24 فبراير 2022 على التوسع في الاعتماد على المقاتلين الأجانب في ساحة الحرب الأوكرانية، خصوصًا من الفئات التي لديها خبرات قتالية سابقة، سواء على مستوى المرتزقة الذين شاركوا في العديد من الحروب، أو على مستوى المقاتلين المنتمين إلى تنظيمات إرهابية.

 

من هي قوات الكوماندوز؟

أشارت الدراسة بالنسبة للتقارير الغربية التي تناولت المساعي الروسية إلى تجنيد مقاتلين أفغان إلى أن هذه المساعي ركزت على المقاتلين الأعضاء في فرقة (الكوماندوز)، وتعد هذه الفرقة من أقوى المجموعات الأفغانية المسلحة، وتُشير المعلومات المتوفرة عنها إلى أن الولايات المتحدة كانت مسئولة عن تدريبها منذ 2001 وحتى الانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان، وقد شكلت تلك القوات 7% من قوات الأمن الوطني الأفغانية السابقة، لكنها نفذت من 70% إلى 80% من الأعمال القتالية، حيث عملت مع القوات الأمريكية الخاصة والناتو والشركاء الدوليين على مدى السنوات العشرين الماضية ضد طالبان والجماعات الإرهابية الأخرى في أفغانستان.
 وقبل سقوط كابول في قبضة حركة طالبان، قادت قوات الكوماندوز غالبية العمليات العسكرية المعقدة في شتى أنحاء البلاد. وتُشير بعض التقديرات الغربية إلى أن أعدادهم تتراوح بين 20 و30 ألف مقاتل، في حين تشير بعض المصادر الأفغانية إلى أن أعدادهم لم تتجاوز الـ12 ألف مقاتل قبيل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في 2021.

وتابعت الدراسة أنه قد حظيت القوات الأفغانية الخاصة بسمعة طيبة، وكان الشعب الأفغاني يتوق إلى أن تكون تلك القوات قادرة على الحفاظ على إرساء معادلة أمنية مستقرة بعد رحيل القوات الأجنبية من البلاد، ولكن ما لبثت أن ذهبت تلك الآمال أدراج الرياح مع انهيار تلك القوات أمام التقدم السريع لحركة طالبان، حالها كحال باقي أفراد قوات الأمن الأفغانية التي لم تحل التدريبات والتجهيزات ومئات المليارات التي أنفقتها عليها واشنطن دون تفككها وفرارها حتى قبيل دخول المعارك مع مقاتلي حركة طالبان.

وبعد سقوط كابول في أغسطس 2021، انتهى حال قوات «الكوماندوز» إلى مسارات عديدة، فمن عجز منهم عن الخروج من أفغانستان يعيش الآن أوضاعًا صعبة وحياة مهددة بالبطش من عناصر طالبان، غير أن جزءًا من هذه القوات قرر الانضمام إلى صفوف المقاومة الشمالية ضد الحركة في بانشير، وانضم البعض الآخر إلى صفوف تنظيم «داعش-خراسان».

أما من نجح من تلك القوات في الفرار خارج أفغانستان فيحاول بعضهم التأقلم مع منفاه الأمريكي، والبعض الآخر لاذ بالفرار إلى دول الجوار الأفغاني وعلى رأسها إيران، وتم تكليفهم بالعمل في الأشغال الشاقة والمتاجر. وبحسب تصريحات حديثة للقائد السابق لقوات «الكوماندوز» محمد فريدي أحمدي لموقع VOA الأمريكي فإن «القوات الأفغانية الخاصة السابقة تشارك الآن في ست مناطق حرجة من العالم: ناجورنو قره باغ، وأوكرانيا، واليمن، وإيران، وسوريا، وروسيا، لكن في مجموعات صغيرة».

 

مُحفزات روسية

وتري الباحثة أنه قد عايشت قوات «الكوماندوز» الأفغانية -كما أشارت سابقًا- أوضاعًا معيشية صعبة وحالة من التشرد سواء تلك القوات التي لا تزال موجودة غالبًا بشكل «تنكري ومتخفٍ» في أفغانستان بعد أن عجزت عن الفرار من طالبان التي توعدتهم بالقتل والتعذيب هم وذويهم، أو تلك التي نجحت في الهروب خارج البلاد. واستنادًا إلى هذه الأوضاع، وجدت روسيا فرصة سانحة لتقديم التسهيلات والمحفزات العينية لجذب هؤلاء للقتال لصالحها في الحرب الأوكرانية، فبحسب المعلومات المتوفرة أغراهم الكرملين بمدفوعات بلغت قيمتها 1500 دولار شهريًا وقدمت وعودًا بملاذات آمنة لهم ولعائلاتهم، حتى يتمكنوا من تجنب الترحيل إلى أفغانستان؛ خشية التعرض للقتل على يد طالبان.  
 وإلى جانب الإجراءات الخاصة التي اتخذتها روسيا لتحفيز انضمام المقاتلين الأجانب إليها بشكل عام عبر تقديم المدفوعات النقدية، حاول الكرملين شرعنة وجود هؤلاء الأشخاص عبر تسهيلات منح الجنسية، حيثُ وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسومًا في مارس الماضي سمح بموجبه للمواطنين الأجانب ذوي عقود الخدمة العسكرية بالحصول على الجنسية الروسية، ومنح الحق ذاته لأزواجهم وآبائهم وأبنائهم، وسهل المرسوم منح الجنسية الروسية للأجانب الذين يقاتلون في صفوف الجيش لفترة لا تقل عن عام. وفي السياق ذاته، أصدر بوتين منذ أيام تعديلات على اللائحة الخاصة بإجراءات الخدمة العسكرية، يُسمح بموجبها للمواطنين الأجانب بالخدمة في القوات المسلحة الروسية.


دوافع عديدة
 

كما أوضحت الدراسة أنه يبدو أن تركيز الجهود الروسية على مجموعة «الكوماندوز» الأفغانية يأتي مدفوعًا بمجموعة من الاعتبارات: أولها، يُسيطر على مقاتلي «الكوماندوز» الأفغانية الذين فروا إلى دول الجوار وخصوصًا إيران، هاجس الخوف من إعادتهم إلى أفغانستان وتسليمهم إلى طالبان، خصوصًا مع التفاهمات الكبيرة بين إيران وطالبان في الأشهر الأخيرة، ويمثل هذا الهاجس عاملًا يدفع باتجاه تسهيل عملية تجنيدهم من قبل روسيا، خصوصًا مع التوجهات العدائية من قبل حركة طالبان تجاه مقاتلي الفرقة؛ فعلي الرغم من تعهدات الحركة بعدم المساس بأي من القوات الحكومية السابقة، إلا أن قوات الكوماندوز لم تسلم كغيرها من باقي طوائف الشعب الأفغاني من انتهاكات طالبان، فعلي سبيل المثال قامت الأخيرة قبيل استيلائها على الحكم في أفغانستان وبالتحديد في يوليو 2021، بإعدام 22 عنصرًا من الفرقة في محافظة فرياب، وفي السياق ذاته، تتحدث التقارير عن نية طالبان قتل هؤلاء الجنود، حيث تقوم بعمليات تفتيش للمنازل بحثًا عن «الكوماندوز» المختبئين في أفغانستان لتعذيبهم أو قتلهم هم وأفراد أسرهم.

وثانيها، توجد حالة غضب شديدة لدى مقاتلي فرقة الكوماندوز الأفغانية تجاه الولايات المتحدة، التي لم تف بوعودها لهم فيما يتعلق بتوفير ملاذات آمنة بديلة في مرحلة ما بعد سيطرة طالبان على الحكم، حيث لم يتم نقل سوى بضع مئات من كبار الضباط جوًا عندما انسحب الجيش الأمريكي، بسبب الصعوبات المتعلقة بعدم أهلية هؤلاء للحصول على تأشيرات أمريكية خاصة بجانب أنهم لم يعملوا بشكل مباشر مع الجيش الأمريكي. ويمثل هذا الموقف الأمريكي دافعًا لهؤلاء للانتقام من الولايات المتحدة، وهو الانتقام الذي قد تكون أحد تجلياته متمثل في القتال إلى جانب روسيا في الجغرافيا الأوكرانية.

وبالإضافة إلى ذلك، يمتلك هؤلاء المقاتلون صناديق أسرار عسكرية مهمة مرتبطة بالولايات المتحدة، وبالتالي فإن عملية استقطابهم سواء من الجانب الروسي للقتال في الحرب الأوكرانية، أو من جانب إيران للقتال في اليمن، قد تمثل خطورة لواشنطن. وفي هذا السياق، ظهرت مخاوف بعض المسئولين الأمريكيين من أن يشكل الفارون من قوات الكوماندوز خطرًا على الأمن الأمريكي حال قيامهم بتسريب معلومات عسكرية حساسة، إذا تم إكراههم أو تجنيدهم للعمل مع التنظيمات الإرهابية كالقاعدة والفرع الخراساني لتنظيم داعش أو قوى دولية كإيران وروسيا.

وثالثها، تشير التقديرات الغربية حول الحرب الأوكرانية إلى أن روسيا تعاني من العديد من الإشكالات في الساحة الأوكرانية، على المستوى الفني والقتالي واللوجستي، ولعل انسحاب روسيا من مدينة خيرسون في 11 نوفمبر الجاري في مقابل تقدم أوكرانيا على مستوى السيطرة على مناطق الجنوب مثّل أحد مظاهر هذه المعاناة، كذلك تعاني موسكو نقصًا كبيرًا في عدد قواتها في ساحة الحرب بسبب تعرضها لخسائر ثقيلة، وهو ما يدفعها إلى معالجة هذا النقص، من خلال بحثها بشتى الطرق عن تجنيد وتقديم التسهيلات لضم العناصر الأجانب للقتال في أوكرانيا، خصوصًا بعد غضب المواطنين الروس من عمليات التجنيد الإجباري التي أقرها الرئيس بوتين لدعم خطوطه القتالية في الحرب الأوكرانية.

وتشير الدراسة في هذا السياق، أنه يحظى مقاتلو «الكوماندوز» الأفغان بأهمية كبيرة بالنسبة لروسيا، خصوصًا أن هؤلاء المقاتلين يتمتعون بخبرات قتالية كبيرة في ضوء التدريبات التي حصلوا عليها من قبل الولايات المتحدة على مدار 20 عامًا، فضلًا عن انخراطهم خلال هذه المدة في الحرب ضد طالبان، ما يعزز إمكانية الاعتماد عليهم من قبل روسيا في الحرب الأوكرانية.

ورابعها، أن الظروف المأساوية التي يعيشها مقاتلو «الكوماندوز» الأفغان اقتصاديًا واجتماعيًا، سواءً من بقي منهم في أفغانستان أو خرج إلى بعض دول الجوار الأفغاني، تُعزز من القابلية لديهم للعمل كمرتزقة لبعض الدول، وتُسهل عملية تجنيد روسيا لهم، استغلالًا لظروفهم الاقتصادية الصعبة.

وفي ختام الدراسة تري الباحثة أنه يمكن القول إن المساعي الروسية لتجنيد المقاتلين التابعين لفرقة «الكوماندوز» الأفغانية ترتبط بشكل رئيس بسعي روسيا إلى توظيفهم في ساحات القتال في أوكرانيا؛ استغلالًا للأوضاع الصعبة التي يعيشها هؤلاء المقاتلون في مرحلة ما بعد سيطرة طالبان على الحكم، لكن هذه المساعي تواجه بعض التحديات المرتبطة بشكل رئيس بعلاقة هؤلاء المقاتلين بالولايات المتحدة التي دربتهم على مدار 20 عامًا، فضلًا عن العداء التاريخي الذي يكنّه هؤلاء لروسيا، كجزء من حالة العداء الأفغانية التاريخية لروسيا منذ الغزو السوفيتي لبلادهم، ناهيك عن الإشكالات اللوجستية الأخرى التي قد تحول دون قدرة روسيا على تجنيد أعداد كبيرة منهم.