رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معاً من أجل مجتمعات أكثر راحة للرجال

خلق آدم في بداية الزمان فخلقت حواء ليتشاركا معا، ويؤنسان بعضهما البعض، ويستعينان ببعضهم البعض قبل حتى أن يدركا أنهما سيكونان بداية الخلق أجمعين، وكانوا أولا من تشارك الأرض، وأول من سعى في الدنيا، كانا وحدهما يتشاركان كل أمر ويسعيان معاً كرجل وأنثى بطمأنينة وحب، يدركان سوياً قيمة بعضهما ومعنى اختلافهما قبل أن تسحبنا الدنيا بتحزب وانحياز وتفرد لكل نوع على الآخر، كنا إنساناً نتشارك معا الأرض بما عليها لننعم معاً، ونأمن معا ونعمر معاً دون تمييز أو تفضيل لإحدانا.

ومن بعد ذلك تتالت الرسالات السماوية لترسي قواعد الأخلاق وتدير منظومة السلوك، لكلينا رجالاً ونساء لا تفرق بيننا في إلزام أو ثواب أو عقاب وتزامن مع ذلك فترات تاريخية وعصور رسخت أفكارا وأدواراً تتناسب مع طبيعة المرحلة، حينما كانت الشعوب تتصارع من أجل الأرض والمورد فاتجهنا لتقسيم الأدوار ما بين رجال تضع خططاً وتذهب للحرب، ونساء تقوم بأدوار الرعاية والزراعة والإطعام وتهتم بالاقتصاد والتعليم بحيث ينتظم المجتمع بشراكة وتكاملية لحياة خالية من الصغرات، وتحقق طمأنينة وعدلاً، وإطار يحقق مكاسب وراحة، وبقاء بكرامة وتراحم دون جور.

هذا الإطار التي ظلت البشرية تتناقله بتشاركية وحب وتحمل مسئولية الآخر من أجل بقاء الإنسانية وموادها بنوع والتوافق والتفهم على فترات زمنية وظلت تعدل فيه بمرونة كلما اقتضت الحاجة لذلك، إلى أن بدأت بعض الأيدي تعبث في هذا النظام وتخربه فما بين استهداف في فترات الحرب للنساء والأطفال في بعض العصور كونهم من يسكنون المدينة لأدوار بعيده بعض الشيء عن النزاع والقتال، وما بين استهداف آخر في فترات زمنية أكثر استقراراً يغير في موازين القوى ويضع السلطة في يد من يقاتل تارة أو من يصنع تارة أخرى أو من يملك المال مرات عديدة، اتجهت الإنسانية بعدها بميول انقسامية تصنف وتفرض أدوار ومعايير للقوة لكل نوع وفق أهواء وتأويلات لأديان وسلطات تتبدل من عصر لعصر.

والغريب أنها ظلت تأخذ مسارات أكثر انحداراً، وتفريقا في كل أمر وكل حق، فأقرت مثلا من يعمل ومن يلزم البيت من يقرر، ومن ينفذ وهلما جرا من الإلزامات الوضعية التي أنهكت وأرهقت الجنس البشري بنوعيه، وربما لا نكذب إن قلنا إنها أنهكت الرجال أكثر بدعاوي السلطة والهيمنة وإرضاء الذات في مقابل ظلم النساء.
بدأ الأمر بتقسيم من أجل التشارك والتكامل، وانتهى بتدخل جائر يميز ويخل بكل موازين الطبيعة، ويشوه مفاهيمها عن قدرات البشر بنوعيه وبخاصة النساء، وعززالأنا عند بني آدم ووضع السلطة والقوة والوصاية في يدهم وحجبها عن بناته، وشرع له الحق في أن يحجب عنهن حقوقهن وممارستها بمبررات شتى، والأدهى أنه ظن أنه من يهب الحق، ومن هنا بدأت النساء تسعى لتصحيح المسار وإرجاع البشرية لناموسها الطبيعي وتخليها من الوضعي.

وهذا ما جعل الرجال يظنون سوءاً أن النساء تعاديهم وتحاول أن تسرق القوة من بين يديهم، أوتسحب السلطه من تحت أقدامهم وأن الأمر تحول لساحة نزال بين نوعي البشر كل جنس يحاول أن يثبت أفضليته وامكانياته ، فإما هو أو هي، وأن الأرض بما رحبت لا تسع كلانا كما اتسعت لأبوينا ،وكأنما تلك السلطة، والحقوق لا تقبل القسمة على إثتين، ولن تكفى البشر بجنسيه.

وفى حقيقة الأمر أن تلك الحرب هي مجرد وهم مستمد من تأويل زائف، وخوف علي سلطة واهمة، لان من وضعها هو من أفسد الفطرة الإنسانية وهو من أراد أن يهلك الرجال بدعاوي ضعف النساء، ويهلك الرجال مرة أخري بإقناعهم أن نيل النساء لحقوقها وكرامتها هو فناء لرجولتهم وعزتهم.

فدعونا سوياً نضع الأمور في مصابها الحقيقي ندقق في الأمر من أجل رؤية أفضل لنقتنع أن الحرب ليست بحقيقة وأن تلك الأوهام ستنقضى لا محالة بمجرد، أن نستخدم التحليل والنقد فقط لما نعتقد فيه ونمارسه، فياعزيزى الرجل من اقنعك أن قمع النساء وسلب حقوقهم عزة لك،وراحة وقوة ،كيف لك أن تعتقد في صحة ذلك وأنت تدفع أثماناً باهظة الثمن بشكل يومي  منذ أن لعبت البشرية في ناموسها الفطري، حقا تدفع أثماناً من راحة بدنك، ومن وقت متعتك، ومن ليال دافئة تتركها في عمل شاق، وفى نوم هنيئ يهجرعيناك من اجل حماية أكثر لنسائك، ومن ثمن نفسى في خوف وقلق، وتفكير لا ينقطع، ومن حب ومشاعر طيبة قد لا تحصل عليها مقابل جفائك، ومن أموال تهدر هنا وهناك من أجل إنقاذ عائلتك وحمايتهم.

في كل مرة وافقت وناصرت العنف ضد النسوة في الطرقات، والشوارع وأماكن التعليم والعمل نقص شيء من راحتك ومن مالك في مرافقه لنسائك أو تكلفة مادية زائدة عليك من أجل حماية أكبر، في كل مرة ناصرت هجر التعليم والعمل دفعت ثمناً باهظا ًفي عمل إضافي لك ،وتعليم ليلي لأبنائك وخوف وقلق على وعي أبنائك وتربيتهم وغيرها، من الأشياء والمواقف التي لا ترهق غيرك، ولا تنقص من صحة، ومال ومشاعر، وفكر وراحة أحد سواك يا رجل.

فبالله ما يدفعك لذلك، مجرد مشاعر مكتسبة وإحساس بالأنا والسلطة الزائفة تضيع عمرك ومالك ودنياك مقابلها، هل الثمن مُجز حقاً، هل الأمر يستحق كل هذا الشقاء والفناء، هل ستمضي الدنيا عليك في هذا الزمن، رَجُلاً يملك من المشاعر السلبية جبلا يرتفع بالهم والقلق والعجز من أجل أن تشعر بسيادة واهمة، هل يمضي عمرك وأنت تقنع الآخر أنه أضعف منك وأقل كفاءة وشأناً فتنهك أنت وتنسى أن تضيف لذاتك فلا تلقي نظره احترام مستحقة في أي مكان حتى ممن تحاول أن تفرض عليهم ذلك.

اعتقد يا عزيزي إن الثمن غير مُرض في هذا الزمان، وأن العائد لا يغنى ولا يثمن من جوع، وأنك بحاجة لمراجعة حسباتك فمن سيحبك أكثر منك، ومن سيسعي على راحتك سواك، ومن يستحق أن يري تقدير حقيقي وحب صادق ممن حوله غيرك، ومن سيسأل عن ماله وعمره وصحته ووقته فيما أمضاهم سوى أنت وحدك.

وفي اعتقادي أنه يجب أن نستغل يوم الرجل العالمي من أجل أن نعيد للرجل مكانة تليق به وحياة أكثر استقراراً وراحة، وحياة بقلب مطمئن على من حوله، وبتوفيق مستحق بكامل وقتك وقدراتك وبدعم وحب ممكن حولك، رجولة تحتوي وتشارك، وتؤمن بالإنسانية وقوتها ثنائية شاكلتها، ويستكمل هذا الإطار التزامن مع قرب موعد يوم القضاء على العنف ضد المرأة، فلنفتح صفحة جديدة سوياً ونعيد الأمور لنصابها بشراكة من رجالنا وسعى من نسائنا لنصحح ما مضى، لمجتمعات آمنة، تحترم إنسانيتنا، وتقدس تنوعنا وأدوارنا، وتدعم الكفاءات والقدرات دون النظر لأجسادنا وأنواعنا، مجتمعات ترحب بكلينا وتعيدنا لهويتنا الأولى وفطرتنا الكونية، مجتمعات تستقوي ببعضها لا على بعضها، فلندعم سوياً رجالاً ونساء مجتمعات آمنة للجميع بلا تشويه أو إجحاف لسوانا، فلنضع نقطة ومن أول السطر نقول من الآن فلنتصارع معاً من أجل راحتنا معاً.