رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نحن دولة تمتلك أدواتها

لم يأخذ السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى قراره بطلب عقد مؤتمر المناخ إلا وهو على يقين أن مصر تستطيع وتمتلك أدواتها التى تؤهلها لاستضافة هذا المؤتمر وهو يعلم أيضًا مشاركة هذا الكم الكبير من رؤساء الدول والحكومات والهيئات الدولية.. بل إن الأمر تخطى ذلك إلى مشاركات كل من له اهتمام بقضايا المناخ من خلال أبحاثهم ودراساتهم المتعلقة بذلك.. وأيضًا كان سيادته على يقين أن هناك تدخلات دولية ومحاولات من بعض الدول والمنظمات لممارسة ضغوطها على تلك المشاركات كى لا يحضر رؤساء بعض الدول الكبرى مما سوف يترتب عليه هشاشة المؤتمر وعدم جدوى التوصيات التى سوف تصدر عنه.. والأهم من كل ذلك معرفته بأن تلك المحاولات سوف تمتد حتى أثناء المؤتمر من خلال تلك المنظمات والشخصيات التى سوف تثير قضايا جانبية ليس لها أى علاقة بالمؤتمر مثل قضايا حقوق الإنسان والمطالبة بالإفراج عن بعض المعتقلين والسجناء لإحراج مصر أمام هذا الحشد الكبير من المشاركين وذلك من منطلق أن هذا المؤتمر يأتى برعاية منظمة الأمم المتحدة التى تسبغ حمايتها على أصحاب الرأى والرأى الآخر وهو ما حدث بالفعل.
كان السيد الرئيس يعلم كل ذلك.. ومع هذا فقد اتخذ سيادته قراره بإرادة سياسية ثابتة دون تردد على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها البلاد مثلما يمر بها معظم دول العالم ولكنه كان على يقين أن الشعب المصرى سيكون هو الداعم الرئيسى له وأنه يمتلك الوعى الحقيقى الذى سوف يكون له الأثر الكبير فى إنجاح هذا المؤتمر على الأراضى المصرية وهو ما تم بالفعل حيث كان هناك اصطفاف وطني وشعبي غير مسبوق لإنجاح هذا المؤتمر الذى يعد الأكبر والأخطر بين جميع المؤتمرات العالمية من حيث كم المشاركين ونوعية القضايا التى سوف تثار فيه وكيفية تنفيذها خاصة وأن قضايا المناخ أصبحت أهم قضايا الحياة وأن القارة الإفريقية التى تمثلها مصر بصفتها الدولة المضيفة من أكثر مناطق العالم تأثرًا بالتغيرات المناخية وبالتالى من مطالباتها من الدول المشاركة لن تنحصر فى مجرد مطالبات مالية فقط بل فى مشاركات لوجستية وعلمية لمساندة تلك القارة على التكيف المناخى المتغير إلى الأسوأ.
بطبيعة الحال، فإننى لن أتحدث هنا عن أجندة المؤتمر والقضايا العلمية المهمة التى أثيرت فيه فهذا ليس من اختصاصى بل سوف أتحدث عن أحد أهم دروس علم الإدارة التى نجحت الدولة المصرية فى تنفيذه خلال هذا المؤتمر الفريد والاستثنائى وكيف أن الشعب المصرى قد أثبت قدرته على مواجهة كافة التحديات التى سوف تتعرض لها بلاده لإفشاله أو تهميشه حيث جاء الاصطفاف خلف قيادته داعمًا له وصنع الفارق الكبير بالوعى والاهتمام على مدار عامًا كاملًا بحيث خرج هذا الحدث العالمى فى أبهى صورة وهو ما ترتب عليه العديد من النتائج والمتغيرات فى سياسة بعض الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التى شاركت برئيسها ورئيسه مجلس نوابها ومستشار الأمن القومى لها وكذلك وزير خارجيتها حيث سمعنا وسمع العالم معنا تلك العبارة المدوية التى قالها الرئيس الأمريكى «إننا هنا فى مصر أم الدنيا» كان نجاح هذا المؤتمر يأتى من خلال محورين رئيسيين أولهما النجاح فى تنظيم المؤتمر وهذا هو دور الدولة المصرية وثانيهما فى النتائج والمخرجات التى سوف تصدر عنه وهذا سوف يكون فى يد الدول المشاركة فيه.
لقد نجحت مصر بكل المقاييس فى استضافة مؤتمر المناخ العالمى الذى يعتبر أهم وأعقد المؤتمرات التى استضافتها مصر مؤخرًا من حيث كم المشاركين ونوعية القضايا التى أثيرت فيه..  ومع هذا فقد خرج المؤتمر بالشكل اللائق الذى تحدث عنه العالم بأسره وجاءت ترتيبات السفر والإقامة والخدمات والأمن على أعلى مستوى على الرغم من اختلاف ثقافات وعادات الدول والأشخاص المشاركة فيه، بل كانت مصر حريصة على المشاركة فى معظم اللقاءات والندوات والجلسات بتميز معرفى وفنى وعلمى لا يقل عن أى بلد متقدم مما جعلنا نتجاوز الاستضافة التنظيمية الى المشاركة المؤثرة والفعالة.
لقد نجح هذا المؤتمر فى رفع شأن مصر عالميًا نتيجة للدعاية السياحية غير المسبوقة والحضور المكثف للشركات والمنظمات العالمية وكذلك وسائل الإعلام الأجنبية وهو ما يجب أن يدفعنا إلى ضرورة استثمار ذلك بقرارات واعية من الدولة لتحسين مناخ الاستثمار بها والحفاظ على وتيرة الحالة الإيجابية التى أطلقتها أجواء مؤتمر شرم الشيخ خاصة أننا فى وضع يحتم علينا ضرورة العمل بجدية على جذب الاستثمار وإطلاق طاقات الإنتاج والابتكار والتشغيل والتصدير والسياحة.
ومن هنا فإن نجاح مصر فى تنظيم مؤتمر المناخ يجب ألا يتوقف عند محطات الإشادة والتهنئة بل يجب أن يكون منطلقًا نحو تحقيق النجاح فى مسارات عديدة تهدف إلى العبور بثبات فى مواجهة الأزمات الإقتصادية العتية التى يتعرض لها العالم حاليًا.
هناك أيضًا منطلق واضح يجب أن نحسن استغلاله على الوجه الأمثل وهو ذلك القبول العالمى الذى أصبح السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى يتمتع به وهو ما رأيناه فى ذلك التواصل الحميم مع قادة العالم والمؤثرين على صنع القرار.. الأمر الذى يجعلنا فى موقف إيجابى غير مسبوق على الساحة الدولية والذى يجب استثماره بكافة الوسائل للنهوض بالصناعة والاستثمار والسياحة ومجالات التنمية المستدامة الأخرى.
لقد أعطت القيادة السياسية من الخبرة والوقت والجهد فى الإعداد والترتيب لهذا المؤتمر وكذلك من خلال حسن اختيار الكفاءات الإدارية والعلمية والأمنية ومتابعة أدائها على مدار عام كامل ثم هذا الأداء المشرف من المنظمين والشباب المشاركين فى التنظيم والتوجيه نموذجًا فريدًا فى حسن الإدارة وتحمل المسئولية أمام العالم كله والقدرة المصرية فى مواجهة أى صعوبات وتحديات من أجل تحقيق أهدافها مما أدى إلى نجاح هذا المؤتمر وخروجه بهذا الشكل المشرف.
ومن هنا فإننى أتقدم بكل التقدير والاحترام لكل من أسهم وشارك فى هذا الحدث الفريد..وتحية للشعب المصرى الذى صنع الفارق بوعيه وفهمه والتفافه حول قيادته السياسية المخلصة والمتفردة فى نجاحاتها وإنجازاتها.. وتحيا مصر.