رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صلاح عبدالصبور.. ضحية التطبيع

هو  محمد صلاح الدين عبد الصبور يوسف الحواتكى، الشهير بصلاح عبدالصبور. 
ولد في 3 مايو 1931 بمدينة الزقازيق. يعد صلاح عبدالصبور أحد أهم رواد حركة الشعر الحر العربي ومن رموز الحداثة العربية المتأثرة بالفكر الغربي، كما يعدّ واحداً من الشعراء العرب القلائل الذين أضافوا مساهمة بارزة في التأليف المسرحي، وفي التنظير للشعر الحر. كان رئيسا للهيئة العامة للكتاب.
أما ما حدث معه، والذي بسببه انتقل إلى الرفيق الأعلى، فلا أجد له وصفا محددا له. فقد قتلته كلمة لوم وجهها له أحد أصدقائه. 
وقتها كان الجو العام بين المثقفين ملبدا بالغيوم، كان السادات قد فرغ لتوه من إنهاء معاهدة كامب ديفيد، وكان يريد لكل أبناء الشعب أن يؤيدوه، في سعيه نحو السلام. 
ولكنه فوجئ بأعداد كبيرة من المثقفين تعارضه، فيما أيده عدد قليل منهم، وبدأ تراشق الاتهامات بين المثقفين، حول تأييد المبادرة والصلح مع إسرائيل.. 
كان موقف بعض المثقفين من المسئولين عن المواقع الثقافية صعبا، فهم مطالبون بتأييد الرئيس السادات، بحكم انتمائهم المهني والوظيفي، حتى ولو لم يكن هو موقفهم الشخصي. وهو ما عرضهم لسهام النقد الجارح من زملائهم. 
غير أن الموقف تأزم عندما عرض منصور حسن، وزير الثقافة وقتها على صلاح عبد الصبور رئيس الهيئة العامة للكتاب، توجيه دعوة لإسرائيل لحضور معرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي تنظمه الهيئة العامة للكتاب برئاسة صلاح عبد الصبور. 
وبالفعل حضرت إسرائيل المعرض للمرة الأولى. 
وهو ما زاد من حدة هجوم المثقفين على صلاح عبد الصبور، ووزارة الثقافة، وقام بعض المثقفين بمظاهرات احتجاجا على وجود إسرائيل، وبعضهم طالب صلاح عبد الصبور بالاستقالة، احتجاجا على دعوة إسرائيل. 
ولكن الرجل لم يقدم استقالته، وكانت وجهة نظره أنه لو استقال، سيترك مكانه لمن هو أسوأ منه. 
كان صلاح عبد الصبور مدعوا لعيد ميلاد ابنة صديقه الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، وفي منزل الأخير، كان الدكتور جابر عصفور الذي أصبح وزيرا للثقافة في بعد ثورة يناير 2011، والشاعر الراحل أمل دنقل وزوجته الناقدة عبلة الرويني، والفنان التشكيلي بهجت عثمان، وبعيدا عن صخب الأطفال، انزوت مجموعة الشعراء والفنانين للجلوس في شرفة منزل أحمد عبد المعطي حجازي. 
وبدأ أمل دنقل في قراءة قصيدة للشاعر عبد الرحمن الأبنودي، بعنوان المشروع والممنوع، وهي قصيدة تميل إلى جلد الذات، وتوجيه نوع من السلبية أو الإدانة للشعب المصري، لتعاطفه مع رئيسه السادات. 
وبعد انتهاء إلقاء أمل دنقل من إلقاء القصيدة، قال صلاح عبد الصبور إن الشعب المصري يستحق ما يجري له، لأنه لا يتمرد ولا يدافع عن نفسه. وتطورت الأمور، وازدادت حدة النقاش بين الأصدقاء، وهنا قال الفنان بهجت عثمان: 
- وكيف يثور الشعب ومثقفوه يخونوه؟ 
وقال له صلاح عبد الصبور: 
- ماذا تقصد؟ 
ولم يسكت بهجت عثمان، واندفع قائلا: 
- لا يثور الشعب لأن المثقفين أمثالك يخونوه. 
وهنا انفعل صلاح عبد الصبور، وخيل إليه أنه متهم بخيانة الشعب، وتأييد اتفاقية كامب ديفيد. بدأ يشعر بالتعب، كان يعاني من ارتفاع ضغط الدم، عرض عليه حجازي أن يستريح في حجرة النوم، ولكن الألم الشديد بدأ في مهاجمته، ونقلوه إلى مستشفى هليوبوليس بمصر الجديدة، وقرر الأطباء إدخاله إلى غرفة العناية المركزة، وفي الطريق إليها هاجمته نوبة إغماء، وبعد نصف ساعة من دخوله غرفة العناية المركزة خرج الطبيب وأعلن لهم أن صلاح عبد الصبور قد مات.
تروي الإعلامية سميحة غالب زوجة الشاعر صلاح عبد الصبور أن زوجها قتلته كلمة، وهو ما يؤيده تقرير الأطباء. وقالت:
- التقرير الموجود عندي يقول إن صلاح عبد الصبور داهمته جلطة في الشريان التاجي نتيجة انفعال داخلي بعد فترة إجهاد، والكلمة القاتلة قالها رسام مصري معروف الاسم في الجلسة التعسة في اليوم الأخير من حياة صلاح، قالها الرسام في منزل أحمد عبد المعطي حجازي، الذي كنا نحتفل بعيد ميلاد ابنته: لقد بعت نفسك بمليم. 
كانت الجلسة تضيق الخناق على الشاعر صلاح بشكل مريب، مع أنها جلسة أصدقاء، وكانت تحوم حوله اتهامات باطلة له.
غير أن صلاح تحامل على نفسه، ونفي التهمة، قائلا:
- أنتم لا تجيدون إلا كلام الطرطشة والعاطفة. 
ثم هب واقفا وهو يضع يده على قلبه يطلب هواءً نقيا، لأن جو المكان قد تسمم بالغدر والكذب وتلفيق أسباب الاتهام. 
وقالت الزوجة إنها بعد أن سمعت الكلام على زوجها، صاحت في وجوه الحاضرين متهمة الجلسة كلها بطابع السوقية. وخرجت هي وزوجها..
وضع صلاح يده على كتفها وقال لها: 
- كوني قوية يا أم مي. 
وبعد أكثر من ساعة، عاد أحمد عبد المعطي وجابر عصفور ليقولا للزوجة، إن صلاح في غرفة الإنعاش في المستشفى. ولم يخبراها بأن زوجها قد مات. 
كانت تلك هي علاقات المثقفين بعضهم ببعض، حتى في جلساتهم الخاصة، كانت مواقفهم السياسية تطغي عليهم. وهو ما تسبب في فقدان شاعر كبير في قامة صلاح عبد الصبور، قلما تجود مصر بواحد مثله.