رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الدستور» متحف الرجل الذي أحيا فن الأجداد.. زيارة لـ«محمود مختار»: صاحب الدعوة لـ«نهضة مصر»

متحف محمود مختار
متحف محمود مختار

المتحف تأسس بفضل صديقه الراحل راغب عياد والأثرى كمال الملاخ وطه حسين

هدى شعراوى جمعت أعماله الموزعة بين مصر وفرنسا وبعض البلدان الأوروبية

خريج الدفعة الأولى لمدرسة الفنون الجميلة والتحق ببعثة إلى باريس للدراسة نظرًا لنبوغه وتفوقه اللافت

ورش فنية للشباب والأطفال ومعارض للفنانين التشكيليين ودورات تدريبية للعاملين

عودة الحفلات الموسيقية والندوات الثقافية أفضل وسائل جذب الزوار والجمهور

«نهضة مصر والراحة وشيخ البلد ورياح الخماسين وسعد زغلول» أبرز التماثيل

قدم لمصر هدية سجلها التاريخ باسمه، وخالدة فى أذهان الناس حتى الآن وهى تمثال «نهضة مصر».. براعته وتميزه فى مجال النحت جعلت منه أيقونة أبهرت العالم، ترك لنا إرثًا من الأعمال الفنية فى غاية الجمال، جعلت صحف العالم تتغنى وتعزف باسمه، وكان أولها تمثال «عايدة» الذى عُرض فى باريس.

أصبحت أعماله قِبلة الدارسين فى العالم لتعلم فن النحت، محمود مختار يعد أحد الفنانين الرواد القلائل فى فن النحت، وأسس متحفًا يضم أعماله التى شهدت على فترة مهمة تاريخية وسياسية فى المجتمع المصرى، ويعتبر مختار أول فنان فى العصر الحديث الذى أعاد فن النحت مرة ثانية فى ثوب جديد.

 

متحف محمود مختار هو أول متحف لمثّال مصرى، وأنشئ تكريمًا وتخليدًا لذكراه وتقديرًا لفنه ونبوغه ومكانته الرفيعة، يقع المتحف وسط حدائق الجزيرة وداخل حديقة الحرية وفى مواجهة دار الأوبرا المصرية، وعبر مختار فى أعماله عن شخصية البلاد، وأعاد فن النحت ثانية فى ثوب جديد منذ أن توقف الفن المصرى بانتهاء العصر الفرعونى. 

WhatsApp Image 2022-11-18 at 1.27.39 PM (2)

تم تصميم مبنى المتحف من قِبل رمسيس واصف، ويضم خمسة وثمانين تمثالًا من البرونز والحجر والبازلت والرخام والجرانيت والجص، إضافة إلى عدد من اللوحات.

يتكون المتحف من طابقين، يحتوى على ٨ قاعات، إضافة إلى مساحة كبيرة محاطة بالأشجار من جميع الجهات، منخفضة نسبيًا عن الأرض، لها باب رئيسى، الدور الأول يحتوى على رفات الفنان مختار بعد قيام أهله بنقلها للمتحف، و٣ قاعات، وهى: قاعة حاملة الجرار، وهى عبارة عن قاعة بها نساء ريفيات يحملن الجِرار فوق رءوسهن، والثانية، قاعة الريليف، وقاعة الذكريات وهى تحتوى على أهم متعلقات مختار، مثل البالطو الخاص به الذى كان يستخدمه عند النحت، وبعض أدوات النحت الأخرى التى كان يستخدمها أثناء القيام بعمل المنحوتات.

بينما يتكون الطابق الثانى من ٥ قاعات، وهى: قاعة سعد زغلول، وقاعة الخماسين، والشخصيات، والبرونز، وإيزيس، ويضم المتحف بين جدرانه ١٧٥ عملًا من أعمال مختار المنفذة بمختلف الخامات، بالإضافة إلى أدواته الخاصة التى كان يستخدمها فى النحت، وكذلك وثائق وصور نادرة لمختار وأهم الجوائز والأوسمة العالمية التى حصل عليها. 

4 (4)

ويرجع الفضل فى تأسيس متحف محمود مختار إلى صديقه الراحل راغب عياد، وبمساعدة كمال الملاخ الصحفى والأثرى البارز، وذلك بدعم من هدى شعراوى، وتأييد من طه حسين الذى كان يشغل منصب وزير المعارف وقتئذ، ولعبت هدى شعراوى دورًا كبيرًا فى جمع شتات فن محمود مختار الموزع بين مصر وفرنسا وبعض بلاد أوروبا، حتى نجحت فى استعادة معظم تراثه الذى نجده مجمعًا الآن فى متحفه، كما نادى الصحفيون المصريون فى مختلف الصحف بتخليد أعمال مختار بإقامة متحف لأعماله، كان ذلك بين عامى ١٩٣٤ و١٩٣٥، وتشكلت أول جماعة لأصدقاء مختار برئاسة هدى شعراوى وعضوية مجموعة كبيرة من علماء مصر وفنانيها وأدبائها.

4 (1)

وبدأت تخاطب الجهات المسئولة بدءًا من ٢٢ يونيو ١٩٣٥، وفى ١٩٣٨ رأت وزارة المعارف أن تقوم بإنشاء المتحف والمقبرة على نفقة الوزارة، وفى العام نفسه عادت لمصر بعض أعمال الفنان الراحل، وقامت الحرب العالمية الثانية فى ١٩٣٩ وحالت دون إعادة بقية تماثيل مختار من الخارج، وبعد أن استقرت الأمور اهتم الدكتور طه حسين، وزير المعارف «التعليم»، من ١٩٥٠ حتى ١٩٥٢، على إعادة أعمال محمود مختار.

وفى ٢٧ مارس ١٩٥٢ افتتح متحف مختار فى ملحق بمتحف الفن الحديث «بين قصر الكونت زغيب وهدى شعراوى»، وكان عبارة عن إسطبل ملحق بقصر هدى شعراوى بشارع قصر النيل المطل على ميدان التحرير، ويرجع الفضل فى تجهيزه وإعداده لعرض ٥٩ تمثالًا للفنان عياد، زميل مختار وصديقه الحميم، والأثرى والصحفى كمال الملاخ. ولقد شاء القدر أن يكون لأسرة ويصا واصف أثر عظيم فى حياة مختار، فلقد كان لمواقف ويصا بك فى البرلمان ونداءاته الشهيرة أثر كبير على استمرار عطاء محمود مختار، والشخصية الثانية هى رمسيس ويصا واصف، الابن البار لرجل البرلمان الشجاع ومؤسس مدرسة الحرانية، فلقد صمم رمسيس ويصا، حين كان رئيسًا لقسم العمارة بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة، متحف مختار بحديقة الحرية، وتم نقل رفات مختار للمقبرة الجديدة بالمتحف فى ٢٤ يوليو سنة ١٩٦٢.

4 (3)

وفى عام ١٩٨٤ بلغت مجموعة مقتنيات المتحف ٧٩ تمثالًا، ٨ لوحات من النحت البارز والغائر، و٣ نماذج مجسمة ماكيت، ثم أعيد ترميمه، وقد تم إعادة افتتاحه فى شكل جديد ليتوافق مع أحدث أنطمة العروض المتحفية.

يضم متحف محمود مختار باقة من أشهر أعماله الخالدة، لعل أبرزها: «رياح الخماسين، وأم كلثوم، والقيلولة، وكاتمة الأسرار، وعروس النيل، واللقية فى وادى الملوك، ومناجاة الحبيب، وحارس الحقول، ونحو الحبيب، والعودة من النهر».

ومن أشهر التماثيل: تمثال نهضة مصر: فهو مصنوع من الجرانيت الوردى، ارتفاعه ٧ أمتار وعرضه عند القاعدة ٨ أمتار، يصور امرأة واقفة فى ملابس فلاحة مصرية ترفع عن وجهها الحجاب بيسراها، بينما يمناها مفرودة لتلمس بأصابعها رأس تمثال أبى الهول الذى يفرد قائمتيه الأماميتين فى تعبير عن النهضة. فى هذا التمثال يشير الفنان إلى الشعب المصرى بالفلاحة الأم. وكان أول مكان له ميدان رمسيس قبل أن ينتقل فى ١٩٥٥ لمكانه الحالى أمام جامعة القاهرة.

تمثال رأس سعد زغلول مصنوع من البرونز وارتفاعه ١٠٤ سم، وقد نجح الفنان محمود مختار من خلال معالم الوجه أن يعبر عن سمات زعيم الأمة، فقد جسد مجموعة الصفات المعنوية بتفوق هى: الجدية والإرادة والإصرار والعزيمة الماضية والشخصية القوية.

تمثال حاملة الجرة، مصنوع من البرونز وارتفاعه ٨٤ سم، تتمثل فيه أروع صفات نحته مع تكامل شخصيته الفنية فى تعبيره عن رمز مصر الزراعية ورمز الأمومة وربة الأسرة ونموذج العمل ونبع الحياة.

تمثال حارس الحقول، مصنوع من البرونز ارتفاعه ٤٥ سم، يصور فلاحًا عملاقًا يقف راسخًا مرفوع الرأس، يسند عصاه على كتفيه، يمسكها بيمناه، بينما يسند عليها يسراه فى وضع استرخاء رائع من الناحية الجمالية.

تمثال شيخ البلد، مصنوع من البرونز ارتفاع ٤٩ سم، وفى هذا التمثال عبر محمود مختار عن كبير القرية الذى يقف فى اعتداد بنفسه متطلعًا إلى الأفق.

تمثال على ضفاف النيل، مصنوع من الرخام، ارتفاعه ٤٠ سم، يصور فلاحة تنحنى وتميل بجذعها، وتسند جرتها على قاعدة مرتفعة خلف ساقى التمثال. تمثال الحزن، مصنوع من البازلت، ارتفاعه ٣٥ سم، يتجلى فى هذا التمثال استيعاب «مختار» لروح وأعماق النحت الجنائزى عند المصريين القدماء. وتمثال العودة من النهر، مصنوع من الحجر الجيرى، ارتفاعه ٤٧ سم، يصور ثلاث فلاحات عائدات من النهر يحملن الجرار المملوءة بالماء.

تمثال الفلاحة المرحة، عمل فنى رائع انضم إلى سيناريو العرض المتحفى مؤخرًا «يوليو ٢٠١٦»، وهو تمثال مصنوع من البرونز، وله قاعدة ١٠ سم × ١٠ سم وارتفاعه نحو ٤٠ سم.

يفتح المتحف أبوايه يوميًا من التاسعة صباحًا حتى الخامسة مساءً ما عدا يومى الإثنين والجمعة فهما إجازة رسمية، وفيما يخص أسعار التذاكر بالنسبة للمصريين والطلاب، بواقع ٥ جنيهات للمصريين، و٣ جنيهات للطلاب، و ١٠ جنيهات للأجانب و٢٠ جنيهًا لراغبى التصوير.

محمود مختار من مواليد ١٠ مايو ١٨٩١، ورحل عن عالمنا فى مارس ١٩٣٤ عن عمر ٤٣ عامًا، من خريجى الدفعة الأولى لمدرسة الفنون الجميلة التى أسسها الأمير يوسف كمال فى درب الجماميز، ولنبوغه تم إرساله فى بعثة إلى فرنسا للدراسة بمدرسة الفنون الجميلة فى باريس، وكان أساتذته يقدرون مدى نبوغه.

ساهم مختار فى إنشاء مدرسة الفنون الجميلة العليا، واشترك فى عدة معارض خارجية بأعمال فنية لاقت نجاحًا عظيمًا، ونظم معرضًا خاصًا لأعماله فى باريس عام ‏١٩٣٠، وكان ذلك المعرض سببًا فى‏ التعريف بالمدرسة المصرية الحديثة فى الفن وسجلت مولدها أمام نقاد الفن العالميين، ومن أشهر أعماله تمثال نهضة مصر، وهو صانع تمثالى سعد زغلول فى مصر والإسكندرية، إضافة إلى تماثيل لعظماء مصر والعالم.

يضم متحف محمود مختار باقة من أشهر أعماله الخالدة، ومن أشهرها: «رياح الخماسين، وأم كلثوم، والقيلولة، وكاتمة الأسرار، وعروس النيل، واللقية فى وادى الملوك، ومناجاة الحبيب، وحارس الحقول، ونحو الحبيب، والعودة من النهر.. وغيرها».

على الرغم من نجاح مختار الباهر إلا أن الحياة لم تدم له طويلًا، ففى ١٩٣١ أصيب مختار بمرض حير الأطباء وبدأ جسده فى الذبول، وأجريت له جراحة لاستئصال هذا الورم، ولكن هذا المرض استشرى فى الجسد ونصحه الأطباء بالعودة إلى وطنه، وودع أصدقاءه فى باريس، وعلى رأسهم مارسيل التى رافقته فى أيام شدته، فكان الوداع الأخير، وفى أيام مرضه كانت تزوره هدى شعراوى، وتوفى فى مارس ١٩٣٤.

قالت الفنانة التشكيلية هبة السبع، مسئولة النشاط الثقافى بالمتحف، إن المتحف يضم الكثير من المقتنيات الثمينة التى قام بنحتها الفنان العقبرى محمود مختار التى لا تزال تجذب الناس حتى الآن، وتعد هذه المقتنيات ثروة قومية لمصر، ما يزيد على ١٠٠ عمل يجسد مناحى الحياة، وكذلك عدد من التماثيل لزعماء مصر وفنانيها، وبعض الشخصيات الأجنبية، بخامات مختلفة «برونز، حجر صناعى، رخام جداريات».

وتابعت «السبع»: «إن المعرض لم يقتصر دوره على العرض فقط بل يقدم نشاطات مختلفة وخدمية، حيث قام المتحف بتنظيم الكثير من المعارض المؤقتة وآخر الفعاليات فى ٢٠٢٢ كان معرض عشرينيات القرن الماضى، فكان معرضًا ضخمًا حافلًا بإبداعات كبار الفنانين الرواد، فى قاعتى المتحف إيزيس والنهضة».

وأضافت «السبع» أن هناك تماثيل متميزة بالمتحف من أشهرها: «تمثال نهضة مصر والراحة والعميان الثلاثة وإله الحقول فون، وصرح سعد زغلول الذى سميت قاعة باسمه، والوجه البحرى والوجه القبلى، ورأس زنجية جارية».

وقالت السبع إن هناك بعض الأعمال «لعاشق الأزميل» محمود مختار تمت إعارتها لمدينة الفنون بالعاصمة الإدارية الجديدة، وهى فلاحة ترفع المياه، زوجة شيخ البلد، كما أن هناك تمثال رياح الخماسين يعرض الآن بمعرض ضخم بباريس.

وأشارت إلى أن هناك ورشًا فنية وأنشطة ثقافية ومنها ورشة «بينالى» الطفل الدورة الـ٢ احتضنه متحف مختار، وكان فيه أكثر من ٥٠٠ طفل موهوب من دول مختلفة وأطفال من ذوى الهمم كلهم ترددوا على المتحف، ومنهم من استلهم عمله الفنى بالمسابقة.

وفيما يخص الموظفين فيتم تأهيلهم على مستوى عالٍ من الدورات التدريبية المتنوعة، وكانت آخر دورة إعداد القادة إعداد صف ثانٍ من الموظفين وتأهيلهم لتولى القيادات، وعدد العاملين بالمتحف ليس ثابتًا يختلف من وقت لآخر، وأشار إلى أن الجمهور الذى يتوافد على المعرض الكثير من الزائرين، ومن الأجانب يتواجدون بكثرة فى فترة الشتاء من كليات الفنون تربية فنية، تربية نوعية، لهم محاضرات سنوية بالمتحف، أما باقى عشاق فن مختار فهم فى زيارات قد تكون متكررة تقديرًا لقيمة وقامة هذا الفنان العظيم، وزار المتحف وفد عبارة عن مجموعة من العاملين بمتاحف مختلفة على مستوى دولى حضروا للتبادل الثقافى مع متحف رائد فن النحت المبدع محمود مختار.

وأوضحت أن نسبة الزائرين بعد كورونا وحاليًا فهى فى ازدياد والحمدلله من أجانب لطلبة فنون لزوار ومحبى فن مختار.

قالت أميرة حسين، إخصائى فنون تشكيلية بمتحف محمود مختار، المركز يضم قاعتين معهما ساحة المتحف والمسرح، وقاعة إيزيس وقاعة النهضة يتم بهما تنظيم معارض فنون تشكيلية مؤقتة.

وأضاف أن الفنانين التشكيليين يقدمون للمعرض إسطوانة عليها أعمالهم، والمتحف يختار ما يناسب العرض منها، ومدة العرض من أسبوع إلى عشرة أيام، وأحيانًا يتم مع المعرض ورشة أم على حسب العرض، ويتم استضافة مهرجان كايرو كوميكس كل عام مدته خمسة أيام، يتم عرض قصص مصورة.

وأشارت إلى أن الأنشطة الثقافية توقفت أثناء كورونا، ورش نحت وحلى وأطفال، ولم يطلب أحد لعمل ورشة بسبب تأثير الممولين، وليس هناك تواصل بين المكان وبين الفنانين الذين يريدون إقامة تنظيم ورشة، وأكدت أن المعرض مستمر فى تنظيم المعارض الفردية، وأما المعارض الجماعية فليست بشكل دائم.

وقدمت أميرة عددًا من المقترحات التى لو تم تطبيقها لضمنت عودة الناس للمتحف وإعادة مكانته مرة أخرى، وهى: تفعيل دور الندوات الثقافية من جانب الوزارة، إضافة إلى الحفلات الموسيقية، والعروض المسرحية بالمسرح، وتطبيق نسبة على المعارض التى تنظم داخل المتحف فهى تقدم مجانًا فبدلًا من تقديمها للعارضين الذين يستفيدون من المتحف مجانًا، فتطبق عليهم إلزاميًا تنظيم ندوة ثقافية يعرف الناس فيها فنهم وعما تتحدث لوحاتهم وكل ما يخص معرضهم، إضافة إلى تنظيم ورشة لإفادة المتحف، والترويج والتسويق للمتحف بشكل فعّال.