رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اغتيال «الشقراء» مارلين مونرو

 

 

Blonde أو «شقراء» (بدون ألف لام التعريف) فيلم كابوسى، ليس فقط لأنه رسم صورة حزينة لواحدة من أجمل نجمات هوليوود فى الخمسينيات، ولكن لأننا أمام عمل يتشفى فى شخصية رحلت قبل ستين عامًا، وهى شخصية مارلين مونرو، الفيلم مأخوذ عن رواية نُشرت فى نهاية التسعينيات لجويس كارول، وهى سيرة ذاتية متخيلة عن النجمة صاحبة الشعر الأشقر والشفاه الحمراء المرسومة بإتقان، حين عرض الفيلم فى مهرجان فينسيا هذا العام أثار جدلًا كبيرًا، وحين عُرض مؤخرًا على نتفليكس قوبل بعاصفة من الاستهجان، مخرج الفيلم أندرو دومينيك اعتبر ردود الأفعال السلبية انتصارًا له، لأنه نجح فى استفزاز الجمهور المحب لمارلين مونرو.

أنت أمام فيلم قاس، يحكى حكاية مشابهة لحكاية بطلته، «نورما جين» الاسم الحقيقى لمارلين التى لا تعرف مَن هو والدها، ولكن من الصور الموجودة فى المنزل يلمح إلى إشاعة قديمة تقول إنها قد تكون ابنة كلارك جيبل، الأم مريضة بالفصام وتحاول أن تقتل طفلتها، لتقضى بقية عمرها فى مصحة نفسية، الممثلة الكوبية آنا دى أرماس رغم كآبة المحتوى نجحت فى استدعاء مارلين التى نعرفها، يدّعى الفيلم أن عملها فى السينما جاء بعد اعتداء رئيس أحد استديوهات هوليوود جنسيًا عليها، وبعدها تحولت إلى جسد يلهو به الرجال، وحكى عن علاقاتها معهم، وكيف تم استغلاها وهى مستسلمة تمامًا، لدرجة أنها لم تقدر على الاحتفاظ بالحمل مرتين فى الفيلم، وصور الفيلم زوجها المسرحى الكبير أرثر ميلر على اعتباره شخصية باهتة مستسلمة. قدمت البطلة دورًا مذهلًا، استحضرت خلاله روح وسلوك مارلين، وكان الأداء رائعًا فى فيلم فاشل، عمل على تفكيك صورة مونرو التى رسمها لها عشاق السينما، ورسم صورة أخرى عن امرأة مهزومة ومكتئبة ورخيصة وتافهة، تذهب إلى رئيس أمريكا إلى غرفة نومه وتشبع رغبته وهو يتحدث فى التليفون فى مشهد طويل مقزز، وبعيدًا عن رسالة الفيلم غير النبيلة، نحن أمام مخرج متحذلق، يريد أن يعمل سينما خارقة، فيها مشاهد بالأبيض والأسود بدون مبررات، وأيضًا توجد مشكلة فى الإيقاع، أنت أمام شريط يقترب من ثلاث ساعات من القسوة التى تحاصر شخصية البطلة، والتشتت البصرى والرتابة فى مناطق كثيرة فى الحوار، والاستغراق فى تصوير الرحم الذى فقد طفلين، بحيل بدائية، لا تليق بسينما اليوم، وبدلًا من الجلوس أمام الشاشة وتذكر تاريخك مع مارلين مونرو وأفلامها وزمنها، هو يريدك أن تشفق عليها، وتتذكرها باعتبارها شخصية رخيصة لا تستحق مشاعرك تجاهها، فيلم معقد بصريًا وتقنيًا لكنه ساذج فكريًا، يفعل كل شىء لصنع صور براقة ومثيرة للاهتمام، يفتقد إلى التعاطف مع مأساة سيدة رحلت منذ عقود ولا توجد لها عائلة أو أصدقاء يدافعون عنها، الناقد بمجلة نيويورك ريتشارد برودى كتب: «فيلم مبتذل بشكل يبعث على السخرية، إذ تبدو قصة مونرو كما لو تم توجيهها من خلال فيلم ميل جيبسون آلام المسيح، تحمل الشخصية سلسلة ساحقة من العذاب الذى لا رحمة فيه، والذى يعكس نوعًا خاصًا من السادية الإخراجية»، شارك فى الفيلم عدد من الممثلين الجيدين مثل أدريان برودى، بوبى كانفال، جوليان نيكلسون، ديدى غاردنر، جيريمى كلاينر وبراد بيت، ولكن الروح غير الطيبة التى جلست خلف الكاميرا جعلتهم أشباحًا تدور فى فلك الشخصية الضحية، بعد أن شاهدت الفيلم انتابتنى مشاعر متضاربة، وحطت علىّ كآبة لا تُحدثها مشاهدة الأفلام عادة، وسألت نفسى: هل انتصر المخرج على المشاهد؟، وهل تشويه شخصية لها تاريخ مع الناس الذين تفهموا مأساتها وأحبوها كما هى عليه يعتبر حرية شخصية؟، المخرج فى هذا الفيلم قرر الاتجار بجسد ولحظات ضعف واحدة أحببناها، هو تشهير صريح واستهانة بالذكريات، استهانة بالمُشاهد الذى يشاهد الأفلام ليكتشف العالم من جديد، فيلم سخرت له كل الإمكانات، فيلم مقبض ومزعج، يفتقد إلى الرحمة والنبل والخيال، هو اغتيال للشقراء «بالألف واللام» لمارلين مونرو.