رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مثقفون ومفكرون وكتاب أضلوا المصريين..وآخرون خذلوهم!

(١)
إن كانت مصر فى العقود الأخيرة – من بعد نصر أكتوبر بأشهر قليلة وحتى الآن - قد أوجعها ما فعله ملايين المصريين من العوام، فإن وجعها الأكبر قد أتاها من مثقفيها!
والحديث هنا ليس عن جميع المتعلمين أو الحاصلين على مؤهلات جامعية مثلا، إنما عن النخبة القارئة المثقفة التى اهتمت بالشأن الوطنى العام، والتى تمردت علىالموقف العامللمصريين المعاصرينالمضادللثقافة والقراءة والعازف عن الشأن المصرى العام!
ومن تلك النخبة من وجد نفسه مسؤلا فعليا وأخلاقيا وتاريخيا عن توجيه الجماهير – باختياره ككل الصحفيين والإعلاميين المتخصصين والكتاب وأساتذة الجامعاتأو قدرا كالذين مرقوا للصفوف الاولى فأصبحوا نجوما لامعة تحت وهج أضواء الكاميرات وتحلقت بهم أعين وآذان وعقول تلك الجماهير فى مصادفة قدرية!
ومن تلك النخبة فئة مستحدثة عارضة، وهم من كانت ثقافتهم هشة ولم يتم بناؤهم عقليا أو معلوماتيا أو حتى تربويا و وطنيا، لكنهم بفضل مفردات وسائل الإعلام والتواصل الحديثة أصبحوا – فى السنوات الأخيرة والآن- يوجهون قطاعات ليست بالقليلة خاصة من صغار السن والمراهقين حسبما يريدون!
لكن تلك الفئة الأخيرة لعبت أهم أدوراها فى لحظةفريدةاستثنائية قبيل ٢٥ يناير ٢٠١١م حين قامت بإعداد المسرح المصرى للمشهد الأهم بالخروج على الدولة المصرية خروجا بدأ مسالما وانتهى فوضويا!
وقد كان حال النخبة المثقفة المصرية التقليدية – مع عوامل أخرى- هو ما ساعد فى نجاح تلك الفئة فى تجميع تلك الأعداد من المصريين بالطريقة المذهلة التى رآها العالم!
لكن تلك الفئة لم تنجح فى مشاهد أخرى مماثلة بعد ذلك، لأن مشهد ثورة يونيو اعتمد أساسا على آليات مخاطبة الجماهير بشكل مباشر على الأرض مثل تجميع توقيعات تمرد!
لذلك فلا يكون الحديث عن دور ومسؤلية مثقفى مصر عما آلت إليه أحوالها منطقيا إلا بالإشارة إلى الكتلة المثقفة التقليدية التى قادت الجماهير فى العقود التى سبقت مشهد ٢٥ يناير ٢٠١١م، ثم عاد كثير منهم تدريجيا لمواقعهم مع تبديل بعض المقاعد مع تدشين الجمهورية الجديدة!
(٢)

بعد توقيع اتفاقية السلام عقب نصر أكتوبر، وجدت مصر نفسها فى مواجهة طوفان من اتهامات التخوين من محيطها العربى، بالتزامن مع استهدافها بالمد الدينى المتطرف من الداخل عبر جماعات التكفير القديمة والمستحدثة، ومن الخارج عبر تصدير الفكر الوهابى إليها مع إجازات الغربان المهاجرة للعمل فى الدول الخليجية!
كان من المفترض ساعتها أن تجد مصر من مثقفيها موقفا قويا للمساندة وصد طوفان التخوين، ومقاومة الفكر والنشاط التكفيرى، لكن ما حدث كان مخيبا لآمالها ومحزنا ومخزيا!
فلقد انضم السواد الأكبر من هؤلاء إلى طوفان اتهامات التخوين وتكونت مجموعات وائتلافات من المثقفين تتشبث بالأفكار العروبية الجوفاء الزاعقة التى جعلت من سب الدولة المصرية وقيادتها طقوسا يومية فى المحافل الأدبية والإعلامية والندوات الثقافية!
وتسللت إلى عوام المصريين مصطلحات الاتهامات عبر الصحف والكتب والندوات دون أن يدركوا موقف الدولة المصرية على حقيقته ومفرداته الواقعية وأولوياته الجديدة المتمثلة فى استرداد الأرض المصرية ومحاولة بناء حياة جديدة حقيقية لملايين المصريين!
لم يستوعب مثقفو مصر وقتها فكرة تغير الحقبة التاريخية واستجداد مفردات سياسية جديدة تصوغ شكل الدولة المصرية التى ستقوم بعد نصر أكتوبر، والتى كان على رأسها محاولة إحياء (الامة المصرية)،بشخصيتها وحدودها ومصالحها وأولوياتها الحقيقية! ثم ثبت بعد ذلك بعقود أن قيادة الدولة المصرية كانت على صواب سياسى كامل – فيما يخص رؤيتها لعلاقتها مع عدوها التقليدى -  وأن عقل المصريين الممثل فى طوائف المثقفين لم يكن قد بلغ من النضج بعد مرحلة يدرك معها ذلك الصواب!
ومن أدرك منهم ذلك وقتها كان يتم نبذه ثقافيا وفكريا وتكال له الاتهامات بالخيانة !
لقد كان كثير من قامات الصحافة والإعلام المصريين – ومعهم بعض السياسيين -ما يزالون يحيون مرحلة مراهقة سياسية وفكرية نجحوا فى تمريرها لطوائف الشعب من عوام المصريين!
أما أساتذة الجامعات فقد لعب كثير منهم دورا أكثر أهمية من الصحفيين والإعلاميين،وأكثر سوء أيضا فى ملف آخر لا يقل خطرا عن ملف تخوين مصر، وهو ملف التكفير والتطرف والإرهاب الدينى!
فقطاع كبير منهم انضم صراحة للمعسكر المتطرف واستغل موقعه لنشر ذلك الفكر بين الطلاب، بينما فضلت الغالبية الصمت والتزام الحياد وكأن الأمر لا يعنيها!
لقد تعاملت تلك الغالبيةمع موقع أستاذ الجامعة على أنه مجرد وظيفة من الوظائف التكنوقراطية، لا باعتبار أساتذة الجامعة جزء أصيل من القاطرة الفكرية لأى مجتمع، وأنهم مطالبون دائما بتكوين جناح مناوىء للتطرف الفكرى والدينى ومحفز لطلابهم على الانخراط فى المجتمع بصورة صحية وصحيحة!
أدى ذلك فى مجمله – من تطرف أعداد من الأساتذة وعزوف الغالبية عن القيام بدورهم المجتمعى المفترض –إلى وقوع الجامعات المصرية وطلابها فريسة سهلة بين مخالب الجماعات المتطرفة والتكفيرية المختلفة!
ثم كانت هناك- فى نفسالحقبة من ثمانينات وتسعينات القرن الماضى – ظاهرة أخرى وهى اتفاق ملاك ومديرو بعض المنابر الإعلامية الصحفية مع منظرى ومفكرى الفكر المتطرف على فتح أبواب تلك المنصات لأقلام متطرفة صريحة!
فى ثنايا هذا الاتفاق تخلى مثقفون كبار عن أسس أيدلوجياتهم الفكرية مثل تخليهم أو تساهلهم فى مبدأ مدنية الدولة ومبدأ المواطنة!
نتج عن ذلك نشر حالة مزاجية عامة متطرفة فى ربوع مصر وبين المصريين . ويكفى مثل واحد لكشف تلك النتيجة الكارثية، فلقد شاعت فى هذه الحقبة – بفضل سيطرة الأقلام المتطرفة على المنابر السابق ذكرها- إلى شيوع أفكار عامة، أخطرها أن الإرهاب وجرائمه لم يكن إلا ردا على سياسة الدولة القمعية!
وتطلب الأمر أكثر من عقدين من عمر مصر حتى يدرك المصريون أنهم كانوا على خطأ فى اعتقادهم هذا، وأنهم لم يكونوا سوى فريسة تم خداعها والسيطرة على عقلها الجمعى وقيادتها إلى ما أراده الآخرون!
(٣)
فى العقد الذى سبق أحداث يناير ٢٠١١أصبح هناك مشهدا ثقافيا وإعلاميا جديدا فى مصر. حيث أصبحت هناك قنوات تليفزيونية خاصة وصحف مستقلة خاصة بجانب بعض الصحف التابعة لمؤسسات ثقافية كبرى خاصة مثل بعض دور النشر. 
يمكن حصر نخبة مصر الثقافية الأكثر تأثيرا فى الجماهيرفى تلك الفترة فى ثلاث مجموعات، نجوم الإعلام المرئى والمسموع، ونجوم الصحافة الخاصة والمستقلة، واخيرا المفكرين وكتاب الرأى.
لقد أثرت هذه المجموعات فى الرأى العام المصرى ومهدت الأرض تماما لما حدث فى مصر بعد عشر سنوات بينما توارى أكثر دور أساتذة الجامعات. كان لعصر السماوات المفتوحة دوره فى هذا التوجه المثير للعوام..
هناك بعض الشخصيات التى ستصبح مفردات مهمة فى المشهد السياسى الجماهيرى فيما بعد تنحى مبارك عن الحكم، ولعبت تلك الشخصيات أدوار مهمة فى التأثير على المصريين فى لحظات حاسمة. 
فمثلا لعبت إحدى أهم دور النشر فى العالم العربى عبر جريدتها التى تحمل نفس اسم الدار دورا كبيرا فى تلميع كثير من الكتاب والمفكرين الذين انضموا صراحة بعد تنحى مبارك لمعسكر الجماعات التكفيرية وبعضهم هرب خارج مصر بعد ثورة يونيو!
واستغل بعض رجال الاعمال القنوات المملوكة لهم فى توجيه الرأى العام المصرى ضد الدولة المصرية عبر البرامج الموجهة، وعن طريق بعض المذيعات والمذيعين الذين ثبت فيما بعد قيامهم بأدوار منحازة لصالح هدم مؤسسات الدولة المصرية!
فسيطر على كثير من برامج إحدى هذه القنوات مذيع جاهر بعدائه فيما بعد للقوات المسلحة، بينما تولت مذيعة قناة أخرى عبر برنامجها السياسى الحوارى الشهير تقديم وجوه من قيادات الإخوان للمصريين و وجوه معارضة ثبت فيما بعد عملها لصالح أجندات إقليمية أجنبية!
واستأجر رجل أعمال أحد الصحفيين لرئاسة تحرير جريدته الخاصة وكشفت الجريدة ورئيس تحريرها ومالكها عن وجوههم الحقيقية فى يوم (معركة الكمائن) بسيناء، والتى استبقت الجريدة بيانات المتحدث العسكرى المصرى وقامت بإعلان انتصار المليشيات التكفيرية على القوات المسلحة على غير الحقيقة وفى خطوة خيانة صريحة لمصر والمصريين!
هذه الفئة من المثقفين يمكن أن نطلق عليهم (مثقفون يعملون لدى الغير)! ينفذون الأوامر الصادرة لهم وينفذون سياسة ربما بعضهم لم يكن على دراية تامة بها، بينما كان البعض الآخر موافقا ومعتنقا لنفس الأفكار التى يروج لها، أى كان هناك توافق فكرى بينه وبين صاحب الدكان!
بينما كانت هناك مجموعة أخرى من المثقفين المستقلين أو من يعملون لحساب أنفسهم!
(٤)
تمثلت تلك المجموعة الأخيرة (مثقفون مستقلون لا يعملون إلا لصالحهم) فى عدد قليل جدا جدا ومميز من نجوم الصحافة المستقلة الذين لمعوا ولعبوا أدوارا هى الأهم، وخاضوا مغامرات مع أو ضد السلطة السياسية القائمة منحتهم مزيدا من البريق وقوة التأثير فى القطاع المهتم بالشأن العام من المصريين!
كان هذا التأثير فى السنوات التى سبقت الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١ عبر قيام بعضهم بشراء بعض الصحف الخاصة، ثم وجودهم فى مقدمة مشاهد ما بعد ٢٨ يناير ٢٠١١!
من أشهر هؤلاء ذلك الصحفى والإعلامى الذى يعد من أكثر الصحفيين ثقافة معلوماتية فى ملفات بعينها مثل التطرف الدينى وجذوره فى التاريخ الإسلامى!
هذا الصحفى يعد حالة خاصة فى العقدين الأخيرين من تاريخ مصر الصحفى، ومن أكثر المثقفين الذين خدعوا المصريين فى أكثر المشاهد حسما وهى الأيام التى فصلت بين ٢٥يناير ٢٠١١ وبين وصول الجماعة الإرهابية للحكم!
فباختصار قام الصحفى الأكثر إحاطة بطبيعة الجماعة الإرهابية بخداع من كان يثق به من المصريين و وضع يده فى يد قيادات الإرهاب فى مفاوضات مباشرة لإسقاط الدولة المصرية،وقام بتقديم الجماعة للمصريين – الذين كانوا فى معظمهم ليس لديهم معلومات كافية عن التاريخ الإرهابى الحقيقى للجماعة- كفصيل سياسى مدنى لا يخشى من وصوله للحكم!
إنه (الصحفى المفتون بعقله ونفسه)، والذى يمكن أن يحدثك ويقنعك اليوم بقضية ثم يقرر غدا أن يقنعك بعكسها معتقدا ومقتنعا فى ذاكرة سمكية للمصريين!
خاض حربا شعواء ضد الجماعة الإرهابية بعد أن خدع المصريين وساعد فى وصولها للحكم بشكل مباشر! 
كان يقدم برنامجا قويا فى قناة مصرية عن قناة السويس، بينما ينشر على صدر صحيفته فى نفس اليوم ما ينفى وجود تآمر على مصر فى ذروة معارك سيناء فى بدايات تولى الرئيس السيسى للحكم!
صحفى آخر معروف بتوجهه العروبى القومى، امتلك فى دولة مباركمطابع لطباعة صحيفته وطباعة صحف أخرى لم تمتلكها مؤسسات صحفية قومية، دون أن يسأله أحد عن مصادر أمواله، هذا الصحفى ممن خدعوا المصريين وأقنعوهم أن كل من أيد بلاده فى موقفه السياسى بعد اتفاقية السلام فهو خائن!
مفكر كبير قدم نفسه للمصريين كمفكر ليبرالى ودأب على كتابة مقالات بأعرق الصحف المصرية القومية، بينما كان له وجه أخر ترسم ملامحه مقالاته التى كانت ترفض فى تلك المؤسسة بينما يحتفى بها وبه صاحب دار النشر الخاصة الأكبر والتى أشرت إليه وإليها وإلى الصحيفة التى تحمل اسم الدار!
هذا المفكر الليبرالى كان من نجوم تلك الصحيفة بمقالاته التى يدس السم بها بجرعات مقدرة حتى كشف عن وجهه المتطرف كاملا بعد ثورة يونيو!
وهذه الصحيفة نفسها هى التى أفردت موقعا متميزا فى آخر صفحاتها لروائى متواضع أدبيا يكتب بها مقالات سياسية لتجعل منه مفكرا سياسيا، ثم كشف عن وجهه كاملا بعد ثورة يونيو واختار مهاجمة بلاده من الخارج والثمن ترجمة رواياته المتواضعة لكى يحصل على لقب روائى ومفكر عالمى!
(٥)
فجأة انضم بعض المبدعين من فنون مختلفة لقوائم المثقفين والمنظرين السياسيين! وحاولوا القيام بدور (المثقفين المختلفين عن القطيع!)
ومن وجهة نظرهم مثلا أن الثقافة والتحضر تعنى الوقوف فى أى معسكر معادى للمؤسسات الدولة! 
ضمت القائمة بعض الممثلين والممثلات من أصول غير مصرية أتوا إلى مصر فعملوا ومنحتهم مصر الشهرة والمال، حتى إذا ما خاضت مصر محنتها تنكروا لها وتطاولوا عليها!
بالإضافة إلى بعض المبدعين المصريين متواضعى الفكر والثقافة والمعلومات الواقعية عن الحياة فى مصر والذين خدعتهم الأضواء فتخيلوا انفسهم قادة فكر للجماهير!
واعتقدوا أن هناك (إكليشيه) يصنع المفكر ويقوم على معاداة مؤسسات الدولة خاصة الامنية والقوات المسلحة، وأن هذا العداء يكفى ليحصلوا على لقب (فنان ومفكر وناشط سياسى!)
فمثلا مخرجة ما لها أعمال فنية مهمة ترى فى قيام مواطن بالتحريض على قتل قضاة وضباط معارضة سياسية! وأن إدانة هذا المواطن قانونا وسجنه هو من قبيل التنكيل السياسى بالمعارضين!
وترى أخيرا أن الاستقواء بدول أجنبية - إحداها معروفة بتاريخها المخابراتى القذر فى مساندة الارهاب - للضغط على مصر فى محفل دولى للتدخل فى شئونها الداخلية لإجبارها على الإفراج عن هذا المواطن هو شىء جميل!
(٦)
من أكثر الأفكار ضلالا وإضلالا والتى غرسها بعض هذا المزيج من أصحاب الفكر والفن والمنابر الإعلامية – خاصة فى العقد الذى سبق أحداث يناير - هو كل ما يتعلق بالمؤسسة العسكرية المصرية!
امتد التضليلليشملالمصطلحات،مرورا بحقيقة الدور الذى تقوم به تلك المؤسسة، انتهاء بحقيقة العلاقة بينها وبين جماعة الإخوان وكل جماعات وميليشيات الإرهاب الدينى!
فلقد روج كثير من هؤلاء عبر مقالات صحفية أو ندوات سياسية عدة مصطلحات لسنوات طويلة حتى تلقفها المصريون وتعاملوا معها وكأنها اصطلاحات سياسية حقيقية.
أول تلك المصطلحات التى ابتكروها وضللوا بها المصريين (نظامالحكم العسكرى) الذى يحكم مصر منذ ثورة يوليو وحتى نهايات حكم مبارك مرتكبين بذلك عدة أخطاء مركبة أو متجاهلين عدة حقائق مؤكدة للوصول إلى ما أرادوا تمريره!
فلقد تجاهلوا وجود شرعية جديدة تماما للحكم بعد انتصار أكتوبر اسمها شرعية النصر، ثم وجود شرعية جديدة ثالثة بعد استشهاد السادات ونجاح مبارك فى أول استفتاء حقيقى وواقعى،لأن المصريين ساعتها أرادوا بالفعل استقرار بلادهم وعدم استكمال مخطط تمزيق مصر بعد اغتيال السادات. لذلك كانت الموافقة على مبارك ١٩٨١م موافقة حقيقية، ولذلك فنظام مبارك – عند توليه الحكم- قام على شرعية ليبرالية جماهيرية حقيقية وليست وهمية!
كما تجاهلوا أن تصنيف أى نظام حكم بأنه عسكرى أو مدنى إنما يكون حسب القانون الذى يتم تطبيقه لا حسب وظيفة مرشح الرئاسة السابقة لترشحه! فكثير من رؤساء الولايات المتحدة كانوا ضباطا سابقين فى الجيش!
وحتى قانون الطوارىء فى مصر فقد كان يتم استخدامه فقط فى قضايا الإرهاب، ولم تتم بمقتضاه محاكمة المصريين أمام قضاة عسكريين أو طبقا لقانون عسكرى. وما فعلته مصر فى قضايا الإرهاب أخف كثيرا مما فعلته حكومات غربية تتشدق بالديمقراطية، ومعتقلات جوانتانامو مثل بسيط!
وكان تمرير هذه الاكذوبة يمثل نجاحا حقيقيا للتيار الدينى المتطرف الذى جعل مصطلح (الحكم المدنى) نقيضا لحكم رئيس عسكرى المهنة، دون أن يلتفت المصريون إلى أن مضاد الحكم المدنى هو الحكم الدينى!
المصطلح الثانى الذى مرره هؤلاء الكتاب والمفكرون للمصريين هو كلمة (عسكر) للإشارة إلى القوات المسلحة المصرية, فى تطاول واضح ومحاولة لكسر حاجز الاحترام النفسى الكبيرالذى يحمله غالبية المصريين لقواتهم المسلحة!
لأن هذا المصطلح تاريخيا كان يستخدمه المصريون فى فترات تاريخية سابقة للإشارة لجنود وضباط يمثلون قوات احتلال أجنبية. لذلك كان هذا المصطلح رمزا سلبيا مذموما فى العقل المصرى الجمعى. وتمريره كان من أحط محاولات بعض المفكرين والكتاب لإهانة القوات المسلحة الوطنية!
بعد نصر اكتوبر كانت مصر مستنزفة اقتصاديا، وفى نفس الوقت لم يكن مسموحا وطنيا الاتكاء على هذا النصر دون العمل على إعادة بناء القوات المسلحة بما يضمن لها القيام بمهمتها الوطنية الدائمة، لذلك كان لا بد أن يكون للجيش اقتصاده القوى وموارده التى تسمح له بمواكبة أحدث نظم التسليح العصرى الضرورية للاضطلاع بتلك المهام المصيرية.
كان ذلك التوجه الاقتصادى هو ما وفر للقوات المسلحة من الموارد ما ردع الجميع فى لحظة مفصلية بعد محاولات تفكيك الدولة المصرية.
فلولا وجود تلك القوة الصلبة فى حال يسمح لها بالصمود لكان مصير مصر مختلفا تماما الآن!
النشاط الاقتصادى الذى قامت به القوات المسلحة المصرية كان هدفا لكثير من هؤلاء المنظرين السياسيين والاعلاميين والكتاب والفنانين!
فرغم أنهم يعلمون تماما أن جميع الجيوش الحديثة تفعل ذلك، إلا أنهم حاولوا مرارا خداع المصريين بالادعاء أولا بعدم تفرغ الجيش لمهامه واشتغاله بانشطة أخرى، ثم ثانيا ادعائهم بعد نجاح القوات المساحة فى معركتها الاخيرة، بسيطرة القوات المسلحة على أنشطة اقتصادية كانت من حق القطاع الخاص!
حتى جاء الرد حاسما وقاسيا من رأس الدولة مباشرة بالإعلان عن النسبة الحقيقية لنشاط القطاع الخاص فى الاقتصاد المصرى وهى ٧٥بالمائة!
بعد انكشاف الإرهاب الدينى تماما للمصريين ومحاولة المصريين إدراك بلادهم من المصير الأسود وخروج أكثر من ثلاثين مليونا منهم ومطالبتهم للقوات المسلحة بالتدخل واستجابة القوات المسلحة للقام بواجبها، لم يجد بعض المثقفين والكتاب من ادعاء لترويجه سوى محاولة تصوير كل ما مرت به مصر وكأنه نزاع على الحكم بين القوات المسلحة وبين جزء من المصريين اسمه الإخوان المسلمين!
حاولوا تشويه الدور الوطنى للقوات المسلحة وتقديمها فى صورة مؤسسة طامعة فى الحكم، فى محاولة صارخة لتزييف حقائق ساطعة وأحداث كبرى عصفت بدول مجاورة وشردت شعوبها ومزقت وحدتها واستقرارها!
لم يكن ما مرت به مصر شأنا محليا لكنه كان جزءا مما خططللمنطقة، وحاولت قوى عظمى تحقيقه بقوة السلاح وتهييج الشعوب واستخدام ميليشيات عميلة!
لم تستوعب شعوب المنطقة المؤامرة إلا فى وقت متأخر، ولم تستطع المقاومة إلا فى مصر بفضل استفاقة فى الوقت الحاسم للمصريين. بفضل قوة مؤسستها العسكرية. كانت محاولة أخيرة فاشلة من بعض الأقلام والمنابر الإعلامية وأدها المصريون فى مهدها!
(٧)
بعد كشف كل أسرار تلك السنوات ونشر الوثائق خارج وداخل مصر، تبدت كل الحقائق وعرف المصريون أن هناك قوائم من أصحاب الاقلام والمفكرين ومتصدرى المشهد الإعلامى كانوا يتقاضون مقابل مادى شهرى من التنظيم الدولى للجماعة الإرهابية!
وأن هناك من المثقفين والصحفيين من كانوا عبارة عن بالونات هواء تسللوا للمقاعد الأمامية فى غفلة تاريخية مستغلين حالة الفقر الثقافى العامة التى سيطرت على المشهد!
وكان هناك من يعمل صراحة لصالح أجندات خارجية اقتناعا واعتناقا لأيدلوجيات معادية للدولة المصرية!
وهناك من كان يعرف الحقيقة وصمت خوفا وإيثارا للسلامة الشخصية، وهؤلاء يمكن أن نطلق عليهم زعماء الخذلان!
وتشارك الجميع فى خذلان مصر فى غالبية القضايا المجتمعية التى كانت سببا مباشرا فى معاناة الدولة المصرية مثل قضايا الفنون، قضايا مجتمعية كتنظيم النسل، التطرف الدينى، المواطنة، خذلان القيادة المصرية الطامحة لتغيير وجه مصر فى نفس القضايا، وأخيرا حالة التراخى التى نحسها فى مواجهة إصرار المعسكر المعادى على استكمال خططه فى تخريب مصر وتفكيك مؤسساتها!
بعد استقرار الاوضاع السياسية فى مصر وعبور البلاد لمحنتها، ونجاح مؤسسات الدولة فى الحفاظ على البلاد، حاول كثير من هؤلاء العودة لصدارة المشهد بشكل جديد، إما بعيد كل البعد عن السياسة أو بمظهر المؤيدين للدولة المصرية!
اعتقدوا أننا كمصريين قد نسينا كل ما سبق وأن الدولة تناست أدوار كل منهم!
لكن الحقيقة أن ما يحدث الآن ليس إلا توثيقاواستكمالا لكشف كل وجه بشكل كامل أمام المصريين!
كشف لخواء بعضهم حين تم سؤالهم على الهواء مباشرة عما يرونه كحلول لما تمر به مصر من مشاكل اجتماعية!
وكشف لمحاولات البعض القيام بدور العرابين لإعادة دورة حياة الجماعة الإرهابية فى مصر!