رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دول شمال إفريقيا نحو استغلال الشمس لتدارك عجز الطاقة

الطاقة الشمسية
الطاقة الشمسية

تنعكس أشعة الشمس على عشرات ألواح الطاقة الشمسية المنتشرة في بحيرة في تونس، الساعية كغيرها من الدول المغاربية لتدارك تأخرها في استغلال هذا المصدر الطبيعي للطاقة المتوفر على مدار العام تقريبًا، وذلك بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.

رغم عوائق البيروقراطية على المستوى الإداري، إلاّ أن العديد من الدول تقدمت أشواطًا مهمّة في إنتاج الطاقة الشمسية، على خلفية ارتفاع أسعار المحروقات جرّاء الأزمة الروسية الأوكرانية وازدياد الوعي حيال أهمية العودة إلى الموارد الطبيعية واستغلالها، بحسب خبراء.

ويقول الباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن مايكل تانشوم لفرانس برس إن "الضغط الهائل على الغاز الطبيعي وبالخصوص في أوروبا غيّر معادلات الاستثمار في هذا المجال".

لكن في المقابل، توجد في كل من "الجزائر وتونس والمغرب موارد هائلة من طاقة الشمس والرياح"، وفقًا لتانشوم المتخصص في التجارة والطاقة والشئون الجيوسياسية في منطقة شمال إفريقيا.

يأمل المدير في شركة "كيير" عمر الباي أن يكون نموذج محطة الطاقة الشمسية العائمة في البحيرة الواقعة في العاصمة التونسية والتي تنتج 200 كيلواط والتي تعد الأولى من نوعها في منطقة شمال إفريقيا، محفزًا لإطلاق مشاريع أخرى مشابهة في المنطقة.

ويؤكد الباي أن تونس التي تملك موارد محدودة، "ليس لديها خيار آخر سوى المراهنة على مصادر الطاقة المتجددة".

تمتلك محطات الطاقة العائمة خاصية التبريد الطبيعي للألواح مما يجعلها أكثر نجاعة، فضلًا عن كونها تفتح المجال لاستغلال الأراضي "لاستخدامات أخرى كالزراعة أو بناء المساكن"، بحسب الباي.

يعد مناخ دول المنطقة معتدلًا إلى حار، بينما تقدّر ساعات سطوع الشمس بالآلاف على مدى العام بأكمله، وهو ما يعزز إمكانية أن تصبح المنطقة عملاقًا لإنتاج الطاقة الشمسية البديلة ويكون بمقدورها تلبية احتياجاتها الخاصة بل وحتى التصدير إلى أوروبا.

يرجع تانشوم التأخر في استغلال هذا المورد إلى "شلل سياسي" تسبب فيه غياب الاستقرار السياسي مع تعاقب نحو عشر حكومات على البلاد خلال العقد الأخير.

فضلًا عن ذلك، فإن تونس مثقلة بالديون في إطار أزمة تتفاقم يومًا بعد يوم على خلفية تداعيات وباء كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا التي أدت إلى زيادة فاتورة وارداتها من المواد الغذائية والطاقة المدعومة من الدولة.

وغالبًا ما تواجه المشاريع عقبات قانونية وإجراءات إدارية معقدة بسبب البيروقراطية، كما يؤكد رئيس "الغرفة النقابية الوطنية لتركيب وصيانة المعدات الفولطاضوئية" علي الكنزاري.

فمثلًا، الألواح التي يتم توريدها من خارج البلاد "تتعطل أحيانًا لمدة شهر أو شهر ونصف الشهر في الجمارك. نحن بحاجة إلى قوانين أكثر مرونة ويحتاج المسار برمته إلى التعجيل"، بحسب الكنزاري.

يشير الباي بدوره إلى "خلاف" مع نقابات في الشركة التونسية للكهرباء والغاز تعارض أي محاولة لخصخصة الشركة.

وأبرز مثال على ذلك مشروع محطة الطاقة الذي أقيم في الصحراء قرب تطاوين ولم تبدأ الاستفادة منه إلا في أكتوبر، أي بعد سنتين من إنشائه، لإنتاج 10 ميغاواط وتزويد 10 آلاف أسرة بالكهرباء.

لكن ما زال هناك أمل بعض الشيء، بحسب الباي الذي يؤكد "تجاوزنا اليوم كلّ هذه المشاكل".

وفُتح المجال اليوم من قبل السلطات في المنطقة لتدارك ما فات من تأخير، بحسب الخبير الذي يرى أن "المغرب هو البلد الوحيد الرائد" في هذا المجال مقارنة بالجزائر وتونس.

اتخذت المملكة منذ العام 2009 خطوات استثمارية هامة في مجال الطاقة المتجددة وحددت هدفًا لتشكّل الطاقة النظيفة 52% من مجموع أنواع الطاقة لديها بحلول العام 2030. وحاليًا، يأتي خُمس إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة الصديقة للبيئة.

وتؤكد وزارة الطاقة المغربية أنها "تجني ثمار رؤيتها بـ111 مشروعًا تم إنجازه أو بصدد التطوير في مجال الطاقات المتجددة".

أحد البرامج الرئيسية التي تم استحداثها في المملكة هو مشروع "إكس-لينك"، بطاقة توليد تتجاوز 10 غيغاواط والذي يعتمد على الشمس والرياح. يصدّر المشروع الطاقة إلى بريطانيا عبر كابلات في البحر تمتد على 3800 كيلومتر. ويهدف لتزويد سبعة ملايين أسرة بحلول العام 2030.

أطلقت تونس مشروعًا أكثر تواضعًا لكنه مشابه. وفي أكتوبر، قدمت طلبًا للحصول على مساعدة أوروبية من أجل مد كابل بطول 200 كيلومتر يربطها بإيطاليا، وهو مشروع بقيمة 800 مليون يورو، تأمل بأن يدخل في الخدمة بحلول العام 2027.

ولو أمكن إنجاز هذا المشروع بطاقة إنتاجية تبلغ ما بين 4 و5 غيغاواط في جنوب تونس "لتمكنت البلاد من بيع الكهرباء لأوروبا وجمعت عائدات مهمة من ذلك" وتفادت التأخير، في تقدير الكنزاري.

أمّا الجزائر المجاورة، والتي تدرك تمامًا أن مواردها من الغاز ستنضب يومًا ما، فحددت لنفسها أيضًا هدفًا طموحًا لإنتاج 15000 ميغاواط من الطاقة الشمسية بحلول عام 2035. ومن المقرر أن يبدأ تشغيل الجزء الأول من مشروع ضخم بقدرة 1 غيغاواط نهاية العام 2023 أو مطلع 2024.

لكن الجزائر لا تنتج حاليًا غير كميات محدودة لا تتجاوز 3% من الكهرباء من الطاقة الشمسية.

وأفادت رئيسة برنامج شمال إفريقيا في معهد الشرق الأوسط انتصار فقير، بأنه على الرغم من التسهيلات عبر سنّ التشريعات، "لا تزال هناك صعوبات أمام الاستثمار الأجنبي بما في ذلك البيروقراطية الجزائرية".