رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حسن صابر وكتابه «مدت نفرت»

 

منذ زمن بعيد انقطعت الصلة بيننا وبين ما ينتجه الغرب من أبحاث ودراسات عن الحضارة المصرية القديمة، ربما بسبب ضعف حركة الترجمة، وعزوف الناشرين عن إصدار هذه النوعية من الكتب، بالطبع تصدر بين الحين والآخر بعض المحاولات لعشاق الحضارة المصرية، أو بمعنى أدق الغيورين على مصر وتاريخها.

والاهتمام بهذه الحضارة يزدهر فى لحظات المد الوطنى والحاجة الى الاستناد إلى اللحظات العظيمة فى تاريخنا، ولن ننسى أنه بعد رحيل سعد زغلول سنة ١٩٢٧ اختلف نواب الشعب وصنّاع الرأى فى الصحف حول الطراز المعمارى الذى ستشيد به مقبرته، هل ستكون على الطراز الإسلامى أم الفرعونى، وانتصر الخيار الثانى، بسبب الأثر الذى تركته ثورة ١٩١٩ فى وجدان الناس، وأن مصر مصرية، مؤخرًا شاهدنا مشهدًا مهيبًا لن ينسى، وهو موكب نقل ٢٢ مومياء «١٢ ملكًا وأربع ملكات» من المتحف المصرى فى التحرير، إلى المتحف القومى للحضارات بالفسطاط.

وكان فى استقبالهم السيد رئيس الجمهورية، وبعدها شاهدنا افتتاح طريق الكباش فى الأقصر بعد تطويره، وهو الطريق الذى يعد أقدم طريق أثرى فى العالم، واحتفى العالم بالحدثين، ولم يستثمر الإعلام الأثر الجيد فى نفوس المصريين، وننتظر الحدث الأهم، وهو افتتاح المتحف الكبير، تضاءل عدد المهمومين بحضارتنا، رغم تخرج أجيال فى كليات الآثار، ولا توجد مطبوعة متخصصة تطلع الناس على آخر ما وصل إليه علم المصريات المزدهر فى أوروبا وأمريكا، والمتراجع فى مصر.

ولكن يوجد أشخاص يعملون بإخلاص ونبل فى هذه المنطقة، أعرف منهم ثلاثة من الغيورين، الذين يدافعون عن هوية بلدهم، ويتصدون لأكاذيب أعدائه، حسن صابر ومحمد أبورحمة والباحث والمسئول فى هيئة الآثار أحمد صالح، والأخير كانت معاركه مع البيروقراطية أصعب من معاركه مع الآخرين، كتاب جديد فى غاية الأهمية صدر لحسن صابر قبل أسابيع عن دار الثقافة الجديدة، يحمل عنوان «مدت نفرت- مقدمة فى الأدب المصرى القديم»، حسن بعد تخرجه فى كلية طب الأسنان، درس علم المصريات فى جامعة القاهرة على يد الأساتذة الأجلاء عبدالعزيز صالح وعبدالحليم نورالدين وعلى رضوان وجاب الله على جاب الله ومحمد مرسى وشفيق علام وغيرهم، كانت رسالته للماجستير عن «طب وصحة الأسنان فى مصر القديمة».

ولأنه شاعر، وشاعر عامية جميل، اهتم فيما بعد بدراسة النصوص القديمة، وأصدر كتابين، هما: «متون الأهرام» الذى ينتمى إلى الأدب الجنائزى أو الدينى أو الأخروى، وهو ترجمة عن النص الأصلى الهيروغليفى، الذى كان موجودًا على جدران الممرات الداخلية وغرف الدفن داخل أهرام ملوك وملكات بمنطقة سقارة، والكتاب الثانى كان الترجمة الأولى لنصوص شعر الحب أو أغانى الحب فى مصر القديمة، وهو ينتمى إلى ما يسمى «الأدب الدنيوى».

فى كتابه الجديد، اعتمد صابر الذى يعيش فى ألمانيا على عدد كبير من الكتب والأوراق البحثية المكتوبة بلغات أجنبية، هو يرى أن التأريخ لمصر القديمة بدأ بمنهج تقليدى محدود استمر أكثر من قرن من الزمان ينصب اهتمامه على التاريخ السياسى وبدرجة أقل مواضيع الديانة والعمارة والفن، وفى نهاية القرن العشرين شهد علم المصريات انفتاحًا على العلوم الإنسانية الأخرى، كعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا واللغويات ونظرية الأدب، الكتاب رغم تتبعه النصوص الأدبية، فإنه تحدث عن نشأة علم المصريات على يد لصوص الآثار الأوروبيين، ورصد تاريخ نهب وتخريب آثارنا، بدءًا من المتشددين المسيحيين الذين تعاملوا معها باعتبارها تراثًا وثنيًا.

ثم العرب الذين شيدوا مدنهم الجديدة مثل الفسطاط والعسكر والقطائع بأحجار المعابد، الكتاب الغنى تطرق لموضوعات متنوعة غير النصوص الأدبية التى أفرد لها فصلًا بقائمة تتضمن وصفًا مختصرًا لمحتواها وشكلها وبنائها وأماكن اكتشافها وأماكن حفظها حاليًا والعصر الذى نسخت فيه أو كتبت فيه أو تتحدث عنه، هو بمثابة رحلة تشبه الحكاية الأدبية، تبدأ بظروف اكتشاف هذه النصوص والتعرف عليها كنصوص أدبية، وخلفية عامة عن اللغة التى كتبت بها كوسيط أدبى «اللغة المصرية القديمة» وعن فك شفرة رموزها، ثم محاولات دراستها وفهمها لمدة قرنين من الزمان، وأيضًا يوجد حديث عن السياق الاجتماعى لهذه النصوص: مؤلفيها وناسخيها وقارئها ونشرها وتداولها، واستقبال المجتمع للأدب وتقديره.. كتاب مهم من الصعب الإحاطة بمحتوياته، ويستحق صاحبه أن نشكره على جهده النبيل.