رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الوصايا العشر للإصلاح ‏

المشكلة هى عدة دوائر داخلية، تصل إلى الأزمة عندما تصبح فتحة دائرة العمق وهى الأصغر ‏ذات انسداد لا يمكن النفاذ بداخلها.‏

وما بين الدائرة والأخرى مسافة تمثل مرحلة زمنية لتصبح كل المسافات داخل الدائرة الكبيرة ‏مراحل تاريخية لأزمنة المشكلة، حتى تصل أعمق وأصغر الدوائر إلى مرحلة الانسداد عندها ‏تصبح أزمة، وهنا تتغير معطيات أدوات الحل، لأن هناك فرقًا بين حل المشكلة وحل الأزمة.‏

هكذا أصبحت الحالة المصرية فى كل دوائرها الزمنية فى حالة انسداد شبه كلى فى كل ‏المجالات، تلك الحالة القائمة هى وليدة ستين عامًا، ومن الخطأ فى الوقت الحالى التعاطى ‏معها بالأدوات التقليدية المتهالكة التى هى وليدة حالة الانسداد الحاضر.‏

فالحل غير التقليدى يتمحور فى العشر العشر التالية:

‏1- مجلس النواب المصرى، أخطأت إدارة الدولة المصرية خطأ جسيمًا فى عملية تكوين ‏مجلس النواب الحالي، فكان يلزم وطبقًا لاستقراء حالة مصر حاضرًا ومستقبلًا تلك القراءة ‏المتسعة التى تتناول الشأنين الإقليمى والدولى، أن يتم اختيار عنصر بشرى ‏لعضوية مجلس النواب ذات صفات وسمات تتناسب وتتماشى مع متطلبات الحالة المصرية، ‏تلك الصفات والسمات المقصود بها «رجل دولة» لديه كل معطيات العمل السياسى بحيث ‏يكون المجلس «كوكتيل» من التخصصات والخبرات التى تنصهر بتكوينها داخل الحالة ‏المصرية، وتكون قادرة على النفاذ من حالة الانسداد إلى حالة الانفتاح، ومن ثم التفكيك الكلى ‏للأزمة ودوائر المشكلة المتلاحقة والمتراكمة، ومن هنا أقترح على القيادة السياسية سرعة ‏حل مجلس النواب والدعوة إلى انتخابات مجلس جديد، تعمل الدولة على اختيار عناصره طبقًا ‏لمتطلبات الحالة المصرية، وهنا تكمن مشكلة الدولة المصرية التى لم يلتفت لها أحد «أنا أؤيد ‏تمامًا طريقة التكوين لأن الشعب غير قادر على الفرز والتمييز فى عملية الانتخاب فى الوقت ‏الحالى».‏

‏2 - الرقمنة «الإدارة الإلكترونية»، هناك فجوة عميقة بين عولمة الحالة العالمية داخل ‏بوتقة الإدارة الرقمية، وحالة الدولة المصرية المنفصلة تمامًا عن تلك الحالة والبعيدة كل ‏البعد عن مخرجات التعاطى معها، رغم امتلاكها العنصر البشرى لقيام تلك المنظومة المهمة، ‏وهذا ما أدى إلى فشل منظومة الاستثمار التى تعمل من خلال الإدارة الرقمية فى كل بلاد ‏العالم ومعها ضعف المنظومة المصرفية «البنوك» التى تأخرت كثيرًا للخلف فى التعاملات ‏المصرفية المختلفة بالإضافة إلى ذلك بيروقراطية مؤسسات الدولة المتشبعة بالفساد، والتى ‏لن يفك طلاسمها إلا الرقمنة الإدارية عبر منظومة عمل متناسقة داخل استراتيجية عمل ‏مترابطة ومتجانسة.‏

‏3 - الفساد والإرهاب، مهادنة النظام السياسى للدولة لمصادر الفساد ومنابع الإرهاب خطر ‏جسيم يلاحق استقرار الدولة ووجودها، فالحل هو الاجتثاث والنسف الكلى لهما عن طريق ‏تحديد أبعادهما ومصادرهما وأنواعهما، ووضعهم تحت مقصلة القانون العسكرى، غير ذلك ‏مصر ستظل فى خطر دائم.‏

‏4- التعليم، الدولة تتعمد النسيان والتخبط فى حل مشكلة التعليم، لأن المنهج تحت إدارة ‏وقيادة الجماعات الراديكالية منذ نظام حكم السادات، والتى على ما يبدو أن هناك اتفاقًا غير ‏معلن بينها وبين النظام الحالى على إدارتها لبعض الملفات منها التعليم، مقابل الهدنة ‏والصمت والمساندة وعدم إحداث أى بلبلة ضد النظام، وهنا الخطر الآخر الذى يهدد وجود ‏مصر. لأن ذلك المنهج قنبلة موقوتة ينتج مئات الآلاف من الإرهابيين والفاسدين سنويًا تحت ‏سمع وبصر الدولة، والحل هو نسف المنهج الحالى وكتابة منهج مبسط تكون مرجعتيه هوية ‏الأجداد الفراعنة، مع صنع معلم متكامل ذات حصانة أدبية وقضائية ومكانة هى الأعلى ‏اجتماعيًا، وأقترح قيام القيادة السياسية بالدعوة إلى بناء 10 آلاف مدرسة نموذجية فى كل ‏أنحاء مصر تتضمن فصلًا مثاليًا ومسرحًا وملعبًا ومعملًا.‏

‏5 - الإعلام، مثله مثل كل المجالات يعيش داخل دائرة الانسداد وأصبح عاملًا سلبيًا ضد ‏أمن الدولة واستقراره، لأنه أصبح فى قبضة أمنية أدت إلى إزاحة كل الأصوات التى تمتلك ‏أدوات التعاطى الثقافى والسياسى مع الأحداث، لتبصر وتنير الطريق أمام النظام السياسى ‏وأصبح من يتواجد صوت بوق، فقد يحدث ضجيجًا فى آذان الشعب ويستنفر الشعب ضد ‏القيادة السياسية. فيلزم سرعة إعادة هيكلة المنظومة الإعلامية لتؤدى دورها لخدمة الوطن.

‏6- وزارة التنمية المحلية، هى معقل ومنبع ومصدر «مستنقع بيروقراطية الفساد» ‏ووجودها يمثل «المجرى التى تتغذى منه كل مؤسسات الدولة فسادًا» وعائقًا كبيرًا أمام أى ‏عمل تنموى وكان يلزم منذ بداية حكم النظام الحالى أن يتخذ قراراته الأولية بحل تلك الوزارة ‏وإعادة هيكلتها بشكل عصرى يتماشى مع احتياجات الحالة المصرية.‏

‏7 - القرار السياسى لنظام الحكم، منذ قيام نظام الحكم الحالى لم يبارح مكانه الذى يقبع فيه من ‏ذلك المكان الذى يطلق عليه مرحلة «الإعداد والتحضير» تلك المرحلة ما زال النظام يعيش ‏بداخلها بفكر ما بعد ثورة 30 يونيو، وصراعه مع نظام جماعة الإخوان، مع أن النظام يترك ‏كل أفراد وأتباع الجماعة وهم بعشرات بل بمئات الآلاف داخل مؤسسات ومفاصل الدولة ‏ينشرون الفتن ويبثون روح اليأس ويدعون لهدم الوطن، ورغم ذلك يبارك النظام تواجدهم، ‏هنا المعضلة المحيرة للمواطن المصرى، والحل يكمن فى أن يقوم رأس النظام بتغيير شامل ‏وكامل فى كل تركيبة هياكل نظام الحكم بالاعتماد على متخصصين ورجال دولة يسحبون ‏مصر من هاجس مرحلة الإعداد والتحضير إلى مرحلة البدء والانطلاق.‏

‏8- الاقتصاد، إلى الآن ما زال نظام الحكم يفتقر إلى سياسة الإنتاج ويعتمد على سياسة ‏الاستدانة والتعاطى التقليدى مع الملف الاقتصادي، مما خلق حالة من الاختناق، فمنذ البداية ‏كان يلزم أن تكون إدارة الملف الاقتصادى من القاع للقمة وليس العكس، أى يلزم البناء من ‏قاع المجتمع بحيث يكون هناك حالة خلق وتوليد لاقتصاد موازٍ يعيش عليه المواطن بعيدًا ‏عن السياسة الاقتصادية التقليدية، لأن المشكلة بدأت منذ أن قام نظام مبارك بنزع الأراضى ‏من الفلاح فى عام 1996 والذى نص على انتهاء عقود الإيجار بين المالك والمستأجر، هذا ‏الفلاح الذى قدر بـ2 مليون أسرة كان يمثل 10% من سكان مصر و60% من الاقتصاد ‏الموازى لأن منزله ومزرعته كانا يمثلان المصنع المتكامل الذى ينتج أمنًا غذائيًا للوطن.‏

‏9- الثقافة والفن، لم يتحرك النظام الحالى قيد أنملة فى اتجاه نفض تراكمات عصرى السادات ‏ومبارك، واللذين دمرا موروثات التكوين الثقافى والفنى المصرى، فما زالت المسارح ودور ‏السينما والمنصات والمؤسسات الثقافية شبه مغلقة، مما أدى إلى تكوين بديل كارثى ما بين ‏طرب المهرجانات، وفن البلطجة وتواجد رجال الدين فى الحياة الثقافية المصرية، وعلى النظام الحالى تبنى استراتيجية تعمل ‏على إحياء دور مصر الفنى والثقافى.‏

‏10- الزيادة السكانية، ترتعش وتهتز أيدى القيادة السياسية أمام تلك المشكلة لأنها لا ‏تملك القدرة أمام المعطيات الأيديولوجية لمواجهتها رغم أنها تمثل أم الكوارث والمصائب على ‏مصر ومنها كل مخرجات مشاكل مصر، «2.5» مليون طفل سنويًا، عدد سكان دولة، تولد ‏سنويًا، والأهم والأخطر أن ذلك العدد هو توليد لمشاكل التطرف والجهل والمرض والفقر لأن ‏تلك المواليد معظمها من الطبقات التى تعيش فى القاع، والحل ‏الذى لا بد من اتخاذه من أمس وليس اليوم تشريع يجرم التعاطى بكل أنواع الدعم مع أفراد ‏الأسرة فيما بعد الطفلين، غير ذلك فلن تحل مشاكل مصر مع وجود تلك القنبلة الموقوتة.‏

كتبت مقالى هذا مثلما كتبت من قبل عشرات المئات من المقالات، كلها تهدف إلى اقتراحات ‏بناءة للإصلاح والتغيير، وأتمنى من القيادة السياسية والحكومة الالتفاف إلى كل ما يكتب ولا يعتبرونه دون معرفة وإدراك لحل مشاكل مصر. 
‏ ‏