رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حملات انتخابية بدون اقتصاد

دعونا نتذكر.. فى الأيام الأولى بعد سقوط حكومة «بينيت- لابيد» فى يونيو الماضى، بدا للكثيرين- وأنا منهم- أن شهور الدعاية الانتخابية سيكون الاقتصاد فى مركزها، الآن بعد مرور شهور، وقبل أقل من أسبوعين على الانتخابات «الخامسة فى غضون ثلاثة أعوام»، أصبح الاقتصاد فى الزاوية، لا أحد يتذكره، ولا أحد يطلق وعودًا حوله، ولا أحد يضعه على قائمة أولوياته.

وعاد نتنياهو مرة أخرة ليكون فى مركز الانتخابات، مرة أخرى تدور الانتخابات الإسرائيلية حول شخص وليس قضية، مرة أخرى على الإسرائيليين أن يختاروا «مع بيبى» أو «لا بيبى».. مرة أخرى انتخابات قد تكون غير حاسمة.

فى الولايات المتحدة، التى تجرى فيها الانتخابات النصفية فى نوفمبر- بعد أيام من الانتخابات الإسرائيلية- يوجد الاقتصاد فى مركز الانتخابات، الاقتصاد الأمريكى فى حالة ركود، ارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع أسعار الغاز، وارتفاع أسعار الفائدة، وارتفاع تكاليف الإسكان، وهبوط البورصة، بالنسبة للأمريكيين قضايا كثيرة لا تهمهم، ولا يهم من هو الحاكم، فقط المهم هو «الدولار».

فى إسرائيل، الوضع مختلف، المؤشرات الاقتصادية ضعيفة، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتكاليف الإسكان فى صعود، وارتفاع فواتير الغاز والكهرباء، الإسرائيليون غاضبون، لكن بشكل عام وضع الاقتصاد الكلى أفضل مما هو عليه فى الولايات المتحدة، لكن الوضع الذى يواجهه الفرد سيئ.

على الرغم من ذلك، فالسياسيون والأحزاب الإسرائيلية لم يضعوا «الاقتصاد» نصب أعينهم، فيائير لابيد وبينى جانتس لم يطلقا وعودًا بتحسين المعيشة وخفض الأسعار، بينما فعل نتنياهو فى الأسابيع الأولى لحملته الانتخابية، عندما دخل سوبر ماركت وأطلق حمم غضبه فى فيديو ووعد الجمهور بأنه عندما يعود كل شىء سيتغير.. لكن الأسابيع الأخيرة غضب نتنياهو توجه إلى ملفات أخرى، الهجوم على اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، وقبلها الاتفاق النووى، وأحيانًا يعارض قرارات الحكومة الحالية فى كل مناحى الحياة.

التجربة علمتنا أن أحزاب اليمين الإسرائيلى تصدر قضايا سياسية وأمنية فى المقام الأول، وأحزاب الوسط اليسار تصدر أجندة اجتماعية اقتصادية، هذا كان فى الماضى، قبل جولات الانتخاب المجنونة «الأربع السابقة والخامسة الجارية» التى تحولت فيها الانتخابات إلى استفتاء على شخص واحد.

منذ أسابيع توقف الاقتصاد عن أن يصبح قضية مركزية للحملة، ليس لأن الجمهور الإسرائيلى غير مهتم، بل لأن الأحزاب لا تريد أن تجعلها قضية.

المثير للاهتمام هنا هو أن الأحزاب الإسرائيلية تتجاهل بشكل صارخ رغبات الجماهير، ففى استطلاع أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلى، مؤخرًا، قال ٣١٪ من المستطلعين إن البرنامج الاقتصادى للحزب، سيحدد ما إذا كانوا سيصوتون له، الأمر الذى يضع الاقتصاد، وليس الشخص الذى يرأس الحزب ولا قضايا الأمن والسياسة الخارجية، فى مقدمة أولوياتهم، ورغم هذا لن يهتم أحد بالاقتصاد.

اليمين الإسرائيلى الآن يخطط للعودة والانتقام من كل من أزاحوه يومًا عن السلطة، واليسار والوسط تركا القضايا الاجتماعية وأجنداتهما، ويركزان فى حملاتهما على مخاطر عودة اليمين، ويحذران الجمهور من تداعيات عودة نتنياهو للحكم والأضرار الذى سيسببها لإسرائيل والإسرائيليين.. والكل نسى الاقتصاد.