رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مئوية سيد درويش

تهل علينا بعد أشهر قليلة الذكرى المئوية لوفاة «فنان الشعب» الموسيقار سيد درويش، هذا الفنان الاستثنائى والرمز الوطنى الذى أرجو ألا ننساه فى خضم الأحداث السياسية والاقتصادية الصعبة التى نمر بها الآن.

ولد الشيخ سيد درويش عام ١٨٩٢ فى مدينة الإسكندرية العاصمة الثقافية آنذاك ليس لمصر فحسب، بل بلا مبالغة لعالم البحر المتوسط بأكمله. كما توفى بالإسكندرية فى عام ١٩٢٣، ومصر فى خضم أحداث أعقاب ثورة ١٩١٩.

نشأ سيد درويش نشأة بسيطة، وتعلم فى الكُتّاب، واشتغل مع الصنايعية والعمال، وردَّد معهم أغانيهم. كما اختلط سيد درويش فى الإسكندرية بالجالية اليونانية والجالية الإيطالية، وتعرف من خلالهما على ألوان الموسيقى الغربية. وارتحل سيد درويش إلى بلاد الشام، حيث التقى بكبار الموسيقيين الشوام فى ذلك الزمان مثل: الشيخ صالح الجذبة وعثمان الموصلى وغيرهما. وهناك اقترب سيد درويش من نوع آخر من الغناء وهو «القدود الحلبية» وهى الموشحات التى اشتهر بها أهل حلب.

وعاد سيد درويش إلى القاهرة ليصبح بحق طفرة جديدة فى عالم الموسيقى العربية، ويعمل على لقاء الشرق والغرب فى موسيقاه، كما أبدع درويش فى هذا اللون الشهير والمصاحب لحركة النهضة الفنية المصرية «المسرح الغنائى».

هل أحدثكم عن «وطنيات» سيد درويش خاصة المصاحبة لثورة ١٩؟ ربما لا يعرف البعض أنه الملحن الأول للنشيد الوطنى المصرى الذى ما زلنا نردده حتى الآن «بلادى بلادى»، كما تغنت مصر كلها بلحنه الذى وضعه بمناسبة عودة سعد زغلول من المنفى.

ويصف الكاتب الكبير عباس العقاد سيد درويش ودوره فى الموسيقى العربية قائلًا: «إذا قلت سيد درويش فقد قلت إمام الملحنين ونابغة الموسيقى المفرد فى هذا الزمان. مات سيد درويش والقطر كله يصغى إلى صوته. وسمع نعيه من سمعوا صوته، فما خطر لهم إلا أنهم يسمعون نبأ خسارة خطيرة، وأن هذه الأمة قد فجعت فى رجل من أفذاذ رجالها المعدودين».

أتمنى أن تحتفل مصر كلها فى العام المقبل، بعام سيد درويش، وأن يكون الاحتفال احتفالاً قوميًا بمعنى الكلمة، لا سيما وأنا أعلم أن هناك عدة دول مجاورة تخطط أيضًا للاحتفال بهذه الذكرى. أتمنى ألا يقتصر الاحتفال على مؤسسات وزارة الثقافة، أتمنى أن تشارك وزارة التعليم فى هذا الاحتفال، وأن يكون موضوع كلمة الصباح فى طابور المدرسة عن سيد درويش، وأن يسمع الطلاب أغانى سيد درويش، لنغرس فيهم التذوق الفنى وحب الوطن. ويا حبذا لو أقامت الوزارة مسابقات بين الطلاب فى إنشاد الأغانى الوطنية لسيد درويش. أتمنى أن تشارك وزارة الشباب عبر مراكز الشباب فى الاحتفال بمئوية سيد درويش. وتقع على عاتق الإعلام المصرى مهمة كبرى فى الترويج لهذا الاحتفال، وإذاعة أغانى سيد درويش بين فواصل البرامج، كما أرجو أن تهتم برامج التوك شو بتقديم فقرات عديدة عن سيد درويش، زمانه وفنه الخالد. أتمنى أن تطرح مصر جائزة عربية فى الموسيقى باسم «سيد درويش»، كما طرحت من قبل جائزة باسم نجيب محفوظ.

لدينا مناسبة مهمة، سيهتم بها العالم العربى، فأرجو ألا تنسى مصر ذكرى سيد درويش فى خضم الأزمة الاقتصادية الحادة التى نمر بها.